يحتفل المسيحيون الشرقيون بعيد الميلاد المجيد يوم السابع من يناير من كل عام، ذكرى ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وقد تحدث القرآن الكريم عن الميلاد المجيد في سورة مريم «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا» هكذا رد المسيح عيسى عليه السلام وهو فى مهده على سؤال قوم السيدة مريم من أين أتى؟ حيث أتاهم الجواب من المسيح نفسه وهو في مهده، وكانت أولى معجزاته. أما أهم الدروس التى أتى بها المسيح عيسى عليه السلام فى رسالته إلى البشرية، وتشترك مع الدين الإسلامى، فتحدثنا عنها الدكتورة عايدة ناصيف، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، ونائب رئيس قسم العلوم الإنسانية فى الكلية الأكليريكية بالكاتيدرائية، وتعد أول سيدة تدرِّس الدراسات العليا في هذه الكلية، حصلت أخيرا على الزمالة الدولية فى الحوار والسلام من هيئة كايسيد الدولية بالنمسا، كما أنها عضو لجنة المرأة بمجلس كنائس مصر، وعضو مجلس الشيوخ. - ما أبرز الدروس التى تدعو إليها المسيحية ويذكرنا بها عيد الميلاد المجيد؟ الفرحة بالميلاد المجيد، ورسالة السيد المسيح إلى العالم تقول عنها د. عايدة: «المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة» أنشودة فرح الملائكة بميلاد السيد المسيح إشارة إلى أن رسالته هي السلام على الأرض، وقد ترك لنا دروسا كثيرة لنقتدى بها فى حياتنا. أول درس له بعد روحى هو عدم الاهتمام بالمظاهر، ويظهر ذلك من ميلاد السيد المسيح في بلدة صغيرة تُدعى «بيت لحم» حيث ولد فى المزود، وهو وعاء الزاد للبقر، فحينما شعرت السيدة العذراء بآلام الولادة، اختبأت في المزود، لكي تضع مولودها بعيدا عن أعين الملك هيرودس، الذى قرر قتل جميع أطفال بيت لحم بعدما أبلغه العرافون بأن أحدهم يرث الملك منه، وهذا المزود كان يُصنع من الخشب أو يحفر فى الصخر، ويكون أشبه بالكهف. مكان بسيط ومتواضع دون احتفالات أرضية، كما أنه ولد لأسرة فقيرة وفى رعاية يوسف النجار، ونجد ذلك فى صورة الميلاد التي توضح المزود وما يحيط به، كما ولد أيضا فى يوم شديد البرد لم يجد فيه أقمشة كافية ولا دفئا، ذلك المشهد درس روحي يشير إلى البعد عن المظاهر الشكلية والالتزام بالبساطة، مقابل الاهتمام بالجوهر، فالعظمة الحقيقية ليست فى المظاهر إنما فى القلب المملوء بالفضائل والحب لكل الناس والعلم. ثانى درس هو «الاتضاع»، بمعنى التواضع، وميلاد السيد المسيح هو أكبر درس في ذلك، قصة الميلاد التى أخلى فيها ذاته من كل مجد عالمى، فإذا أردنا الاحتفال بالميلاد فلنحتفل بالاتضاع، ونحيا حياة الاتضاع فى السلوك اليومى. ثالث درس مستفاد هو البساطة، ففى حياة السيد المسيح عندما بدأ رسالته على الأرض اختار تلاميذ له من البسطاء،الذين يجب ألا نستهين بهم، فقد كان لهم بساطة وعمق الإيمان، حتى المجوس والرعاة الذين أتوا فى وقت ميلاد المسيح، لما سمعوا بشارة الميلاد كانوا بسطاء القلب وصدقوا وآمنوا وفرحوا وذهبوا إلى مزود البقر حيث مكان الميلاد، وقدموا هداياهم إلى المولود، ومن ذلك نتعلم بساطة الإيمان التى نستطيع بها أن نعرف الله معرفة حقيقية، خصوصا فى الوقت المعاصر الذى به كثير من التعقيدات والتحديات والمشكلات، وليس معنى ذلك عدم إعمال العقل، ولكن العقل مع الإيمان، وهذا أمر مهم. المحبة والسلام أيضا من أهم دروس احتفالنا بميلاد المسيح، الذي جاء لنشر الحب والسلام بين الناس والله، وبين الناس بعضهم البعض. يقول السيد المسيح «تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك وتحب قريبك كنفسك». جميع الوصايا تتركز فى وصية واحدة؛ ألا وهى المحبة، ولقد جاء ميلاد السيد المسيح ببشارة السلام، سلام فى أعماق النفس من الداخل، سلام من الله يفوق كل العقول، وما أحوجنا اليوم إلى مفاهيم السلام والمحبة والبساطة ليعم الحب بين الناس وبين الشعوب. - ما أهم القيم والتعاليم التى كان يدعو إليها السيد المسيح؟ فى الحقيقة؛ العهد الجديد من الكتاب المقدس يمتلئ بالتعاليم السامية والنافعة للإنسان. وعلى سبيل المثال فى الموعظة على الجبل قدم السيد المسيح قيما رائعة، عندما قال «طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض، وطوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات، وطوبى للرحماء لأنهم يرحمون، وطوبى لأنقياء القلوب» فقد تحدث وعظم من السلام والمحبة والقلب النقى والرحمة، وهذه نماذج من تعاليم السيد المسيح التى يحتاج إليها الإنسان فى اللحظة التاريخية الراهنة،لأن العالم فى احتياج حقيقى إلى المفاهيم الإنسانية والمبادئ القيمة. - هل هناك تعاليم وقيم مشتركة مع الديانات الأخرى؟ بالطبع هناك مبادئ مشتركة بين الديانات؛ مثل الرحمة والمحبة والسلام والعدل والإخاء، والتي يجب أن يلتف حولها البشرية لأن العالم يئن من التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية والإيمانية أيضا، وقد دعا السيد المسيح إلى الحوار والانفتاح على الآخر المختلف، مثل حواره مع المرأة السامرية وحواره مع تلاميذه فى رسائل التعاليم والقيم الأخلاقية، لأن الحوار يقرب وجهات النظر، ويزيل الشكوك من النفس، وبالتالى يترك بعده نفوسا سليمة خالية من الكراهية والحقد، ونجد ذلك فى الكتاب المقدس الذى يشير إلى فضائل مهمة كالمحبة والرجاء والإيمان. - كيف كانت مكانة المرأة فى المسيحية؟ المسيحية أعلت من قيمة المرأة بعد أن كان ينظر إليها نظرة متدنية، فجاء السيد المسيح ومنحها كرامة كبيرة، والسيدة العذراء خير نموذج، وهى تعتبر نقطة تحول لكرامة المرأة فى العهد الجديد، فأصبحت أم السيد المسيح، ونموذجا للطهارة والتمجيد كما جاء فى إنجيل القديس لوقا «مباركة أنت فى النساء». وقد تغيرت النظرة إلى المرأة بعد مجيء السيد المسيح، فى أحداث القيامة كان الذى له دور جوهرى هو النساء، ونجد أول مبشرة بالقيامة هى مريم المجدلية كما جاء فى الكتاب المقدس العهد الجديد وفى الكنيسة الأولى، وهناك نماذج رائعة للمرأة الخادمة فى المسيحية، منهن على مر التاريخ شهيدات مثل القديسة دميانة، والشهيدة العفيفة، ومنهن شمَّاسات وخادمات، وحتى الآن لهن دور مهم فى الخدمة والتعليم فى الكنيسة، إضافة إلى الراهبات. ونجد فى مصر أديرة مخصصة كلها للراهبات ولهن عمل روحى وعملى كبير، وأبرز مثال على اهتمام الكنيسة المصرية بالمرأة هو الاستعانة بها فى الخدمة التطوعية بالكنائس، ودعم البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الثامن عشر لدور المرأة فى نشر الوعى والتعليم، وأنا نموذج حى، فقد تم اختيارى للتدريس بالكليات اللاهوتية بالكنيسة. - ماذا فعلت لتجسدى تعاليم المسيح وآداب الدين فى حياتك حتى بلغت مكانة علمية واجتماعية مرموقة؟ تعاليم الكتاب المقدس وتعاليم المسيح قواعد ومبادئ تعلى من قيمة الإنسانية كلها، ومن حسن حظى أننى نشأت فى بيت مسيحى أصيل لأب خادم وشمَّاس بالكنيسة وله عمل خدمى للمجتمع، وأم نقية القلب تحب الصلاة، وتبث فينا الالتزام بها، وتحرص منذ طفولتنا على حضورنا القداس ومدارس الأحد، فترسخت فى نفوسنا تعاليم الكتاب المقدس، وتعلمت العطاء والخدمة التطوعية من الكنيسة، ومن أبى وأمى الخدمة فى الكنيسة والخدمة للمجتمع ومحبة الآخرين وخدمتهم، فأصبحت خادمة لمدارس الأحد فى بداية مرحلتى الجامعية، ثم تطورت خدمتى عندما حصلت على الماچستير والدكتوراه فى العلوم الفلسفية من جامعة القاهرة، وأصبحت أدرِّس فى الجامعة وفى الكليات اللاهوتية بالكنيسة القبطية، وكانت فضائل المحبة والعطاء والسلام نبراسا لى فى طريقى خلال عملى المجتمعى والأكاديمى والخدمى، كما حصلت أيضا على الزمالة الدولية فى الحوار والسلام من ڨيينا ممثلة عن مصر والكنيسة المصرية، وحصلت على العديد من شهادات التكريم والدروع، سواء من المؤسسات الأكاديمية والدينية والمجتمعية لدورى فى التوعية، ونشر الوعى بالهوية الوطنية من خلال عدة مبادرات فى جميع أرجاء مصر، مثل مبادرة صناع السلام ومبادرة دور الشباب فى مستقبل مصر، ومبادرة استعادة الوعى، فالوعى سلاحنا للدفاع عن هويتنا ووطننا الآن، وهو هدفى فى خدمة وطنى والمصريين من خلال عضويتي فى مجلس الشيوخ أيضا.