د. عبد المنعم سعيد الأخبار الجيدة فيما يتعلق ب أزمة كورونا العالمية أن مصر خرجت منها حتى الآن بقدر معقول من الخسائر؛ وهي من الدول المسجلة الآن ضمن الدول الجارية التعافي؛ وفوق ذلك كله فإنها بمعدل نمو قدره 3٫5% تكون قد حققت ما عجزت دول كثيرة عن تحقيقه. الأخبار السيئة هى أن الأزمة لم تنته بعد، وأن هناك جولات جديدة للفيروس الوبائى قد بدأت هجماتها، ومن المقدر لها أن تزداد شراسة مع الموجتين الثانية والثالثة المتوقعة . الفيروس يثبت كل يوم أنه قادر على التحول من حالة إلى أخري، ومثل ذلك يجعل من التوصل إلى لقاح وعلاج مسألة مؤقتة وتحتاج إلى تجدد لمواكبة جائحة سريعة الانتشار. وما بين الأخبار الجيدة والأخرى السيئة هناك تصميم مصرى على ضرورة استمرار التنمية والتقدم فى البلاد وفى جميع المجالات المتصورة فى مصر. تحقيق ذلك ممكن إذا ما كان هناك درجة عالية من الانضباط المجتمعى مع الاستمرار فى تطوير القطاع الصحى وزيادة كفاءته وهو فى الأول والآخر أحد مجالات التنمية المهمة، والتى من الممكن لها أن تساعد فى تحقيق الازدهار فى مجالات اقتصادية حيوية مثل السياحة. فرغم استمرار الذعر العالمى من الفيروس ، فإن العالم هو الآخر لا يستطيع العيش رهينة تهديد كوفيد 19، وإنما سوف يحاول الجمع ما بين الحماية الصحية، والعيش فى حياة طبيعية قدر الإمكان. تحقيق هذا التوافق سوف يكون بالجمع ما بين الانضباط الإنسانى والتقدم التكنولوجى فى اكتشاف الحالات المريضة بالسرعة الواجبة، والقدرة على الأداء الاقتصادي. هذه ليست نوعا من الحكمة النظرية، وإنما هو ما تقوله لنا التجربة العالمية. فى 20 أكتوبر الحالى نقلت لنا صحيفة الوول ستريت جورنال أنه بينما سجلت الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وهونج كونج مجتمعة أقل من 1000 حالة يوميًا منذ سبتمبر، كانت الولاياتالمتحدة وحدها تبلغ عن أكثر من 56 آلف حالة يوميًا فى المتوسط، وهو أعلى رقم منذ أوائل أغسطس. فى أوروبا - حيث نجحت عمليات الإغلاق الربيعية فى تقليص عدد الإصابات إلى حد كبير - تشهد الآن موجة ثانية أكثر من أى وقت مضي، بمتوسط 88 ألف حالة يوميًا. ما يقرب من ثلث سكان العالم يقيمون فى شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، ولكن المنطقة المكتظة بالسكان تمثل أقل من خُمس الوفيات الناجمة عن فيروس Covid-19 فى العالم البالغ عددها 1٫1 مليون وفاة. وتمثل أوروبا والولاياتالمتحدة ما يقرب من نصف ذلك. وبينما تجبر زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية على إغلاق الحانات وفتح المستشفيات الميدانية وقصر التجمعات الاجتماعية على مجموعات صغيرة من الناس، أصبحت مثل هذه الإجراءات ذكريات بعيدة فى معظم أنحاء آسيا. لأشهر الآن عادت الحياة فى جميع أنحاء آسيا، حيث ظهر الفيروس لأول مرة، إلى طبيعتها. مع انتشار العدوى فى المستويات المنخفضة، تعج الحانات والمطاعم بالنشاط وقطارات الأنفاق مكتظة واستؤنفت الحفلات الموسيقية الحية والرياضات. العالم فى حقيقته منقسم ما بين الذين حافظوا على الانتباه من عودة الفيروس، والحذر أكثر من المبالغة فى فعالية اللقاح المنتظر؛ وبين هؤلاء الذين ضجوا بسرعة من الإجراءات الاحترازية، أو تجاهلوا الوضع لأسباب سياسية أو اقتصادية، فكانت النتيجة عودة الجائحة مرة أخرى، شرسة وعفية. فى الحالة الأولى كان الاقتصاد قادرا على التعافى التدريجي، وبات ممكنا توقع نمو الاقتصاد الصينى بمعدل 1٫9%؛ بينما المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأمريكى بمعدل 4٫3%؛ أما منطقة اليورو فسوف يكون انخفاضها بمعدل 8٫3%. هذا الفارق تحقق نتيجة الصرامة فى النموذج الآسيوي، والتساهل والدعة والبحث عن أصوات الناخبين فى النموذج الغربي. منعت الحكومات الآسيوية العدوى من الانتشار على نطاق واسع أيضًا بفضل أساليب المراقبة المطبقة فى وقت مبكر. حدثت مجموعات من العدوى فى جميع أنحاء آسيا حيث عاد الناس إلى أماكن العمل والمدارس. ولكن بدلاً من فرض عمليات إغلاق صارمة، شددت العديد من الدول الآسيوية إرشادات التباعد الاجتماعى ووسعت نطاق الاختبارات عندما ترتفع الإصابات. فى الدول الغربية، كان الالتزام بقواعد الحجر الصحى غير منتظم، وعلى الرغم من ارتفاع أعداد الإصابات، فقد سئم العديد من الغربيين من القيود المفروضة على حياتهم الاجتماعية ويقولون إنهم يفضلون المخاطرة بالإصابة بالفيروس على التوقف عن رؤية العائلة والأصدقاء، وكانت النتيجة هى ما نشاهده اليوم من عودة الأزمات الصحية إلى العديد من الدول الأوروبية بطريقة أثرت سلبيا على أدائها الاقتصادي. مصر لا تمتلك ترف التجريب فى هذا الأمر، فمن ناحية فإن التعرض لأزمة صحية أخرى كتلك التى عشناها خلال الربع الثاني من هذا العام ينبغي ألا تحدث مرة أخرى نظرا لارتفاع تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية؛ ومن ناحية أخرى فإن المشروع القومى لتطبيق رؤية مصر 2030 خلال السنوات العشر المقبلة لايتحمل تأخيرا آخر. الحل يبدو فى متناول اليد ومن خلال الخبرة الآسيوية فإن التعايش مع الفيروس فى ظل التنمية الواسعة والمتسارعة ممكن إذا ما كان التحذير واضحا، والصرامة لا شك فيها فيما يتعلق بالكمامة والتباعد الاجتماعي، والسعى الكبير للحصول على أفضل اللقاحات والعلاجات الممكنة شرقا وغربا. بعض من ذلك يحدث بالفعل، ولكن على الجانب الآخر فإن مواصلاتنا العامة، وتقاليدنا الريفية، وتواكلنا الحضري يضع المجتمع كله على حافة خطر استئناف الفيروس نشاطه فى البلاد. فى بداية الصيف، وفي 19 يوليو الماضي كتبت مقالا في المصري اليوم الغراء تحت عنوان لا تتعجلوا...! طالبت فيه بألا تغلبنا الرغبة فى عودة الحياة الطبيعية إلى ما كانت عليه مرة أخرى حتى اختفت الكمامة من الميكروباصات، وتوقفت المراقبة التى تقيس الحرارة عن العمل، وعاد التزاحم إن لم يكن داخل البنوك فعلى أبوابها. المسألة لا تحتاج فقط نوعا من حالة الطوارئ القومية، وإنما أيضا تحتاج اقتناعا كاملا وتطوعيا بأن سلامة المواطن تأتي من سلامة جميع المواطنين. وإذا كنا نريد الاستعارة فإن تجربة فيتنام يبدو فيها الوجهان: الحرص والتنمية. * نقلًا عن صحيفة الأهرام