د. علي الدين هلال تُعتبر الأعياد مناسبات للبهجة والاحتفال والترابط الأُسرى والاجتماعى فى كُل المجتمعات مع اختلاف لغاتها وثقافاتها ومُستوى تطورها. وفى هذا الشأن، تفنن المصريون فى الاحتفال بأعيادهم على مدى تاريخهم الطويل. وعبر هذه الرحلة الممتدة، استمرت بعض العادات والطقوس وظهرت عادات وطقوس جديدة. فعلى سبيل المثال، فإن عادة صُنع القُرَص وتوزيعها على أرواح الموتى هى عادة فرعونية قديمة توارثها المصريون، كما استمر الاحتفال بشم النسيم وعادات تلوين البيض وأكل الملانة والفسيخ. والأعياد فُرصة لإعادة شمل العائلات. ففى القرن العشرين، نزح كثير من أهالى الريف إلى البنادر والمدن طلبا للعلم والرزق والترقى وعاشوا فيها، ولكنهم حرصوا على العودة إلى قُراهم وأماكن سكن عائلاتهم ليحتفلوا معهم بالأعياد. ويكاد ينطبق ذلك على كُل أبناء الجيل الأول الذى ترك الريف، وبدرجة أقل على الجيل الثاني. ومن عادات الاحتفال بالأعياد بين عموم المصريين، الخروج إلى الحدائق والمتنزهات العامة، وفى أى مكان توجد فيه خُضرة فيقومون بافتراش الأماكن المزروعة كورنيش النيل، كما يقوم الكثيرون باستئجار المراكب والسُفن الشراعية. وعلى مدى أجيال، كانت حدائق القناطر الخيرية وحديقة الحيوان بالجيزة مقصدين رئيسيين للمُحتفلين بالعيد. وأتذكر أنه فى هذه المناسبات، كانت فرق موسيقى الجيش تصدحُ بأنغامها فى الأماكن العامة وكُنت أُتابعها وهى تعزف فى حديقة الأزبكية. وكان المواطنون يلتفون حولها مُصفقين ومُهللين. وفى عيد الأضحى، أتذكر أنه فى أحياء الطبقة الوسطى بالقاهرة فى خمسينيات القرن الماضي، كانت العائلات تشترى خرفان الأضاحي. وأتذكر أن الأصل فى هذا الأمر أن يكون الخروف من النوع البلدى أى تم تربيته فى مصر، وكان هناك الخروف البرقاوى والخروف السوداني. ثُم امتلأت الأسواق فيما بعد بخرفان من كُل بلاد العالم من رومانيا وجورجيا واليونان وأستراليا وغيرها. كانت الأُسر تربط الخروف فى حوش المنزل وهى عادة أحدثت مشكلات كثيرة. فإذا كان البيت يتكون من عدة شقق، لنا أن نتصور نفاذية الروائح التى انبعثت من هذا الحوش وخصوصًا عند دخول المنزل أو الخروج منه، وتولى أفراد الأُسرة توفير الماء والطعام للخروف ورعايته وأحيانًا الخروج به للمشى عدة دقائق كُل يوم. وهكذا، فإن الأُضحية كانت مسئولية جماعية يشترك فيها أفراد الأُسرة. وفى مساء يوم الوقفة، كان الأطفال ينزلون إلى الشوارع ويتصايحون بعبارة بُكرة العيد ونعيد وندبحك يا شيخ سيد. ويتفق الباحثون على أن المقطع الثانى من هذه العبارة هو تغيير ل «وندبحك يا خروف سيد» ولكن لا يوجد حجة مُتفق عليها حول سبب هذا التغيير فى المأثور الشعبي. وعندما يأتى اليوم الموعود بعد صلاة العيد، يتم إخراج الخروف من مكانه إلى الشارع حيث يتم ذبحه فيه. وفى الريف، انتشرت عادة أن يغمس أحدهم يده فى دماء الأُضحية ثًم يضعها على حائط المنزل فى شكل خمسة وخميسة. وذلك حسب الاعتقاد الشائع بأن هذا الرسم يحمى أهل البيت من شر العين والحسد. وكان من المُعتاد أن تحدث مُشادات بين الأطفال وآبائهم فى عيد الأضحى. فالأطفال يتوقعون الحصول على العيدية ويُطالبون بحقهم فيها، والآباء يُراوغونهم بالقول إن الأضحى هو عيد لحمة. وبالطبع، فقد كان الأبناء ينتصرون ويحصلون على العيدية، وينزلون بها إلى أقرب مكان توجد فيه المراجيح، وهى الشكل المُبكر لأجهزة الترفيه الحديثة فى الملاهي. وكانت مصنوعة من الخشب، وتتكون من ألعاب: المُرجيحة السلسلة، والزقازيق، والزوحليقة. وبالمناسبة، فإن المراجيح تعود بجذورها إلى مصر الفرعونية. كما يذهبون إلى المكان الذى يوجد به عرض الأراجوز. والذى كانت له شعبية كبيرة بين الأطفال، وأتذكر أن الفنان محمود شكوكو قدم عشرات فقرات الأراجوز على المسرح والتليفزيون. وتفنن فى تصميم شخصياتها وأدوارها. وكان هذا الفن المدخل لإنشاء مسرح العرائس عام 1959 فى مصر. كان الأراجوز مُحببًا للأطفال والكبار على حد سواء، وذلك باعتباره فنًا ساخرًا يُعالج القضايا الاجتماعية والإنسانية التى تهم الناس بأسلوب ضاحك ومُثير. ومن منا يستطيع أن ينسى شخصية جاد الكريم التى أداها باقتدار المُبدع عُمر الشريف فى فيلم الأراجوز. وحول تجمعات الأطفال، انتشر الباعة الجائلون كباعة: الترمس واللب والفول السودانى وحلوى غزل البنات، وأكواز الذرة المشوى والتين الشوكى إذا جاء العيد فى موسمهما، وظهر أيضًا باعة شراب العرقسوس المُثلج. وكان عمله شاقًا يتطلبُ قُدرة بدنية كبيرة، فقد كان يلبس حزامًا مُعلقا عليه إبريقً يمتلئ بالعرقسوس ومجموعة من الأكواب لصب الشراب فيها، ويُمسك فى يده اليُمنى بصاجات يستخدمها بطريقة تُحدث نغمات تجذب الرواد، ومعه دورق أو جردل من المياه لتنظيف الاكواب بعد استخدامها. تغيرت عادات المصريين فى الريف والمدينة بما يتناسبُ مع ازدياد الإدراك بمقتضيات الصحة العامة والذوق العام. ولكن العيد ظل مصدرًا دائمًا للبهجة والسرور يحتفلُ به الفُقراء والأغنياء كُل بطريقته. وجاء عيد الأضحى هذا العام فى ظروف مُختلفة لم يعشها من قبل أى مصرى وذلك تحت وطأة وباء مرض فيروس الكورونا. فلم يذهب آلاف المصريين لتأدية مناسك فريضة الحج كما يفعلون كُل عام، ولم يؤدوا صلاة العيد فى المساجد والساحات العامة كما اعتادوا لسنوات. وفى ظل هذه الظروف، يتخوفُ الكثير من انتشار المرض ويحرصون على اتباع الإجراءات الاحترازية فى أماكن التجمع وهو إجراء مطلوب وضرورى للحفاظ على النفس ولحماية الآخرين. ومع كُل ذلك، يستمر المصريون فى الاحتفال بعيد الأضحى ويسعدون بقدومه فالمصرى قادر على إيجاد البهجة وزرع الابتسامة فى كل الظروف. ويظلُ دائمًا ايمانه بالله وبالمُستقبل عونًا له يمكنه من مواجهة التحديات والخروج من كل أزمة وهو أكثر قوة وتصميمًا وعزمًا. وكُل عام وأنتم جميعًا بخير.