د. خالد بدوي .. عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تحدثنا في المقال السابق عن قدرة الدولة المصرية على صياغة طرق جديدة لصناعة النخبة الوطنية في كافة المجالات؛ ولم تمر أيام على نشر المقال السابق إلا وشاهدنا عودة وزارة الدولة للإعلام لتنظيم الأطر الإعلامية والموضوعات ومحاولة انتشال النخبة الإعلامية مرة أخرى من مُستنقع المال أو التزييف أو عدم الانتماء للدولة. وفي هذا المقال سنتطرق إلى مدخل عملية الإصلاح السياسي في مصر؛ والذي حاول الرئيس السيسي – ومازال - اقتحامه منذ سنوات مواجهًا مصالح النخبة السياسية الحالية وطموح التمثيل النيابي لبعض الأحزاب أو إكسير البقاء الذي يبحث عنه بعض الرموز الحزبية والسياسية. ولعل حالة الاستقرار الأمني والاقتصادي التي باتت مصر في منطقتها الدافئة لهي السبب الأدعى؛ لأن يتحدث الرئيس في هذا الشأن مرة أخرى في لقاء مع رؤساء تحرير الصُحف والمواقع الإعلامية إلى جانب عدد من الإعلاميين منذ وقت قريب. ولو تخيلنا ال 8 سنوات المنقضية بعد الثورة كفيلم تسجيلي وأمعنّا النظر في ترتيب الأحداث والمواقف، ورصدنا بعض المؤشرات، سنجد - وبكل صدق - أن هذا الرجل إنما أنقذ مصر وشعبها وقواتها المسلحة من مهلَكة كادت أن تقضي على الحضارة والإرث والتاريخ والاقتصاد والجغرافيا في وقت واحد. مُنحدرين بعد الثورة - وأقصد ثورة التشخيص الخاطئ 2011م- نحو نفق بلا هوية تشريعية أو دستور ينظم أُطر التعامل بين المؤسسات أو الأفراد أو سيادة على بعض المناطق أو سياسة داخلية تنعم بالممارسة المعتدلة أو سياسة خارجية تحترم خصوصيتنا؛ مُنتقلين في ظرف عامين إلى حالة اللا دولة واللا مُستقبل؛ بلا أساس أمني أو تنفيذي أو تشريعي. إلى أن جاء هذا الرجل في 2014م؛ والذي وضع خطته في محورين مهمين (الحرب للبقاء – التنمية للانطلاق)؛ ولعل هذه المقدمة الطويلة هي أساس ما سنتحدث عن فكرته في هذا المقال. إن عملية الاستقرار هي أساس عملية الإصلاح السياسي؛ ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تقوم في مصر سياسة دون استقرار أمني واقتصادي يحافظ على شرعيتها؛ ولن أكون مؤيدًا لبعض الممارسات من بعض الأحزاب أو الأشخاص بقدر ما سأقدم أحد حلول الرئيس التي عرضها أكثر من مرة على الأحزاب التي تعدت أعدادها 102 حزب سياسي؛ والتي تستطيع بقدر ضئيل من التنازل أن تحقق رواجًا سياسيًا كبيرًا في المجتمع المصري. وبوجود أكثر من 102 حزب سيكون التنافس مقتصرًا على ثلاثة أو أربعة أحزاب على الأكثر؛ بيد أن الرئيس أراد أن تغير الأحزاب نفسها، وتخلق 4 أو 5 تكتلات توافقية تتحد في تغيير ثقافة المواطن نحو السياسة، وتخطو الخطوة الأولى في مسار عملية الإصلاح السياسي الذي ننتظره منذ عام 2012م، إلا أن الرئيس في 2016 و في 2017 وفي 2018م لم يتلق ردًا من الأحزاب نحو فكرته التي عرضها. وفي 2019م قرر الرئيس أن يخطو هو هذه الخطوة نحو تقوية بعض الأحزاب بشبابها من تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين والدفع ببعضهم في مناصب نواب المحافظين، وأشار إلى بعض الأحزاب التي بالمناسبة تُعد من الفئة الوسطى في الشعبية أو التأييد الجماهيري؛ في سابقة لم تحدث من أى رئيس تجاه شباب الأحزاب السياسية المصرية؛ ليساعد الأحزاب على التنافس وفقًا لمقتضى الحال في بلادنا ووفقًا لمتغيرات الحالة السياسية الحالية. وأتصور أن هناك فرصة حقيقية لدى الأحزاب السياسية بعد نداءات الرئيس المتكررة للإصلاح السياسي؛ وبما أن فخامته قد ألقى بالكُرة في ملعب الأحزاب؛ فالأمر متروك الآن لهم؛ وأرى أنه من السهل جدًا أن تحظى الأحزاب القوية بتأييد الأحزاب الضعيفة إذا توحدت المطالب أو تحققت المصالح المشتركة. وقد يكون من السهل - ونحن نقبل على إجراء 3 استحقاقات انتخابية - أن تكون الأحزاب 4 تكتلات تقدم قوائم وطنية توافقية تخوض هذه الاستحقاقات بنية الإصلاح وليس بنيّة الاستحواذ؛ ولعل نشاط بعض الأحزاب الآن في افتتاح أكبر عدد من المقرات أو إعادة تشكيل المكاتب القاعدية في القرى والمدن لهو الإجابة التي باتت ظاهرة للجميع وهي أن الأحزاب ستخوض الاستحقاقات بمفردها دون تكتل واحد. معتمدين على نظرية "البقاء للأقوى" والتي يرفضها الرئيس الذي لا ينافس أحدًا ولا ينتمي إلى أي حزب أو يحتاج إلى حزب سياسي؛ إلى جانب أن قوة بعض الأحزاب –الظاهرية- لن تجدي نفعًا في تحقيق العدالة التي يريدها الرئيس لممارسة سياسية صالحة بين المؤيد والمعارض. إن عملية الإصلاح السياسي لن تؤتي ثمارها إلا بحوار وطني نظيف لكل القوى السياسية واعتماد وثيقة سياسية يتفق عليها الجميع؛ بخلق مجموعة صغيرة من الكيانات السياسية بدلًا من 102 حزب، وتضم هذه التكتلات - أو الكيانات - في تنظيمها أحزابًا تتفق في الرؤى والأفكار المؤيدة أو المعارضة؛ وتحاول صياغة سُبل جديدة؛ للوصول للمواطن وتعزيز ثقته في السياسة مرة أخرى.