على عكس ما كشفت عنه المنظمات الدولية والمراقبون للانتخابات الرئاسية، من إشادة بنزاهتها وشفافيتها، انطلقت مساء اليوم الإثنين مسيرات بدأت أمام دار القضاء العالى بوسط القاهرة، وصل صداها إلى عدد من المحافظات، للإعلان عن رفضها لنتيجة الانتخابات التى جاءت بالدكتور محمد مرسى، والفريق أحمد شفيق، فى جولة الإعادة، وأطاحت ب 11 مرشحًا آخرين، أبرزهم عمرو موسى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، وحمدين صباحى كانت أجواء 25 يناير حاضرة اليوم، من خلال الشعارات والهتافات التى رددها المشاركون فى المسيرات، التى بدأت عصر اليوم من دار القضاء العالى، وتحركت فى عدد من شوارع منطقة وسط القاهرة، إلى أن وصل إلى ميدان التحرير، فى مشهد لم يتكرر - من حيث شعاراته - منذ الإطاحة بنظام مبارك فى شهر فبراير قبل الماضى. حين هتف المصريون فى 25 يناير مرددين "الشعب يريد إسقاط النظام"، كان المغزى من هتافهم، إسقاط نظام مبارك فقط، بينما جاءت هتافات اليوم لتمحو ذكرى مبارك، وتصوب أصواتها فى اتجاه المجلس العسكرى، وجماعة الإخوان المسلمون، واللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، حيث باتت هذه الجهات الثلاث –من وجهة نظر المتظاهرين- بمثابة نظام جديد، بات عليه أن يرحل كما رحل مبارك. قبل عام ونصف من الآن، كان "الشعب يطالب بإسقاط النظام"، وفى مايو من العام الماضى، هتف ميدان التحرير "يسقط يسقط حكم العسكر"، واليوم هتف ميدان طلعت حرب "يسقط حكم المرشد". حظى الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمون، بأكبر قدر من الهتافات المعادية، من جانب "ثوار 28 مايو"، الذين تجمعوا ب sms ، وصفحات "فيسبوك" و "تويتر"، وكان هتافهم ضد الإخوان موجهًا إلى مرشدهم العام، متهمين إياه بأنه باع الثورة، واتضح ذلك من عبارة: "بيع بيع فى الثورة يابديع". لم يكشف ثوار اليوم عن هويتهم، أو تبعيتهم لأى حركة ثورية، أو حزب سياسى بعينه، بل قالوا إنهم "ثوار أحرار" وتعهدوا باستكمال المشوار، وإسقاط ما تبقى من النظام. عندما انطلقت أول مسيرة ضد نظام مبارك، وكان ذلك يوم عيد الشرطة "25 يناير"، بحث كثيرون عن قائد هذه المسيرات، لكنهم فشلوا العثور عليه، لأن مسيرات يناير لم يكن لها قائدًا من الأساس، بينما اختلف المشهد فى مسيرات اليوم، حيث نصّب خالد علي، المرشح الخاسر فى انتخابات الرئاسة، نفسه قائدًا، حيث كان أول سياسى يحضر إلى ميدان التحرير، يرافقه عدد من المتظاهرين والمواطنين العاديين، الذين استقطبهم من منطقة طلعت حرب، للمشاركة فى المسيرات. كان المبرر الوحيد لخالد علي، حين سئُل عن سبب وجوده فى هذه المسيرات، أن الانتخابات الرئاسية مزورة، وتوعد اللجنة العليا للرئاسة برفع دعاوى قضائية لبطلان العملية الانتخابية، داعيا الشعب المصرى للالتفاف حول شرعية الميدان وعدم الرحيل، وقال: "المرة دى بجد.. مش هنسلم لحد". وتعد القاهرة أكثر المحافظات التى حصل فيها حمدين صباحى على أعلى نسبة أصوات بين جميع المرشحين، حيث حصل على 393 ألفًا و500 صوت. كان أنصار صباحى قد توعدوا مساء السبت الماضى، أثناء المؤتمر الجماهيرى الذى عقده المرشح الخاسر، فى مقر حملته بميدان لبنان، بأنهم لن يسمحوا بأن يكون أحمد شفيق فى جولة الإعادة، وهتفوا: "بالطول.. بالعرض.. هنجيب شفيق الأرض". وجاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية فى جولتها الأولى، بمثابة الصدمة التى لحقت بقطاع عريض من الشعب المصرى، بعدما جاء الدكتور محمد مرسى فى المركز الأول، يليه الفريق أحمد شفيق ثانيًا، بينما حل حمدين صباحى، الذى يصفه كثيرون بمرشح الثورة، فى المركز الثالث، الأمر الذى تسبب فى نوع من الحيرة، لمن سيصوت الشعب فى جولة الإعادة: الإخوان أم رئيس وزراء مبارك؟. على طريقة 25 يناير، وحين انطلقت المسيرات من ميدان التحرير، وصلت شرارتها إلى باقى المحافظات، تكرر نفس المشهد مساء اليوم، حيث كانت "السويس" المدينة الباسلة، أولى المحافظات التى خرجت بها مظاهرات للتضامن مع ثوار التحرير، وهتفت بنفس الهتاف الذى كان يردد بميادين القاهرة "يسقط يسقط حكم المرشد.. لا لحكم المرشد.. لا لحكم شفيق". لم تكن محافظات الإسكندرية والدقهلية والغربية، بمنأى عما يحدث فى ميدان الأربعين بالسويس، والتحرير بالقاهرة، حيث بدأت بهم المسيرات منذ الرابعة عصر اليوم، وتحديدًا عقب إعلان النتيجة النهائية للجولة الأولى من الانتخابات، وكان الهتاف الموحد بينهم: "يسقط الإخوان والعسكر والفلول". ورغم أن غالبية من شاركوا فى هذه المسيرات، كانوا من أنصار حمدين صباحى، إلا أن حملة المرشح فى محافظة بورسعيد، إحدى المحافظات التى حصل فيها صباحى على أعلى نسبة تصويت بين منافسيه، أعلنت مساء اليوم عن قبولها لنتائج المرحلة الأولى، وقالت إنها غير مسئولة عن أداء وهتافات ومشاركة الجماهير التي انتخبت حمدين في فعاليات المسيرات، فهم أحرار في قرارهم واختيارهم ولا سلطان للحملة عليهم ولم ولن تتورط في توجيههم، فهذه الجماهير أسمى وأشرف من ذلك. فى بنى سويف، تلك المحافظة التى حصل فيها محمد مرسى على 258 ألف صوت، محتلا المركز الأول، وحل أحمد شفيق بالمركز الثالث ب 118 ألفًا، خرجت المظاهرات عن الوضع المألوف، وتطورت من مجرد هتافات معادية لنتيجة الانتخابات، إلى تبادل إطلاق النار بين أنصار شفيق ومرسى، وكادت تحدث كارثة، إلا أن كبار العائلات تدخلوا لفض المشاجرة. انتهى اليوم، بمشهد بدأت به الثورة، فحين احترق مقر الرئيسى للحزب الوطنى، الكائن بكورنيش النيل، يوم 28 يناير، قام المتظاهرون اليوم بإحراق المقر الرئيسى لحملة الفريق أحمد شفيق، بمنطقة الدقى بالجيزة، فيما يعد رسالة مباشرة لشفيق، بأنه أحد أنظمة مبارك، وإلا.. لم يكن لمقر حملته أن يحترق.