تنشر "بوابة الأهرام" نص كلمة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في منتدى تعزيز السلم المنقد حاليًا فى أبو ظبي. بداية يطيب لي أن أهنئ دولةَ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ الشقيقةَ بعيدها القومي وبما تُحقق من إنجازاتٍ هي فخرٌ لنا جميعًا سائلًا الله (عز وجل) أن يحفظ عليها أمنها وأمانها ورخاءها وتقدمها، كما يطيب لي أن أحيي سماحة الشيخ العلامة عبد الله بن بيه على دقةِ اختيار موضوع هذا الملتقى العلمي المتميز الذي يسلطُ الضوءَ قويًّا على أن ثقافة السلام راسخةٌ في تراثنا العربي والإسلامي معا، فقد قام حلفُ الفضولِ على فكرةٍ أساسها وجوبُ نصرةِ المظلوم والوقوف إلى جانبه في وجهِ الظالم، حيث تعاهدت القبائل العربية من بني هاشمٍ وبني عبد منافٍ وبني زُهرة وغيرها على أن يكونوا عونًا للمظلوم على الظالم بغض النظر عن دين أي منهما، أو جنسه، أو عرقه، أو غناه، أو فقره. وفي شأن هذا الحلف يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "لقد شهدت في دار عبد الله بن جُدعان حلفًا ما أحبُّ أن لي به حمر النَّعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت". ويصور أحمد شوقي المشهد قبل وبعد بعثة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيقول : أَتَيتَ وَالناسُ فَوضى لا تَمُرُّ بِهِم إِلّا عَلى صَنَمٍ قَد هامَ في صَنَمِ وَالخَلقُ يَفتِكُ أَقواهُم بِأَضعَفِهِم كَاللَيثِ بِالبَهمِ أَو كَالحوتِ بِالبَلَمِ وَالأَرضُ مَملوءَةٌ جَوراً مُسَخَّرَةٌ لِكُلِّ طاغِيَةٍ في الخَلقِ مُحتَكِمِ قالوا غَزَوتَ وَرُسلُ اللَهِ ما بُعِثوا لِقَتلِ نَفسٍ وَلاجاؤوا لِسَفكِ دَمِ أَخوكَ عيسى دَعا مَيتاً فَقامَ لَهُ وَأَنتَ أَحيَيتَ أَجيالاً مِنَ الزِمَمِ خَطَطتَ لِلدينِ وَالدُنيا عُلومَهُما يا قارِئَ اللَوحِ بَل يا لامِسَ القَلَمِ
وتأتي الدعوة الآن إلى حلف فضول عالمي جديد لتؤكد أننا ما زلنا وسنظل نمد أيدينا بالسلامِ للسلام العادل الذي لا ظلم فيه ولا غمط لحقوق المستضعفين، بل هو العيش الكريم للإنسانية جمعاء. ويؤكد الحكماء أن الملك قد يدوم مع العدل والكفر، ولا يدوم مع التدين الشكلي والظلم، وأن الله (عز وجل) ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو ادعت أنها مؤمنة، وقد قامت حضارتنا على التسامح والعدل ونصرة المظلوم، وهذا حافظ إبراهيم يرسم لنا لوحة عظيمة من سيرة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فيقول : كَم خِفتَ في اللَهِ مَضعوفًا دَعاكَ بِهِ وَكَم أَخَفتَ قَوِيًّا يَنثَني تيها فلا القَوِيُّ قَوِيًّا رَغمَ عِزَّتِهِ عِندَ الخُصومَةِ وَالفاروقُ قاضيها وَلا الضَعيفُ ضَعيفًا بَعدَ حُجَّتِهِ وَإِن تَخاصَمَ واليها وَراعيها وَهَالَ صاحِبَ كِسرى أَن رَأى عُمَرًا بَينَ الرَعِيَّةِ عُطلاً وَهوَ راعيها وَقالَ قَولَةَ حَقٍّ أَصبَحَت مَثَلاً وَأَصبَحَ الجيلُ بَعدَ الجيلِ يَرويها أَمِنتَ لَمّا أَقَمتَ العَدلَ بَينَهُمُ فَنِمت نَومَ قَريرِ العَينِ هانيها فمن يباري أبا حفص وسيرته أو من يحاول للفاروق تشبيها
على أننا عندما نتحدث عن حلف فضول عالمي جديد نتطلع أن يكون ذلك على مستوى جميع المنظمات والمؤسسات الدولية، ونأمل أن نراها تكيل بكيل واحد لا بمكيالين مختلفين أو مكاييل مختلفة تختلف في التعامل مع ما يطلق عليه دول العالم الثالث عنها مع ما يطلق عليه دول العالم الأول أو عالم النخبة أو عالم الصفوة، وكأننا بين عالمين أحدهما للسادة والآخر للعبيد، وإني لآمل أن تلتقط المنظمات والمؤسسات الدولية فكرة هذا الحلف لنبني عليها معًا عالم الحق والعدل والإنسانية. الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو عدلنا مع أنفسنا ومع دولنا وحفاظنا على بناء دولنا الوطنية، وأؤكد أنني أرى أن الحفاظ على بناء الدولة الوطنية في عصرنا الحاضر جدير بأن يكون أحد المقاصد الكلية التي ينبغي الحفاظ عليها لتصبح (الكلياتِ الست) بدلا من (الكلياتِ الخمس)، فتكون: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض، والدولة الوطنية، لأن ضياع الأوطان ضياع للكليات كلها، وأرى أن ترسيخ أسس الدولة الوطنية دولة المواطنة المتكافئة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حولها هو واجب الوقت للعلماء والمفكرين والمثقفين على حد سواء.