"دي أخرت اللي يشغل هدير ونور معاه في الحضانة.. بنعذب الأطفال" تحت هذا العنوان نشرت إحدى معلمات حضانة بمدينة الإسكندرية مقطع فيديو وهي تعتدي بعنف على طفلة صغيرة بالحضانة مع زميلتها، وأثار هذا المقطع الذي انتشر بشكل موسع على مواقع التواصل الاجتماعي غضب رواد التواصل الاجتماعي، وخوف أولياء الأمور من ذهاب أطفالهم الحضانة. تعدد وقائع التعذيب لم تكن هذه الواقعة الأولى على تعذيب الأطفال بدور الحضانات، حيث حدثت وقائع مثيلة في هذه الفترة الأخيرة، فمنها تعذيب الطفلة "كارما" ضحية حضانة تدعى "عالم سمسم"، حيث قام والدها المسمى محمد عبد العظيم المقيم بمحافظة القليوبية بتقديم بلاغ ضد حضانة أطفال تحت مسمى "عالم سمسم"، اتهم العاملين فيها بالإهمال والاعتداء بالضرب على ابنته الرضيعة. حيث لاحظ الأب آثار التعذيب على وجه طفلته بشكل مبالغ فيه، وتم عمل تقرير طبي للطفلة الذي أثبت بالفعل وجود إصابات بها، وطالب باتخاذ حق ابنته. وفي واقعة أبشع تعرض الطفل يوسف ذو ال 6 أعوام وشقيقة أحمد صاحب ال5 أعوام، للاعتداء الجنسي من صاحب إحدى الحضانات في مدينة 6 أكتوبر التي كانا يذهبان إليها، وترجع الواقعة حينما ذهبت الأم للاطمئنان على أحوال طفليها، فوجدتهما في حالة إعياء شديدة، وحينما سألتهما أخبروها عما حدث معهما، فحرر الأب بلاغ بالواقعة وتبين أن الحضانة غير مرخصة. وتعتبر فترة الحضانة هي أهم فترة في حياة الأطفال حيث إنها تحدد شخصيته، ومستقبل الطفل الأكاديمي والمهني، كما أنها تهيئه لدخول المدرسة وتطور المهارات الفكرية والاجتماعية خلال سنوات ما قبل الدراسة، وأكد عدد من الخبراء أن بعض الحضانات تحولت إلى "أوكار تعذيب" للأطفال، وأي سلوك عنف يتعرض له الطفل في مرحلة الطفولة، يؤثر عليه تأثير سلبي في المستقبل ويصبح مشروع مجرم. تأثير العنف على الأطفال ويؤثر العنف سلبيًا على نفسية الطفل، خاصة أن مرحلة تكوين شخصية الإنسان هي أول 7 سنوات من عمره، فإذا تعرض لأي حاجز نفسي وتمت معاملته بأساليب العنف، فإن ذلك يؤثر عليه تأثيرًا سلبيًا قويًا وتزرع بداخله عقدة نفسية، مما تتسبب في إفساد حياته في الصبا والشباب والزواج وكذلك وهو أب، هذا بحسب ما أكده الدكتور علاء الغندور أستاذ الطب النفسي والسلوكي والتأهيل النفسي. ويتابع "الغندور" ل "بوابة الأهرام"، أن الطفل يحتاج في هذه المرحلة إلى معاملة جيدة وتربية سليمة، حتى يصبح إنسانًا سويًا وسليمًا نفسيًا، لافتًا إلى أن ما يتعرض إليه كل طفل فترة طفولته سواء كانت تربية سليمة أو معاملته بعنف، فإن ذلك يطبقه في حياته المستقبلية سواء مع أطفاله أو أي شخص، فإذا تمت معاملته بعنف فإنه يكون شخصًا عنيفًا غير متفاهم ويدمر المجتمع، والعكس إذا تمت تربيته بطرق علمية سليمة وأساليب تربوية جيدة فإنه يكون شخصًا ناجحًا في حياته يفيد المجتمع. شروط اختيار العاملين يلزم اختيار العاملين بالحضانات بعض الشروط، حيث يوضح أستاذ الطب النفسي أنه لابد من تأهيل المعلم نفسيًا وفكريًا وسلوكيًا وتربويًا وذلك بشكل احترافي وإنساني، كما يجب عمل تدريب وتأهيل للمعلمات العاملات حاليًا بالحضانات ويتم ذلك كل ترم دراسي، بجانب وجود رقابة صارمة على جميع دور الحضانة والمدارس، مشيرًا إلى ضرورة وجود منظومة مجتمعية من خلال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، تعمل على توجيه المعلمات والمشرفين وأصحاب الحضانات للاهتمام بالأطفال، وكذلك حثهم على المشاركة في مسئولية تربية الأطفال. دور الأمهات وعن كيفية التعرف إن كان الطفل يتعرض للعنف بالحضانة أم لا، يؤكد "الغندور"، أنه لابد أن تقوم الأمهات بعمل متابعة دورية للطفل ومتابعة الحالة الجسدية الظاهرة لطفلها والانتباه لأي إصابات غير مبررة بجسده وسؤاله يوميًا عن ما حدث بالحضانة بشكل بسيط، وكذلك المتابعة مع أمهات أصدقائه للوقوف على التفاصيل، والتواصل مع العاملات بالحضانات، مشيرًا إلى ضرورة تأهيل الأمهات الجدد نفسيًا وتربويًا وفكريًا لتربية الأطفال بطرق تربوية حديثة، حيث إن بعض الأمهات الجدد تتعامل مع الأطفال بشكل عشوائي في التربية، وهو الأمر الذي جعل معظم الأطفال يعانون نفسيًا، بجانب سوء التعامل التربوي بالحضانة فينتج لنا ثمرة طفل محطم نفسيًا وسلوكيًا ليصبح "مشروع مجرم". ضرورة حصول الحضانة على ترخيص بينما قال المحامي أحمد مصيلحي رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، إنه لابد أن يكون دور الحضانة تابعًا لوزارة التضامن الاجتماعي حتى تحصل على ترخيص مزاولة المهنة، ويكون ذلك بالتوافق مع وزارة التربية والتعليم، كما يجب أن تكون المعلمة التي تتعامل مع هؤلاء الأطفال تم تأهيلها بدرجة عالية تربويًا ونفسيًا وسلوكيًا، وأن تكون على وعي كافٍ للتعامل مع الأطفال. العنف لا يولد إلا العنف وعن أسباب انتشار العنف مع الأطفال يؤكد "رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال" ل "بوابة الأهرام"، أن الموروث الثقافي الخاطئ بأن الضرب والعنف هو من يربي ويعلم هو السبب الرئيسي في انتشار العنف في المجتمع المصري، منوهًا بأن معاملة الأطفال بقسوة وعنف تؤثر عليه بشكل سلبي في المستقبل، فيصبح أبًا غير سوي وعنيف مع أولاده، لافتًا إلى أن أي شخص يعتدي على زوجته أو أطفاله، قد تعرض للضرب والعنف منذ الصغر، معقبًا "العنف لا يولد إلا العنف". عقوبة الاعتداء على الأطفال وأوضح أن قانون الطفل ينص على أنه يعاقب لمدة من 6 أشهر إلى عام كل من يعتدى على طفل بالضرب بالحبس مدة لا تقل 6 أشهر وتصل لعام إذا لم يتسبب بضرر جسدي أو إعاقة، أما إذا تسببت فتصل للحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات، لافتًا إلى أن القانون جيد جدًا ولكن المشكلة هي عدم تطبيق القوانين، مفيدًا أنه ما دام لا يوجد رادع لكل شخص يفكر بالاعتداء على الأطفال، فإن موروث العنف والضر سيظل مستمرًا دائمًا. العنف موروث ثقافي خاطئ ويضيف أنه لابد من تغيير موروث التربية الخاطئ وتغيير القيم بالمجتمع، مطالبًا بتطبيق القانون على كل من يمارس العنف على الأطفال وتفعيل دور المجلس القومي للطفولة والأمومة واللجان القومية للتواصل مع المواطنين في حال رؤية أي منهم شخص يعتدي على طفل فيقوم بالاتصال على الخط الساخن فيتم التحرك فورًا وتطبيق العقوبة المذكورة بالقانون، مشيرًا إلى أن الاعتداء على الطفل ينتهي بكوارث ويدمر المجتمع. وعن دور شبكة الدفاع عن الأطفال، ينوه "مصيلحي" بأنه يقوم باتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد كل شخص يعتدي على طفل، مفيدًا أن المجلس القومي للطفولة له دور كبير لحماية الأطفال ولكنه يتحرك بنظام قديم وروتيني، يحتاج لدماء جديدة والتحرك بشكل أسرع وتفعيل العمل الميداني. 90% من شخصية الطفل تتكون خلال فترة الحضانة من جانبها قالت الدكتورة بثينة عبد الرءوف الخبيرة التربوية، إن التعامل مع الأطفال يحتاج إلى أشخاص ذات خبرة جيدة، مدربين على كيفية التعامل مع الأطفال، خاصة في المرحلة العمرية من عام حتى 7 أعوام، حيث إن 90% من شخصية الطفل تتكون خلال فترة الحضانة، وتأهله للتعليم وحبه للمدرسة، لذلك فإن العمل في الحضانات يحتاج إلى متخصصين مدربين ومدركين أهمية هذه المرحلة في حياة الطفل، لافتة إلى أن أكثر الأشخاص المتخصصين في هذه المهنة هم خريجو كليات الخدمة الاجتماعية، وآداب علم اجتماع، أو علم نفس، حيث إن لديهم ثقافة التعامل من خلال دراستهم التي تحتوي على جزء تربوي ونفسي. تحول الحضانات لأوكار تعذيب وأكدت "عبد الرءوف" ل "بوابة الأهرام"، أن معظم الحضانات تحولت لأوكار تعذيب، حيث إن العاملين بها غير مختصين يعاملون الأطفال بطرق غير سليمة ويستخدمون العنف والضرب في توجيهاتهم، مما يؤدي إلى عمل عقدة نفسية لدى الأطفال، ويكرهون المدرسة والتعليم مستقبلاً، كما أنها تؤثر على نفسيتهم وسلوكهم، مفيدة أن سبب الإهمال الشديد في الحضانات هو انعدام الحملات المفاجئة على الحضانات وانتشار الحضانات غير المرخصة التي يعمل بها عاملات غير مؤهلات للتعامل مع الأطفال. وأفادت أن هناك عددًا غير طبيعي للحضانات المخالفة، مؤكدة ضرورة غلق هذه الحضانات، أو ترخيصها ويتم تجديد الترخيص كل خمس سنوات، وإذا جاءت أي شكوى ضد أي حضانة لا يتم التجديد لها، وذلك بجانب عمل حملات منظمة بشكل مفاجئ والتحدث مع الأطفال وسؤالهم إذا يتعرضون لأي نوع من أنواع العنف، لضمان جودة الأداء في الحضانات. شروط إنشاء الحضانات وعن شروط الموافقة على إنشاء حضانة، يؤكد الدكتور كمال مغيث الخبير في المركز القومي للبحوث التربوية، أن هناك بعض الشروط التي لابد من توافرها لإنشاء حضانة، وهي أن تكون الحضانات خاضعة لوزارة التربية والتعليم حتى تكون مرخصة رسميًا، وأن يتوافر بها بعض الشروط الصحية خاصة في المكان الذي تقيم به لابد أن يكون صحي والمرافق، وأن يكون العاملون بها تربويين ومؤهلين للتعامل مع الأطفال، لافتًا إلى أن هناك حضانات تنشأ خارج وزارة التعليم وتكون خاضعة لوزارة التضامن الاجتماعي. وأوضح الخبير التربوي ل "بوابة الأهرام"، أن ما يحدث في الحضانات خلال هذه الفترة من تعذيب للأطفال هو أمر خطير وكارثي، يحتاج لإصدار تشريع جديد ينص على عدم إنشاء أي مؤسسة دون توافر شروط مالية ومرافق صحية، والعاملون مؤهلون، كما يشترط عمل اختبارات نفسية لمن يتعامل مع الأطفال داخل الحضانة، ويتم الخضوع لرقابة وتشكيل مجلس إشرافي من أولياء الأمور، بجانب عمل متابعات دورية وحملات على دور الحضانات وإغلاق المخالف منها. العنف جريمة في حق الطفل وتابع: أن الطفل يحتاج إلى ثلاث قيم لابد من توفيرها من قبل الحضانة والأسرة والشارع، وهي توفير الأمن واللعب والسعادة له، نظرًا أن أول خمس سنوات في عمر الإنسان تعتبر فترة تكوينه، وبعد ذلك تكون مجرد تراكم للقيم والاتجاهات والوجدان والمنهج، مشيرًا إلى ضرورة أن تكون المعلمات في الحضانة مؤهلات للتعامل مع الأطفال ولديهن خبرة التعامل معهم وتأثير القسوة المادية والنوعية على الطفل، مؤكدًا أن التعامل بعنف مع الأطفال هو جريمة في حق الطفل.