لايزال الغموض يكتنف مصير الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2012/2013، بعد تأخر حكومة الدكتور كمال الجنزوري في تقديمها لمجلس الشعب بموعدها المقرر بمطلع أبريل من كل عام، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات في الشارع المصري على رأسها: كيف تلتزم الحكومة القادمة بسياسات وضعتها سابقتها؟، وهل يعني إقرار نواب الشعب للموزانة اعترافًا ضمنيًا بالجنزوري الذي تسعى لسحب الثقة منه؟، وما المسئولية القانونية التي تواجهها الحكومة الحالية التي يفترض تركها السلطة قبل يوليو المقبل حيال تراخيها عن تقديم الموزانة؟. .. "بوابة الأهرام" تحاول الإجابة عن تلك الأسئلة بالسطور التالية. في البداية، يقول أكد الدكتور فؤاد أبو ستيت، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة حلوان، إن عدم تقديم الحكومة للموازنة العامة للدولة إلى البرلمان حتى الآن يساهم في جهود الأخير لسحب الثقة منها، حيث تعتبر مسئولية قانونية تقع علي عاتقها في ظل وجود نص قانوني يدينها حالة عدم تقديم الموازنة مع مطلع شهر أبريل، كما يزيد من حدة الأزمة الحالية بينها وبين مجلس الشعب. وتوقع أبو ستيت، أن تواجه حكومة الجنزوري أزمة حقيقة فيما يتعلق بتقديم الموزانة العامة للدولة بموعدها المحدد وتتمثل في معاناتها من الإفلاس، مشيراً إلى أن التأخير سيؤدي لعواقب جسيمة علي اقتصاد البلاد وتأثيرات سلبية ومباشرة علي سوق المال والبورصة والاستثمارات الأجنبية الأمر الذي يضع البلاد بمأزق وزيد حالة عدم اليقين، فضلاً عن تداعياتها على مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي، حيث يظهر بموقف الضعف والتشتت، لاسيما خلال الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد حاليًا. والتقط الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بتجارة الأزهر وعميد معهد الجزيرة للإدارة، أطراف الحديث، قائلاً إن وزير المالية ممتاز السعيد صرح بأنه سيتم تقديم نموذج مختصر للموازنة العامة للدولة يتضمن الملامح الأساسية لها كالعجز ووسائل تدبيره والنفقات والإيرادات لأن يعي أن الحكومة سترحل مع حلول يوليو المقبل. ورجح أستاذ الاقتصاد، أن يتم العمل بالموازنة الجديدة إذا وافق عليها مجلس الشعب لمدة 6 أشهر فقط، على أن توضع أخرى جديدة في يناير المقبل، مضيًفا أنه جرى العرف بمصر أن تكون الموزانة العامة للدولة متوافقة مع السنة الميلادية إلا أنها تغيرت بعهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث قرر مد العمل بالموازنة التي تنتهي في عام 1973 حتى 30 يونيو 1974 بسببب ظروف الحرب، ووضعت بعدها موزانة جديدة في يوليو استمرت حتى يونيو من العام الذي يليه واستمر العمل على ذلك النمط في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وانتقد عاصم عبدالمعطي، وكيل الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، الغموض الذي يكتنف الموازنة العامة للدولة، موضحًا أن المواطنين لا يعرفون أين المشكلة حتى الآن؟، والأمور تمضي بطريقة "البركة" كما كانت قبل 25 يناير، كما أن آخر موزانة لحكومة الحزب الوطني المنحل قبل الثورة لم تتضمن بندًا يتعلق بالبرنامج النووي المصري رغم تغني الحكومة حينها بالمشروع ليل نهار. وأضاف وكيل الجهاز المركزى للمحاسبات، أن الموازنة العامة للدولة يجب أن تكون معروفة الأبعاد من مصروفات وإيرادات، إلا أننا نفكر في الصرف قبل البحث عنل التمويل، والإيرادات لدينا شبه متحجرة ويتم اللجوء دائمًا إلى الاقتراض من الخارج، الأمر الذي يحمل الأجيال القادمة أعباءً ليس لهم ذنب فيها، فأي مولود بمصر يتحمل برقبته ديونًا ب 16 ألف جنيه، مشيراً إلى أن تأخير الحكومة في تقديم الموازنة لمجلس الشعب يعرضها لمخالقات قانونية ودستورية حيث يجب تقديمها للبرلمان قبل 3 أشهر على الأقل من بداية العام المالي. وقال أيمن متولي، رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إن الحكومة القادمة لن تضع موزانة جديدة للدولة، لكن من الجائز أن تجري تعديلات على موازنة حكومة الدكتور كمال الجنزوري، مشيراً إلى أن البرلمان مشغول حاليًا بقضايا واستجوابات أقل أهمية من الموزنة العامة للدولة وكان بجب أن يطلبها، موضحًا أن موافقة البرلمان على الموزنة يعد اعترافًا ضمنيًا بحكومة الجنزوري الذي يسعى لسحب الثقة منها، كما أن يدل على عدم الخبرة السياسية للبرلمان. وانتقالاً إلى نواب مجلس الشعب، قال النائب هشام سليمان، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، إن مصر تعيش حالة استثنائية وتمر بأحرج فتراتها، لذا من الجائز والوارد تأخير تقديم الموازنة العامة للدولة في ظل الظروف الحالية خاصة أن حكومة الجنزوري تقوم بتسيير الأعمال لفترة محددة. وأضاف أن حكومة الجنزوري تعلم تمامًا أنه سيتم سحب الثقة منها بأي لحظة ولذلك لاتقوم بالتخطيط للمستقبل، واعدًا بالوقوف على ملف الموازنة خلال الجلسة القادمة للجنة للتعرف علي أسباب تأخر الحكومة لتقديمها عن الموعد المحدد لها مع بداية أبريل الذي يوشك على الانتهاء. أما النائب سعد الحسيني، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب، فقال إن تأخير الموازنة يدل علي عدم المصداقية والتقصير من جانب حكومة الجنزوري ويضعها أمام مسئولية قانونية. وكشف الحسيني عن حديث شفهي دار بينه وبين الدكتور فايزة أبو النجا، وزيرة التعاون الدولي والدكتور ممتاز السعيد وزير المالية، حول الميزانية الجديدة، موضحًا أنهما أرجعا التأخير الي حالة الارتباك وعدم الاستقرار التي تعيشها البلاد، مشيرًا إلى أنها المرة الثانية التي لم تف الحكومة في وعدها بتقديم الميزانية عند المطالبة بها وذلك بعد تأجيل تقديمها ليوم 15 أبريل. ولفت إلى أن مجلس الشعب لم يستلم أي مستند حتي الآن، موضحًا أن اللجنة ستقوم ببحث ذلك الملف في الجلسة القادمة حيث يعتبر من أولويات أجندة عمل اللجنة، تمهيداً لوضعه أمام الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب لاتخاذ اللازم.