أثار حريق باب الشعرية من جديد أزمة المناطق التجارية والصناعية المندسة وسط التكتلات السكنية بمنطقة وسط البلد، والمعروفة بعدة نشاطات مميزة جعلتها ملجأ لكل من يطلب منتجاتها، لكن يظل سوء التنظيم والعشوائية في التموقع، وضعف التأمين ضد الكوارث قنبلة متسلسلة موقوتة، ينفجر جزء منها كل حين محذرًا من كارثة كبرى قد تطال الجميع. حريق باب الشعرية يدق ناقوس الخطر في التاسعة صباحًا من يوم الثلاثاء الماضي، استيقظ سكان منطقة باب الشعرية علي حريق مصنع ومخزن للكابلات على مساحة ألف متر، وبعد ساعات من محاولات إطفائه، أسفر عن إصابة 5 أشخاص، واحتراق 3 عقارات مجاورة للمصنع، ودفعت قوات الحماية المدنية ب 18 سيارة إطفاء، و5 عربات إسعاف، للسيطرة على الحريق. شارع الجامع الأحمر. أسواق "وسط البلد" منطقة باب الشعرية تعد أحد معاقل صناعة الجلود والأحذية والأخشاب بمشاركة شارع "الرويعي" المجاور لها، وصناعة أخري مثل تشكيل الألومونيوم، يجاورها مناطق مثل الفجالة الشهيرة بوجود مخازن المنتجات الورقية والمنتجات المدرسية والمكتبية، وصناعة الكرتون، كما يقترب من تلك المناطق أماكن أخري كالعتبة والغورية والموسكي وباب البحر وحارة الجامع الأحمر، ويشتهر كل منها بكونه سوقا لبيع وتخزين وأحيانا صناعة سلعة معينة، كالأخشاب والملابس ومخازن بيع السجائر ومنتجات البقالة، والأقمشة بأنواعها. تعتبر تلك الأماكن أسواقا مميزة لتلك السلع لعدة أسباب أهمها، أنها تجمع كل ما قد يرغب من يقصدها في اقتنائه بأسعار مميزة مناسبة لجميع الفئات، كما أنها تتوسط القاهرة، فهي قريبة للجميع ولا تحمل من يزورها عبئا إضافيا بتكلفة نقل بضاعته، بالإضافة لكونها تجمعا لحرفيين مهرة كلا في مجاله ما يضيف الكثير لعامل جودة المنتجات المباعة. الأسواق العشوائية بوسط البلد "أسواق" أم قنابل موقوتة تبقي المشكلة الأزلية لتلك الأسواق أنها تتوسط مناطق سكنية حيوية هامة وسط القاهرة، شديدة الاكتظاظ بالسكان، إضافة لرواد الأسواق، كما أن معظم الورش أو المخازن تقبع في الطابق السفلي لعقارات شبه منهارة وأيله للسقوط في أغلب الأحيان، الشوارع ضيقة للغاية بالكاد تكفي لمرور الأشخاص من حاملي البضائع، إضافة إلي أن الورش والمخازن غير مجهزة لمجابهة أبسط أنواع الكوارث -الواردة الحدوث- ما يجعل اندلاع حريق بسيط في أي حانوت يمثل طامة كبري قد تحرق منطقة كاملة وقد تودي بحياة العديدين، نظرا لأن معظم البضائع التي تحويها تلك المخازن تعتبر موادا سريعة الاشتعال. انتقلت "بوابة الأهرام" إلي منطقة باب الشعرية والمناطق المجاورة لها لرصد أسباب أزمة تلك الأسواق، في محاولة للبحث عن حل؛ يقول صاحب ورشة لتصنيع الجلود بالمنطقة، رفض ذكر اسمه، إن تلك الورشة هي مصدره الوحيد للرزق، في البداية كان يعمل وغيره دون التراخيص اللازمة، لكن في أحد الأيام حجزت مصلحة الضرائب علي ورشته والبضائع الموجودة بها، وطالبته بدفع مبلغ مالي كبير، يعلق قائلاً "أنا ما بكسبش ربع اللي المفروض أدفعه للضرايب والكهرباء والتأمين وغيرها". في منطقة الرويعي، يجلس "عم عبده" في ورشته الصغيرة لصناعة وبيع الكرتون، يقول إنه يملك طفاية صغيرة لمجابهة الحرائق نظرا لضعف إمكانياته، ولا يملك ان يضاعف تلك الوسيلة الضعيفة، في السوق يعاني من ضعف الإقبال، ما يجعل "اللي جاي علي قد اللي رايح"، علي حد قوله. يتحدث أحد رواد السوق بمنطقة الرويعي عن تلك الأسواق قائلا، أن تلك المناطق تعتبر الوحيدة التي تبيع مثل تلك المنتجات بأسعار الجملة، ومنها تستطيع تجهيز المحلات والمكتبات ومتاجر الأقمشة وغيرها، كما أن أسعارها في المتناول وتناسب كل الفئات، إضافة لأنها تمثل ملجأ للشباب الباحثين عن العمل حتي لو مضطرين بسبب انحسار سوق العمل. الرويعي مدير الحماية المدنية الأسبق: هناك تقصير في المتابعة يقول اللواء عبدالعزيز توفيق، مدير الإدارة العامة للحماية المدنية الأسبق، إنه يستلزم حصول أي منشأة سكنية أو صناعية أو سياحية أو تجارية، علي ترخيص من الحي، موافقة الحماية المدنية علي تصميمات المبني المراد إنشائه، ومن هنا يفحص لجان مختصة من رجال الحماية المدنية تلك التصميمات والتأكد من اشتراطات الأمن والسلامة قبل أن يتم التصريح بالموافقة؛ مرة ثانية يتطلب توصيل المرافق سواء المياه أو الكهرباء أو الغاز للعقار المنشأ موافقة ثانية من الحماية المدنية للتأكد من أنه أثناء تنفيذ التصميمات تم مراعاة عوامل الأمن كاملة، ومطابقة لاشتراطات الحريق. وأضاف مدير الحماية المدنية الأسبق، أن الوضع في المناطق التجارية بوسط البلد مغاير لتلك الصورة، لأن التجار في تلك الحالة يستغلون الشقق السكنية والأقبية لتخزين البضائع من كافة الأشكال، دون الحصول علي التراخيص، أو مراعاة احتياطات الأمن والسلامة، كما أن الشقق تستخدم كورش للنجارة وصناعة الملابس والأحذية وغيرها، بالمخالفة للقانون. وأوضح اللواء عبد العزيز توفيق أن معظم المحال التجارية بتلك المناطق غير مرخصة، والمرخصة منها لا تداوم علي تجديد تلك التراخيص باستمرار، فعند التجديد كل مرة يجب مراعاة اشتراطات الأمن والسلامة، وهو ما لا يحدث في تلك الحالة، كما أنه من المفترض أن تشكل حملات مستمرة من رجال الحي والحماية المدنية والأمن الصناعي التابع لوزارة القوي العاملة، للرقابة علي اشتراطات السلامة والحريق بتلك الورش والأماكن، لكن غالبا يتسبب في تلك الكوارث تقصير في المتابعة، أو سوء نية من خلال تأخير تنفيذ قرارات بغلق تلك الورش أيًا كان السبب. ورش ومخازن بوسط القاهرة أبرز حرائق "أسواق وسط البلد" شهدت أسواق "وسط البلد" العديد من الكوارث والحرائق، والتي بلغت خسائرها عشرات بل ومئات الملايين العاملين المنصرمين فقط، ترصد "بوابة الأهرام" أبرز تلك الحوادث. في9 أبريل 2015 اندلع حريق هائل بمصنع لإنتاج الزيوت في شارع بيبرس بمنطقة الغورية بالأزهر، والذى أثار الذعر بين المواطنين، خاصة بعد ارتفاع ألسنة اللهب، وامتدادها لعقار سكني مجاور، ودفعت إدارة الحماية المدنية ب25 سيارة إطفاء للسيطرة على الحريق، وتمكنوا بعد عدة ساعات من منع امتداد النيران لباقى العقارات السكنية المجاورة، وأسفر الحريق عن إصابة 5 أشخاص باختناقات وإصابات بسيطة بالجسد. بعد قرابة عام كامل وتحديدا في11مايو 2016 اندلع حريق آخر بمنطقة الغورية ذاتها التهم 6محلات لتجارة الأقمشة، وتسبب في تفحمهم بالكامل، وأسفرت التحقيقات حينها أن أسلاك كهرباء ممتدة لإنارة عربة لبيع الكبدة، أحدثت ماسا كهربيا أشعل الحريق، وانتقل أكثر من 10 سيارات للإطفاء تمكنت من السيطرة علي الحريق بصعوبة ومنعه من الانتقال للمحلات المجاورة. قبل حادث "الغورية" الأخير بيومين فقط شهد شارع الرويعي بمنطقة العتبة، حريقًا ضخمًا تمكنت سيارات الإطفاء من السيطرة عليه بعد 5 ساعات من العمل المضني، وأسفر الحريق عن إصابة 82 شخصًا، وتدمير 8 محلات و15 فراشة خاصة بالباعة الجائلين، لتصل خسائر المتضررين إلى قرابة 40 مليون جنيه. منطقة الفجالة لم تكن بعيدة عن مرمي النيران، فقد أصابها حريق هائل في 17 نوفمبر 2016، اندلع بمخزن للورق والكرتون بالطابق الثالث في عقار مطل علي شارع رمسيس، واستمرت عمليات الإطفاء لأكثر من 10 ساعات متواصلة، لم يسفر الحريق عن وقوع ضحايا أو إصابات، لكن خسائره المادية قدرت بعدة ملايين، بعدما أصاب كل البضائع الموجودة بالعقار والشقق السكنية أيضا. في الأول من أبريل الماضي، شب حريق أخر بمنطقة الفجالة لم يكن أقل من سابقه خطورة، تسبب به ماس كهربائي، وأسفر عن احتراق 8 مكتبات تحوي أدوات دراسية ومكتبية، سيطرت قوات الحماية المدنية علي الحريق ب12 سيارة إطفاء، واستمرت في عملها لمدة 3 ساعات، لتتمكن من منع كارثة بالمنطقة، كادت أن تلتهم معظم مكتباتها. قبل شهرين فقط اندلع حريق هائل بمصنع ومخزن أخشاب فى منطقة الدرب الأحمر تم السيطرة عليه ب12 سيارة إطفاء، ومنعه من الامتداد للعقارات المجاورة، لكنه أسفر عن تفحم محتويات المصنع بالكامل. أسواق وسط البلد المزدحمة عمليات الإطفاء لحريق باب الشعرية عمليات الإطفاء لحريق باب الشعرية عمليات الإطفاء لحريق باب الشعرية