تحولت العلاقات بين جمهورية طاجيكستان والجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ من الحرب الباردة إلى العداء الواضح والصريح، وبات أمر قطع العلاقات بشكل كامل وإنهاء التمثيل الدبلوماسي مجرد وقت بين البلدين اللتين تتحدثان الفارسية كلغة رسمية ، وبينهما عدة مشتركات تاريخية وحضارية، وذلك على خلفية اتهامات وجهتها حكومة الرئيس الطاجيكي إمام على رحمان إلى طهران بدعم الإرهاب في بلاده وتبني موقف حزب النهضة الإسلامي المصنف جماعة إرهابية في "دوشنبه". وبرز العداء الواضح خلال قيام التليفزيون الطاجيكي الرسمي ببث فيلم وثائقى مدته 45 دقيقة مثل أول اتهام علنى لحكومة الملالي بالتسبب في إشعال فتيل الحرب الأهلية فى طاجيكستان التى وقعت بين عامى 1992-1997. وتحدث الفيلم عن تاريخ الدعم الإيراني للإرهاب في طاجيكستان، وتورُّط طهران في كثير من العمليات الإرهابية في البلاد منذ استقلالها، من ذلك تدريب بعض العناصر الإرهابية على السلاح، وتنفيذ الاغتيالات، واستهداف رجال الأمن والمثقفين، وتنفيذ الأجندة الإيرانية في الداخل الطاجيكي. فيما تنفى إيران باستمرار ضلوعها فى إشعال تلك الحرب الأهلية، وأصدرت السفارة الإيرانية فى دوشنبه بيانا قالت فيه: "الإدعاءات المطروحة في هذا الفيلم من قبل أشخاص معتقلين بالسجون الطاجيكية، نقلا عن أشخاص ليسوا على قيد الحياة، لا يمكن أن يكون لها مصداقية". كانت سلطات طاجيكستان قد أحبطت انقلابًا على النظام الحالي في سبتمبر 2015 قاده نائب وزير الدفاع السابق عبد الحليم نظرزادة المحسوب على حزب النهضة الإسلامي مع عدد من كوادر الحزب، حيث تم تصفية نظرزادة فيما هرب قيادات الحزب على رأسهم محيي الدين كبيري خارج البلاد، كما أنه من المعروف أن الحزب كان يتشارك مع الحكومة في 30% من الحقائب الوزارية والمناصب العامة بناءً على اتفاقية موسكو 1997 التي نصت على تلك المحاصصة نظير إيقاف الحرب الأهلية. فيما أكد مصدر مطلع أن أية جهود دولية لمواجهة الإرهاب الإيراني يجب أن تبدأ من استهداف العمود الفقري له، ممثلا في الحرس الثوري والميليشيات المرتبطة به، مؤكدًا أن أدوات التدخلات الإيرانية في منطقة وسط آسيا وجبال القوقاز تختلف كليًة عن أدواتها مع غرب آسيا، حيث أن نظام الملالي يقدم في دول جنوب غرب آسيا والشرق الأوسط دعمًا للأقليات الشيعية، فيما تركز بشكل مختلف في دول وسط آسيا على القوة الناعمة والمشتركات الثقافية واللغوية والتاريخية، ضاربًا المثل في ذلك بالتدخلات الإيرانية في أذربيجان حيث أن البلدين يجمعهم المذهب الشيعي الإمامي الإثناعشري، في حين تدعم إيرانأرمينيا العدو اللدود لأذربيجان ذات الأغلبية المسيحية الأرثوذوكسية، مبررًا ذلك بأن طهران لا تريد إعادة الجزء الجنوبي من أذربيجان الواقع شمال إيران وعاصمته مدينة تبريز الإيرانية. كما اتهم الفيلم الوثائقى، إيران بتمويل عمليات قتل سياسي وتوجيهها، ما يعد أحد فصول التوتر الشديد بين طاجيكستان وإيران بعد اتهام دوشنبه دبلوماسيين إيرانيين بممارسة نشاطات مريبة على أراضيها. وورد فى الفيلم الوثائقى الذى أعلنت وزارة الداخلية الطاجيكية أنها شاركت فى تصويره، أن طهران كانت مهتمة بإثارة حرب أهلية فى البلاد، وقدمت مساعدات مالية لحزب النهضة الإسلامي الذي يترأسه حاليًا محيي الدين كبيري الهارب خارج البلاد فى طاجيكستان ودربت مسلحين مرتبطين به على الأراضى الإيرانية. ويظهر الفيلم ثلاثة ممن وصفهم بالإرهابيين المدانين الذين ينتمون للحزب الإسلامي، ويعترفون بتنفيذ اغتيالات شملت ساسة وشخصيات عامة، وشن هجمات على قاعدة عسكرية روسية بين عامى 1994 و2000، مؤكدين أنهم تلقوا تدريبا فى إيران وتمويلا منها. واعترف أحدهم بأنه سافر إلى الجمهورية الإيرانية الإسلامية عام 1995 للتدريب العسكري وذلك من دوشنبه إلى عشق أباد ومن عشق أباد إلى إيران وتلقى تدريبا برفقة 200 شخص طاجيكي فى مدينة قم وكركان وأنه عاد إلى طاجيكستان عام 1997 وقام برفقة زملائه بتنفيذ مخطط عن طريق من قال إنه "الحاج حليم" لاغتيال مثقفين وعلماء دين طاجيك. أيضا، يكشف الفيلم الوثائقي حلقة جديدة من التنسيق بين النظام الإيراني وجماعة الإخوان المسلمين، حيث أنه من المعروف أن حزب النهضة في طاجيكستان الذي تأسس عام 1973، مبنيّ على أفكار ومبادئ وأهداف جهادية تكفيرية أسسها القيادي الإخواني سيد قطب وما تلاه من حركات وتيارات تتبني العمل الجهادي المسلح انبثقت من تلك الأفكار أبرزها تيار القطبيين الذي كان يمثله في مصر محمد كمال القيادي الراحل في جماعة الإخوان المسلمين، حيث تم احتواء الحزب وجعله يدور في ذلك الفلك البغيض بهدف إقامة دولة الخلافة الإسلامية المزعومة. إلا أن ذلك لم ينجح على ما يبدو، فقد صَنّفت المحكمة العليا في طاجيكستان عام 2015 حزب النهضة الإسلامية منظمةً إرهابية، ومنعت كل أنشطته، واعترضت على استضافة إيران زعيم الحزب محيي الدين كبيري، خلال فعاليات ما يسمى مؤتمر الموحدة الإسلامية بطهران 2016، ولقائه المرشد الإيراني علي خامنئي. كذلك، يتزامن الكشف عن التورط الإيراني في العبث بأمن واستقرار طاجيكستان مع تورط إيراني جديد في الجارة أفغانستان، فقد كشفت تقارير دولية تورُّطَ النظام الإيراني في تنفيذ عمليات إرهابية في الداخل الأفغاني. وتعد أفغانستان هي الأخرى إحدى الدول الناطقة بالفارسية، لكن أهلها يكتبون الفارسية بحروف لاتينية على غرار اللغة التركية الحالية، وتعتبر إيران هذه الدولة إحدى مناطق النفوذ الحيوى لها. جدير بالذكر أن تقارير نشرتها بعض المواقع الألمانية والأمريكية كشفت عن أن هناك قنوات مشتركة يتم خلالها نقل المعلومات والأموال، إضافة إلى تزويد الجماعات بالسلاح، وأن طهران متورطة في ذلك لا سيما وأن هناك جناة إيرانيين، تم التعرف عليهم خلال عمليات إرهابية سابقة في أفغانستان. وتشير هذه التقارير إلى عودة إيرانية قوية إلى الساحة الأفغانية من جديد، ولكن هذه المرة عبر حركة طالبان، فعلى سبيل المثال، بعد انفجار صهريج مياه الصرف الصحي أمام السفارة الألمانية في كابول في عملية انتحارية نفذها مجموعة من الإرهابيين، تداولت تقارير صحفية أن الصهريج المحمل بالمتفجرات كان يقف في مساء اليوم الذي سبق الحادثة في الشارع المجاور للسفارة الإيرانية، أي بمعنى آخر فإن من بين الجناة أحد الأعضاء التابعين لشبكة حقاني حسبما تشير التقارير، فهذه الشبكة من الجماعات المتطرفة التابعة لحركة طالبان، وتتلقى دعمها من إيران.