قانون التأمين الصحى الشامل خطوة مهمة لصالح الفقراء وغير القادرين، الذين يمثلون نحو 35% من المجتمع، أى ما يقرب من 35 مليون مواطن، فأوضاع الخدمات والرعاية الصحية وصلت إلى مستوى “لا يسر عدو ولا حبيب”، وأوضاع المستشفيات الحكومية أصبحت تثير الشفقة والأسى، والمواطن المصرى من بين أكثر دول العالم من حيث الإنفاق على الخدمات الصحية من ماله الخاص، حيث يتحمل ما بين 60% و70% للإنفاق على الرعاية الصحية، فى حين لا يتجاوز ذلك نحو 30% فى المتوسط عالميا. تكاليف التأمين الصحى الشامل مرتفعة جدا، وتحتاج إلى أموال ضخمة، يكفى أن الولاياتالمتحدة، قد تراجعت عن تطبيق هذا النظام، كما أن هناك دولا متقدمة مثل فرنسا تواجه مشكلات فى ذلك. التجارب الدولية تؤكد حقيقة مهمة، وهى أنه ليست هناك خدمات مجانية لجميع فئات المجتمع، وكل خدمة لا تقدم بمقابل مادى تفقد القدرة على الاستمرار والحفاظ على جودتها، ولكن العدالة الاجتماعية تقتضى أن يدفع القادرون نصيبهم وأن تتحمل الدولة عن غير القادرين نصيبهم. منظومة الرعاية الصحية فى مصر وصلت إلى مستوى متدن، ولم تكن هناك إرادة سياسية لإصلاحها، فالتكاليف باهظة وتحتاج إلى قرارات وإجراءات جريئة، الرئيس السيسى هو الذى قرر منذ اللحظة الأولى التصدى للمشكلات واقتلاعها من جذورها، وكان منطقيا أن يدفع بقانون التأمين الصحى الشامل، وتطبيق هذه المنظومة، التى تمثل نقطة انطلاق كبيرة فى منظومة الرعاية والخدمات الصحية، وهى نقطة فاصلة ومهمة على طريق تحقيق العدالة الاجتماعية، كما قال رئيس البنك الدولى فإن التعليم والصحة هما ركيزتا التنمية المستدامة. تطبيق المنظومة سيبدأ بعد 6 أشهر من إقراره ونشره بالجريدة الرسمية فى بورسعيد وعدد من المحافظات، أى فى السنة المالية الجديدة ويتم التدرج فى تطبيقه على باقى المحافظات حتى يكتمل تعميمه بحلول العام المالى 2031/2032، وتكلفة علاج الفرد سترتفع من 1400 جنيه إلى 5500 جنيه، لتصل تكاليف المنظومة 600 مليار جنيه عند تطبيقها بجميع المحافظات، وفقا للدراسات المالية والاكتوارية التى أجرتها مكاتب الخبرة العالمية، وخضعت لمتابعة وزارتى المالية والصحة والجهات الحكومية المعنية. الدولة ستتحمل تكاليف غير القادرين الذين تصل نسبتهم إلى 35% من المجتمع وفقا لتقدير وزير المالية عمرو الجارحى، الذى توقع أن يسهم التأمين الصحى الشامل فى تخفيف أعباء وتكاليف الخدمات الصحية عن كاهل الأسرة المصرية التى تنفق نحو 70% من دخلها على هذا البند وحده. ما الذى ستتحمله الموازنة العامة فى التأمين الصحى الشامل؟ وما الذى سيتحمله المواطن؟ الدراسة الاكتوارية اعتمدت على الاشتراكات باعتبارها موردا أساسيا لتوفير التمويل اللازم للتأمين الصحى مع تحمل الدولة لاشتراكات غير القادرين، وفقا لوزير المالية، فإن التزام الحكومة بنسبة ال3% من الناتج المحلى الإجمالى المخصصة لتمويل قطاع الصحة المنصوص عليها فى الدستور ستغطى النظام الجديد للتأمين الصحى الشامل الذى تتحمل فيه الدولة اشتراكات غير القادرين إلى جانب الالتزام بالإنفاق على البرامج الصحية الأخرى مثل خدمات الصحة العامة والخدمات الوقائية والخدمات الإسعافية وخدمات تنظيم الأسرة والخدمات الصحية الخاصة بالكوارث بجميع أنواعها والأوبئة والأمراض الخطيرة، ودعم ألبان الأطفال إلى جانب تأهيل المستشفيات بما يتواكب مع المعايير والاشتراطات التى ينص عليها القانون ضمانا لتقديم خدمات صحية على أعلى مستوى من الكفاءة والمهنية، وذلك استعدادا للدخول فى النظام الجديد تدريجيا، فى حين تتمثل مساهمة المواطنين فى الرسوم المفروضة على رخص القيادة وتسيير المركبات إلى جانب الرسوم التى سيتم فرضها على السجائر لصالح التأمين الصحى الشامل والاشتراكات التى تمثل نسبة من الأجور للعاملين. وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين عبر عن سعادته بصدور القانون، وتعهد بأنه مع تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل أن المواطن لن يضع يده فى جيبه للإنفاق على الرعاية الصحية، هذا أمر جد مهم، لكن ثمة أسئلة كثيرة حول استمرار أداء المنظومة بكفاءة وجودة، فالتمويل هو العقبة الرئيسية فى منظومة التأمين الصحى. تأكيد نائب وزير المالية الدكتور محمد معيط أن الدراسات التى جرت تضمن استمرار تمويل المنظومة دون مشكلات مستقبلية، لكن ما الذى سيضمن استمرار جودة الخدمة وعدم تسرب الإهمال إليها؟ التعويل هنا على هيئة الاعتماد والجودة التى تعتمد المستشفيات بعد تأهيلها بما يتوافق للدخول فى المنظومة، قد تكون تبعية هذه الهيئة لرئاسة الجمهورية وليس لوزارة الصحة -فى ظل الفصل بين الهيئات الثلاث فى منظومة التأمين الصحى الشامل- خطوة مهمة للحفاظ على استقلاليتها وكفاءة أدائها، لكن يبقى التأكيد على أهمية تدبير الموارد المالية اللازمة لتأهيل ورفع كفاءة المستشفيات الحكومية خلال السنوات الثلاث التى حددها القانون، ولا سيما فى ظل المشكلات التى تعانى منها فى الوقت الحالى.