(التشخيص والحلول) تعرضنا فى المقال السابق إلى المؤشرات التى تعكس عدم مساهمة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فى خدمة أهداف التنمية فى مصر، ما يمثل فرصا واعدة لتعظيم الاستفادة من مبادرة الرئيس السيسى للمشروعات الصغيرة، ويتطلب الأمر تشخيص المعوقات التى تحول دون تحقيق هذه الاستفادة وذلك لتذليلها، وتتمثل أهم هذه المعوقات فيما يلى: أولا: عدم وجود إطار مؤسسى موحد يتحمل مسئولية وضع أهداف إجرائية قابلة للتنفيذ، مثال ذلك زيادة نسبة مشاركة الشباب فى مجال المشروعات الصغيرة مع التركيز على المرأة بنسبة محددة خلال فترة زمنية يتم فيها مساءلة هذا الجهاز عن مدى تحقيق الهدف، بل إن هناك تعددا كبيرا فى أداء الجهات الفاعلة فى هذا المجال، فهناك وزارة التنمية المحلية التى تتبنى برنامج مشروعك، والتضامن التى تتبنى الأسر المنتجة، وهناك بنك التنمية والائتمان الزراعى المعنى بالمشروعات الزراعية الصغيرة وكان تحت رقابة وزارة الزراعة ثم انتقل إلى رقابة البنك المركزى، ومؤخرا تحول الصندوق الاجتماعى للتنمية بقرار من وزير التجارة والصناعة إلى جهاز للمشروعات الصغيرة، كذلك قامت الاستثمار بتدشين برنامج فكرتك شركتك. والتساؤل المطروح: من الذى يشرف وينسق ويتابع أداء كل هذه الجهات؟ وهل تسير هذه الجهات فى اتجاه تفعيل مبادرة الرئيس للمشروعات الصغيرة؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب التعرض لما يلى: إن الإطار المؤسسى الأمثل الذى يجب أن يكون مسئولا عن المشروعات الصغيرة يجب أن يكون مستقلا وله القدرة على اتخاذ القرارات المبنية على رؤية واضحة تتسق مع توصيف الوضع القائم للمشروعات الصغيرة فى مصر وسبل تفعيل دورها لتكون محركا للتشغيل والتصدير وإحلال الواردات وتحقيق العدالة الاجتماعية بإتاحة فرص اقتصادية لغالبية فئات الشعب. ويتطلب الأمر أن يعمل جهاز المشروعات الصغيرة على الاستفادة من دور الوزارات، وهنا يكون لوزارة التخطيط دور فى تحديد مكون المشروعات الصغيرة فى خطة التنمية المستدامة بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة (هيئة التنمية الصناعية) والزراعة والاستثمار ولا يتم هذا الدور بكفاءة دور التنسيق مع المجتمع المدنى المتمثل فى الغرف التجارية واتحاد الصناعات والجامعات والمدارس الفنية، ولدينا الكثير من الدراسات والتجارب العملية التى تحدد كيفية تحقيق هذا التنسيق ولكن للأسف الشديد لا يتم بالشكل المطلوب على أرض الواقع، وبمقارنة هذا الطرح بالوضع القائم حاليا يبدو واضحا التداخل والتضارب وتكرار الأدوار بين الجهات الفاعلة، ما يؤثر بشكل كبير فى تحقيق الهدف وتفعيل المبادرة. ونظرا لأهمية وحيوية هذا الملف فى المرحلة التى تشهدها مصر حاليا التى تتطلب حشد الجهود لتفعيل الطاقات الإنتاجية ودعم برنامج الإصلاح الاقتصادى، فإن الأمر يتطلب متابعة جادة ومستمرة وعلى كفاءة لأداء هذا الجهاز، وفى إطار رئاسة رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للاستثمار فإن الأمر يتطلب متابعة الرئيس لأداء جهاز المشروعات الصغيرة ومدى تحقيق أهداف المبادرة التى طرحها سيادته والتى تتطلب التفعيل المستمر لصالح مصر. ثانيا: يتطلب الأمر التركيز على الفئات المستهدفة لمبادرة الرئيس السيسى وهم شباب مصر، وبمراجعة الإحصاءات الخاصة بالقوة العاملة المشاركة الاقتصادية للشباب يتضح الانخفاض الملحوظ فى مشاركتهم فى ريادة الأعمال، وهذه الظاهرة تبدو صارخة بالنسبة للمرأة المصرية، ما يحمل آفاقا هائلة لتعظيمها بما ينعكس على أداء الاقتصاد المصرى، وبالنسبة لنوعية التعليم تبدو الفئات الأكثر معاناة من البطالة من الشباب خريجى كليات التجارة والحقوق والتعليم الفنى بمختلف أنواعه وخريجات التعليم التجارى، ما يتطلب تحسين استهداف هذه الفئات من خلال المدارس الفنية والجامعات والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والأحياء، وتشير الدراسات الميدانية فى هذا الإطار إلى أن الاستهداف يتطلب ليس فقط توعية الشباب وتوجيههم إلى المجالات التى تتناسب مع قدراتهم ولكن توفير الحزم الاستثمارية التى تتناسب مع ظروفهم، هنا تبدو الحاضنات من أكثر هذه الحزم أهمية وفاعلية وكذلك العناقيد الصناعية على أن ترتبط بما يسهم فى زيادة تنويع القاعدة الصناعية وسلاسل الإنتاج كما سبق أن ذكرنا لضمان جدواها الاقتصادية. وفى ضوء إشارة السيد الرئيس فى اجتماعه الأخير لمناقشة إمكانية الاستفادة من دور الكيانات الكبرى لدعم المشروعات الصغيرة فإن الأمر يتطلب أهمية دراسة توزيع الأدوار والحقوق لحماية مصالح أصحاب المشروعات الصغيرة حتى لا يتم استغلالهم، لأن ما نريده أن تصبح هذه المشروعات نواة للنمو والتحول لمشروعات كبيرة لصالح أصحابها وليس العمل لصالح المشروعات الكبرى، وهنا لابد أن تشترك كل الجهات السابق الإشارة إليها فى تصميم مواقع الحاضنات والعناقيد الصناعية جغرافيا وقطاعيا، ويضاف إلى ذلك أن الجهات المشاركة يجب أن تكون لديها القدرة المؤسسية (الخبرات والكفاءة) على دمج المشروعات الصغيرة الجديدة مع المشروعات القائمة لخدمة كل صناعة وقطاع بما يدعم التنافسية وحتى لا يغرد كل سرب منفردا، ولكى يتحقق التناغم بين الوحدات الاقتصادية لكل قطاع ومنطقة جغرافية بما يدعم توازن المصالح بين المستثمرين القائمين والجدد والمشروعات الكبيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود جهاز مستقل للمشروعات الصغيرة. ثالثا: يلعب الجهاز المصرفى دورا مهما فى مجال دعم دور المشروعات الصغيرة فى التنمية، ورغم الجهود المحمودة التى يقوم بها هذا الجهاز حاليا فإنه يفتقد إلى العنصر الاقتصادى للمشروع فى التمويل وما ينظر له فقط هو الجدارة الائتمانية، وعلى الرغم من أن البنك المركزى يبذل جهدا طيبا فى محاولة توجيه الجهاز المصرفى إلى المجالات الأكثر أهمية لاحتياجات النمو الاقتصادى (تسهيلات قروض الثروة الداجنة) فإنه ما زال يفتقد للرؤية المتكاملة حول سياسات الائتمان التى تحقق دعم تنافسية الإنتاج المصرى، وهناك فى تجارب دول جنوب شرق آسيا مجال خصب، كذلك فإن تعامل الجهاز المصرفى مع المشروعات المتعثرة الصغيرة بمنطق تراكم الفائدة لتأخير السداد إنما يشير إلى أهمية استهداف هذه المشروعات بالتعاون مع القطاع الخاص والحكومة لمعالجة مشاكلها بما يسهم فى عدم إهدار طاقات إنتاجية يمكن أن تسهم فى التنمية فى مصر. وبعد فإن العرض السابق إنما يشير إلى التحديات ومقترحات الحلول التى يمكن أن تسهم فى تفعيل مبادرة الرئيس السيسى فى مجال المشروعات الصغيرة، وأرجو أن تجد لها صدى عند صانعى القرار لنهضة ورفعة مصرنا الغالية.