طرح الرئيس محمد حسني مبارك في ثلاث خطب متتالية رؤية مصر المستقبلية التي يجب أن تبني عليها التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, فقد أشار سيادته في خطابة الموجه لقيادات الحزب الوطني(10 نوفمبر2010 أنه مازال هناك من أبناء شعبنا من لم تصلهم بعد ثمار ومنافع الإصلاح والنمو والتنمية, وان استهداف هذه الفئات إنما يتطلب تحسين جودة الخدمات الحكومية والتصدي للفساد والسيطرة علي ارتفاع الأسعار. ولاشك إن هذا التصميم والوضوح في الرؤية المطروحة إنما يتطلب التعرض لمايلي: اولا: لماذ تكون أعيننا علي هؤلاء؟؟ لاشك إن أهمية وصول ثمار التنمية لغالبية الشعب إنما تضمن استدامة هذه التنمية وتعكس: 1 الاستجابة لرغبات الجماهير والتي قام الإعلام والمجالس النيابية والجمعيات الأهلية بإلقاء الضوء عليها, وأوضحت أهمية تركيز الجهود علي استهداف فئات الشعب الأكثر احتياجا والتي تعاني بشكل اكبر من البطالة وارتفاع الأسعار والفقر وانخفاض جودة الخدمات الحكومية. 2 التأكيد علي التوجه الذي أثبتته تجارب الدول النامية, يشير إلي أن التنمية لن تتساقط رذاذا علي الفئات الدنيا في المجتمع, بل يتطلب الأمر اتباع سياسات تكفل الوصول الي هذه الفئات وتمكينها اقتصاديا بحيث تتحول من ان تكون عبئا علي الدولة والاقتصاد إلي مصدر قوة وقيمة مضافة, 3 استلهام تجارب مصر في تحليل دور كل من القطاعين العام والخاص في التنمية, فمنذ التوجه للاقتصاد الحر ومع النمو النسبي للقطاع الخاص في الاستثمار والإنتاج والتصدير, إلا أن القطاع الخاص لايزال غير قادر علي ان يحل محل الاستثمار العام, مما يشير الي أهمية زيادة طبقة المستثمرين من ناحية, ومن ناحية أخري تحسين أوضاع ملايين المستثمرين الصغار الذين يتبعون نظما بدائية في الإنتاج مماينعكس علي الإنتاجية والمشاركة في التنمية. ثانيا: من الذين يجب أن تكون أعيننا عليهم؟ أوضح العديد من الدراسات الميدانية أن الفئات التي تتطلب الاهتمام والرعاية والتمكين الاقتصادي انما تتمثل في العاطلين خاصة من خريجي التعليم الفني والجامعات( أعلي نسبة بطالة وفقا للإحصاءات القومية), وكذلك الفئات الفقيرة خاصة في الريف المصري بصفة عامة وفي الصعيد بصفة خاصة. ومن هنا كان الاهتمام بالبرنامج الواعد الذي تبناه الحزب الوطني لمكافحة الفقر في أفقر القري والذي بدأ في151 قرية أكثر فقرا وغالبيتها في الصعيد ويستهدف الوصول إلي الألف قرية ومازال يحتاج الي التمكين الاقتصادي للفقراء وفقا لتقارير المتابعة كذلك يكتسب ساكنو العشوائيات أهمية كبير وفي هذا المجال, حيث يعانون من البطالة خاصة بطالة خريجي التعليم الفني والذين يتركزون في هذه المناطق, بالإضافة الي موظفي الحكومة وخاصة العمالة المؤقتة ومنهم وبشكل خاص المعينون في الإدارة المحلية حيث يتقاضون مرتبات منخفضة. ثالثا: كيف تكون أعيننا علي هؤلاء؟؟ ويتطلب الأمر في البداية تحديد الفرص المتاحة للنمو, والتي أعلنت عنها الحكومة, وتحليل الي أي مدي تأخذ في الاعتبار الرؤية التي طرحها الرئيس في الخطب الثلاثة ويمكن عرض ذلك من خلال التعرض لبرامج الحكومة. حيث أوضحت الحكومة مؤخرا من خلال العديد من المحافل( البرلمان, مؤتمر الحزب الوطني, المؤتمرات) توجهاتها في المرحلة المقبلة والتي تتمثل في اتجاه الحكومة إلي زيادة الاستثمار للتشغيل من خلال العديد من المحاور: المحور الأول: جذب الاستثمارات الأجنبية خاصة في قطاعات التجارة الداخلية والتصنيع الزراعي ودعم البنية الأساسية من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص, ولاشك ان الاستثمارات الأجنبية لها دور مهم في نقل التكنولوجيا والقدرات المؤسسية, إلا ان تحقيق رؤية الرئيس تتطلب متابعة أثر هذه الاستثمارات علي الفئات التي تستهدفها. المحور الثاني: الاستفادة من الأصول المملوكة للدولة. إن التوجه ناحية استغلال أصول وموارد الأصول المملوكة للدولة يجب أن يتكامل مع أتاحة المزيد من فرص العمل المحيطة بهذه الشركات وفقا للمواقع الجغرافية لها, علي أن يعتمد علي أسس اقتصادية تتيح ضخ موارد لرفع المستوي التكنولوجي للشركات ويعظم دور التدريب ليواكب التطور التكنولوجي مما يسمح بفرص عمل حقيقية. المحور الثالث: تفعيل دور المشروعات الصغيرة في التنمية: لا يمكن انكار الجهود الكبيرة التي تمت لدعم دور المشروعات الصغيرة في خدمة أهداف التنمية ودمجها في أطار التنمية مفيدة ومستفيدة, ولا شك في ان هذه الجهود تبدو واضحة في تقارير الصندوق الاجتماعي للتنمية والجمعيات الأهلية والعديد من الوزارات, فضلا عن الجهات المانحة, إلا أن الأمر يتطلب المقارنة بين ما يمكن ان تسهم به هذه المشروعات في إتاحة فرص عمل وزيادة الإنتاج والإنتاجية وبين ما يتم فعلا علي أرض الواقع, وهنا تبدو الفجوة واضحة ويرجع ذلك للعديد من المعوقات وهذا يتطلب التحرك السريع والفاعل لمواجهتها من الحكومة والمجتمع المدني هذا وعودة الي الإجابة عن التساؤل: كيف تكون اعيننا علي هؤلاء؟ ان المحاور الأساسية المطلوب العمل من خلالها تتضمن: 1 تحديد فرص المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في إطار خطة الدولة للتنمية سواء من خلال الإستفادة من المشتريات الحكومية أو التكامل مع المشروعات الكبيرة, واحلال الواردات وكذلك علي مستوي الخرائط الإستثمارية للمحافظات والتكامل مع الإستثمار الأجنبي المباشر بما يتيح تحديد مشروعات محددة تطرح علي المستثمرين الصغار ليتيح ذلك إدماج المشروعات الصغيرة في إطار التنمية. 2 تكاتف الحكومة مع المجتمع المدني في إطار خطة عمل تستهدف معالجة المعوقات التي تواجه المشروعات الصغيرة بما يكفل دمجها في التنمية. 3 رصد المعوقات التي تعاني منها المشروعات القائمة حاليا وتحديد أهميتها في دعم تنافسية القطاعات التي تعمل بها ودعم الجهود التي تتم لتطوير قدراتها حيث يمكن أن يسهم ذلك في زيادة توظيفها للعمالة ورفع مستوي مساهمتها في القيمة المضافة ورفع انتاجيتها. 4 تعظيم الإستفادة من دور شركات قطاع الأعمال العام من خلال رفع القدرات التنافسية لها وربطها بمشروعات أصغر. 5 استهداف العاملين في الحكومة ببرامج مميزة للمشروعات الصغيرة, بما يكفل الإستفادة من طاقتهم مع أولادهم العاطلين ويرفع عن الدولة عبء مرتبات لا يقابلها انتاج خاصة في الإدارات المحلية. 6 ان يبني تقييم أداء المشروعات الكبيرة والإستثمارات الأجنبية وكذلك الحوافز التي تقدم اليها علي قدرتها علي زيادة التوظيف ودعم القيمة المضافة المحلية. 7 يجب أن يحظي استهداف الشباب بأهمية قصوي مع تكاتف الجهود لتحقيق ذلك والمتابعة الدورية للنتائج ويكون ذلك بتعاون الحكومة من خلال الوزارات والمجلس الأعلي للشباب والرياضة مع المجتمع المدني, وذلك بعرض الفرص المتاحة وإعلاء اخلاقيات العمل ومناقشة الشباب في إمكانية استفادتهم من الفرص المتاحة والمعوقات التي تحول دون ذلك لمحاولة تذليلها. أن مطالبة سيادة الرئيس بخطط عمل واضحة بمؤشرات قابلة للتقييم وذلك لمتابعة الأداء خلال فترات زمنية محددة, إنما يشير الي أهمية دور رئيس مجلس الوزراء في التنسق بين الأداء للوصول الي النتائج المرجوة, كذلك تكتسب قدرة الحكومة علي التفاعل والتنسيق والتكامل مع المجتمع المدني أهمية كبيرة في المرحلة القادمة, كما يقع علي الأحزاب خاصة الحزب الوطني الديمقراطي الذي يملك انتشارا وقدرات مؤسسيه علي مستوي محافظات مصر مسئوليات ضخمة في المشاركة والتوعية وشحذ الهمم, وعلي الإعلام ان يتابع هذه الجهود ويساعد في اعلاء المصلحة القومية التي يجب ان تعلو فوق أي اعتبارات اخري لننهض بمصرنا العزيزة الي ما نحبه ونرجوه مع بداية عام جديد, ندعو الله أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير لبلدنا.