تبنى الرئيس السيسى منذ توليه المسئولية دعم ومساندة المشروعات الصغيرة فى مصر، وتوج هذه المساندة بالإعلان عن مبادرة ال 200 مليار جنيه بفائدة متناقصة تصل إلى 5% على حين تشهد معدلات الفائدة المعلنة من البنك المركزى ارتفاعا كبيرا خاصة بعد تعويم الجنيه المصرى، وتلقينا نحن المهتمين بقضية المشروعات الصغيرة منذ ما يقرب من عقدين هذا التوجه بفرحة كبيرة على أمل أن تسهم هذه المبادرة فى علاج أسباب عدم مساهمة المشروعات الصغيرة بالدور المطلوب فى خدمة أهداف التنمية فى مصر، إلا أن تطبيق هذه المبادرة - حتى الوقت الحالى – لا يزال يحتاج إلى رؤية علمية تدمج المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فى عملية التنمية فى مصر وتستهدف فئات الشعب بمختلف طوائفها، بما يرسخ مبدأ أن عملية الإصلاح الاقتصادى تصب فى مصلحة جميع هذه الفئات دون تمييز، وبما يسهم فى زيادة الطاقات الإنتاجية ودعم تنافسية الإنتاج، ولا يتأتى ذلك إلا بإطار مؤسسى قوى يعمل على تنفيذ الرؤية بكفاءة وفاعلية ويتابع معدلات الأداء لتذليل الصعوبات وضمان التوافق الشعبى والمجتمعى لهذه المبادرة. وعلى الرغم من نشاط الجهاز المصرفى المصرى فى تنفيذ المبادرة وعلى رأسه كل من البنك الأهلى وبنك مصر فإن فاعلية هذه الجهود لا بد أن تختبر من خلال المؤشرات الاقتصادية المتعارف عليها فى هذا الإطار، حيث يطرح هنا التساؤل المهم: ما دلالات نجاح إدماج المشروعات الصغيرة فى إطار التنمية فى مصر؟ إن تحليل الأداء الاقتصادى المصرى يشير إلى العديد من المؤشرات التى تعكس عدم مساهمة المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغير فى خدمة أهداف التنمية فى مصر، ومن ثم عدم فاعلية الجهود التى تتم لتحقيق ذلك ومنها مبادرة الرئيس السيسى ويتمثل ذلك فيما يلى: ضعف مساهمة المشروعات الصغيرة فى الصادرات المصرية حيث لم تتعد هذه النسبة 4% على حين تصل فى الصين إلى أكثر من 50%. انخفاض مشاركة الشباب فى مجال ريادة الأعمال وخاصة المرأة وهو ما يعكس ضعف جهود استهداف الشباب وتحفيزهم على الدخول لمجال العمل الحر والاستفادة من الفرص والآليات المقدمة من المؤسسات العاملة فى هذا المجال. تركز الإنتاج الصناعى فى معظم الصناعات المصرية ويقصد بذلك سيطرة عدد محدود من المصنعين فى كل صناعة على الإنتاج الكلى للصناعة، وهو ما يعكس ضعف المنافسة، وعدم قدرة الصناعات الصغيرة على شق طريقها بالتكامل والتنسيق مع الصناعات الكبيرة والمتوسطة ما يعنى عدم وجود دور مؤثر للدولة فى تحقيق توافق المصالح بين المنتجين داخل كل صناعة لخدمة دعم التنافسية وزيادة الناتج وهو ما يتسق مع ضعف القاعدة الصناعية المصرية. عدم اكتمال سلاسل الإنتاج الخاصة بكل صناعة ما يعنى أن هناك قصورا فى هذه السلاسل وفجوات ترفع تكلفة الإنتاج والمكون الاستيرادى لكل صناعة وينعكس ذلك سلبا على تنافسية الصناعة من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ذلك إنما يوضح بجلاء عدم وجود تخطيط استراتيجى من قبل الدولة لتشجيع الصناع على الدخول إلى المجالات التى تسهم فى تكامل سلاسل الإنتاج بما فى ذلك عدم وضوح الخرائط الاستثمارية التى تم إعدادها وأنفق عليها الملايين من المنح والمساعدات، وهذا يعنى حرمان الاقتصاد المصرى من دور فعال للمشروعات الصغيرة يكمل حلقات الإنتاج ويرفع تنافسيته ويحقق مكاسب تراكمية تفعل دوره فى خدمة أهداف التنمية فى مصر. عدم استفادة المشروعات الصغيرة من الإنفاق العام الحكومى بالقدر المناسب، حيث إن تحديد نسبة من المشتريات الحكومية تخصص للمشروعات الصغيرة (بنص القانون 141 لسنة 2004 أن تكون هذه النسبة فى حدود 10%) لا يتم تفعيله على أرض الواقع، كذلك فإن قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لا يحقق الاستفادة للمشروعات الصغيرة ولا تجد هذه المشروعات فرصا واضحة للاستفادة من الطاقات العاطلة فى شركات قطاع الأعمال العام، ويعنى ذلك سيطرة الشركات الكبيرة على مجالات الإنتاج ما يسهم فى تركيز الثروة وإقصاء صغار المنتجين عن فرص الإنتاج وما يرتبط بذلك من إضعاف قدراتهم على الدخول لمجال الأعمال والاستفادة من الفرص. عدم تنوع القاعدة الصناعية المصرية، إذ تشير مراجعة هيكل الصناعة المصرية وفقا لمعيار الأممالمتحدة الصناعى الذى يضع كودا لكل صناعة إلى انخفاض عدد الصناعات المصرية داخل كل صناعة مقارنة بالدول التى استطاعت تنويع هيكلها الصناعى، ويعنى ذلك عدم استفادة الاقتصاد المصرى من الدخول فى صناعات كثيرة يمكن أن تتماشى مع المزايا النسبية فى مصر وتفتح فرص عمل هائلة، ويتسق ذلك مع سلاسل الإنتاج السابق الإشارة إليها، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الوضع يضعف من قدرة الاقتصاد المصرى على النفاذ إلى الأسواق الخارجية. إن الأمثلة السابقة إنما تعكس عدم وجود رؤية لإدماج المشروعات الصغيرة فى سياق التنمية فى مصر ما يتطلب أهمية وجود هذه الرؤية وهو ما يستدعى مناقشة الإطار المؤسسى والتشريعى للمشروعات الصغيرة فى مصر ودوره فى وضع هذه الرؤية ومتابعة تنفيذها، وكذلك كيفية الترويج لهذه الرؤية بما يسمح بجذب الشباب المصرى /مع التركيز على المرأة/ للاستفادة من المجالات المتاحة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والفرصة فى نوعية حياة أفضل، ومن هنا فإن مبادرة الرئيس السيسى إذا ما تم وضعها فى هذا الإطار فإنها تظهر أهميتها الكبيرة فى خدمة أهداف التنمية فى مصر الآن، الأمر يتطلب العمل الجاد والمخلص لتفعيلها وهو ما نستكمله بمشيئة الله فى المرة القادمة. أ.د/ يمن الحماقى استاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس