قبل ثورات الربيع العربى رفضت حكومات فى منطقة الشرق الاوسط إصدار الصكوك الاسلامية لأسباب سياسية اكثر منها اقتصادية، ولكن فى الفترة الاخيرة بدأ الوضع يتغير فقد اعلنت تونس عن نيتها لاصدار سندات اسلامية. وقامت تركيا الشهر الماضى بطرح سندات سيادية اسلامية فى خطوة اعتبرها محللون غربيون بداية اتجاه جديد فى المنطقة للتمويل الاسلامى. اصدار تركيا لأول سندات اسلامية يمنح الشركات التركية فرصة استقطاب المزيد من الاستثمارات وقد يساعد البلاد فى ان تصبح سوقا رئيسيا لمستثمرى الخليج وجنوب شرق آسيا.ويذكر انه بعد الوصول إلى السلطة قبل عشر سنوات تجنبت حكومة رجب طيب اردوغان ذات المرجعية الاسلامية اصدار الصكوك خوفا من اتهامها بالرجوع عن الدولة العلمانية.وهذه السياسة حرمت تركيا من المشاركة الكاملة فى النمو السريع للمنتجات المالية الاسلامية التى قدر حجم سوقها العالمى فى عام 2011 بأكثر من 1.3 تريليون دولار بزيادة نسبتها 150%على مدار خمس سنوات وذلك وفقا لتقديرات بريطانية.وطرح الحكومة التركية لسندات اسلامية بحجم اصدار 1.5 مليار دولار، الذى اسفر عن عروض بقية إجمالية 7.5 مليار دولار من مستثمرين عالميين، يعد الخطوة الاولى فى طريق وضع تركيا على خريطة التمويل الاسلامى العالمية الذى يوفر لها فرصة الوصول إلى مليارات الدولارات فى صناديق استثمار دول اسلامية اخرى.ومن المتوقع ان يكون السند الجديد مؤشرا لتسعير اصدارات السندات الاسلامية للقطاع الخاص فى المستقبل.والمنتجات المالية الاسلامية الاخرى، مثل التأمين التكافلى أو الاسلامى، سوف تجذب ايضا المزيد من الطلب فى تركيا بعد الخطوة التى قامت بها الحكومة.وهى الخطوة التى يراها رئيس وحدة المؤسسات المالية فى بنك آسيا، اكبر بنك اسلامى فى تركيا، انها ستكون علامة بارزة للتحول باتجاه التمويل الاسلامى فى البلاد الذى سيدعم اسواق رأسمالها.كان التمويل الاسلامى، الذى يتفق مع مبادئ الشريعة، قد سجل نموا خلال الازمة المالية العالمية لأسباب عديدة من اهمها توافر مجموعة ضخمة من صناديق الاستثمار ذات توجهات اسلامية فى دول الخليج الغنية بالنفط.ولكن تركيا لديها اربعة بنوك اسلامية فقط التى بلغ اجمالى اصولها فى يونيو الماضى 33.9 مليار دولار بنسبة 4.8%فقط من اصول القطاع المصرفى التركى.وذلك وفقا لبيانات رسمية.فى حين تشكل اصول المؤسسات المالية الاسلامية فى دول الخليج 25%من السوق حسب احصاءات شركة ارنست آند يونج.ولاعتبارات سياسية ولأسباب قانونية، لا تصنف البنوك التركية نفسها بأنها اسلامية وإنما تستخدم توصيف بنوك المشاركة وتسمى الصكوك شهادات المشاركة فى اشارة إلى دفع عائد على محفظة من الأصول للمستثمرين بدلا من دفع فائدة.اصدار تركيا لصكوك اسلامية يعنى ايضا انها قد تجاوزت حساسيتها الشديدة تجاه التمويل الاسلامى.وهناك مؤشر آخر على تغيير الحكومة ليساستها وهو ما شملته خطتها الخمسية للتنمية الاقتصادية 2007 2013 من تطوير للادوات المالية بدون فائدة وذلك فى إطار جهودها لتحويل البلاد إلى مركز مالى إقليمى.وهنا يشير مدير مجموعة الخدمات المصرفية فى بنك بيتك التركى احد البنوك الاسلامية فى البلاد إلى تحرر تركيا من الحساسية المفرطة تجاه التمويل الاسلامى، ويقول ان احد اسباب التحول فى سياسة الحكومة هو تزايد الثقة فى قوة حزب العدالة والتنمية الذى نجح فى السنوات القليلة الماضية فى الحد من السلطة السياسية للجيش العلمانى.وقد يكون السبب الاهم فى تغير الاتجاهات الاقتصادية التركية هو تزايد أهمية منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بالنسبة للشركات التركية فى ظل ركود النمو فى اوروبا وامريكا ، فحسب احصاءات بنك اتش اس بى سى 34%من صادرات تركيا تذهب إلى هذه المنطقة مما يعنى امكانية تحقيق نجاح مماثل على صعيد التمويل فى مجال التمويل الاسلامى والاستثمارات الاجنبية المباشرة.ولذلك يرى الخبراء آفاقا واعدة للتمويل الاسلامى فى تركيا ويتوقعون استمرار اتجاه الخزانة لاصدار الصكوك خلال السنوات القادمة، وان تحفز الصكوك السيادية الشركات الخاصة على اصدار سندات اسلامية.حتى الان، اعتمدت البنوك الاسلامية التركية بشكل رئيس على الودائع والقروض القصيرة الاجل من اجل توفير مصادر التمويل وكان لديها فرصة ضئيلة للوصول إلى الاسواق الدولية، وبالتالى الاقتراض الطويل الاجل عبر الصكوك قد يحسن هيكلها المالى.الصكوك قد تساعد البنوك الاسلامية التركية فى تلبية معايير رأس المال الدولية حيث يطالب المنظمون فى انحاء العالم بتعزيز نسب كفاية رأس المال.وحيث ان الصكوك يمكن اعتبارها شكلا من اشكال رأس المال فى ميزانيات البنوك، على عكس السندات التقليدية التى هى دين خالص.ويقول خبراء ايش بنك التركى ان بنوك المشاركة يمكن ان تصدر صكوكا ويمكن اعتبارها كرأس مال من المستوى 2 وتعامل مثل الاسهم، ويتوقعون ان يتم اصدار اول صكوك غير مالية فى 2013 ، وان كانت الخبرة اللازمة سوف تستغرق وقتا.علاوة على استقطاب مستثمرين من دول الخليج من المتوقع ان تلقى الصكوك الجديدة اهتماما كبيرا من صناذيق التقاعد التركية ايضا التى ترغب فى تنويع محفظتها الاستثمارية .