النجاح كهدف ينبغى ان يسبق جمع الثروة لدى اى رجل اعمال.. المال يجب ان يستخدم باستمرار فى مشروعات ولا يكدس فى البنوك لحظة واحدة !! هذا ما كان يؤمن به عبد اللطيف ابو رجيلة، من اشهر رجال الاقتصاد والاعمال خلال الاربعينيات وحتى الستينيات من القرن العشرين والملقب ب «امبراطور الاتوبيس».. بلده اسنا بصعيد مصر، تلقى تعليمه الاولى بالسودان حيث كان يعمل والده ثم التحق بمدرسة السعيدية بالقاهرة ثم بمدرسة التجارة العليا وبعد تخرجه التحق بالعمل فى بنك مصر واستفاد من تجربة الاقتصادى الكبير طلعت حرب وكان مثله الاعلى، ثم سافر الى روما ولندن وزار العديد من الشركات والوكالات التجارية واستطاع ان يعقد صفقة لتوريد المحاصيل الزراعية من مصر الى ايطاليا وعقب عودته الى مصر استقال من بنك مصر وبدأ مشواره فى مجال الاعمال . خلال تلك الفترة وفى عام 1956 تولى ابو رجيلة رئاسة نادى الزمالك وكان يرى ان الثروة لا بد ان تلعب دورا اجتماعيا يتجاوز المصالح الشخصية، حصل النادى على بطولة الدورى لاول مرة منذ انشائه عام 1911 وارتفعت ميزانية النادى من 6 الاف جنيه الى 18 الف جنيه وتبرع ابو رجيلة للنادى لبناء مقر جديد فى ميت عقبة بدلا من موقعه السيئ وكان مكونا من ثلاث حجرات ومدرج خشب مكان مسرح البالون الحالى ولكنه واجه مشكلة عجز الميزانية عند بناء الاستاد، وبذكاء نادر نجح فى توفير مبلغ 10 الاف جنيه وذلك بعد اجراء مفاوضات مع الشركتين المتنافستين لتوريد البنزين والسولار للاتوبيسات فاستطاع تخفيض 50 مليما فى سعر اللتر وقام ببناء الاستاد. ومن اعماله التى تحسب له انه عندما ادخل المياه الى نادى الزمالك قام بمدها الى منطقة ميت عقبة بأكملها مجانا على نفقته الخاصة . بادر ابو رجيلة بوضع سيارات شركته تحت تصرف الجيش مع تحمله تكلفة تموينها ودفع اجور سائقيها كما استجاب لطلب وزير الحربية بتمويل صفقات الاسلحة اثناء فترة الحظر المفروض بعد حرب 1956 بالاضافة الى طلبه رسميا من السلطات المصرية بمساعدته فى استعادة امواله من ايطاليا بعد ان رفضت ذلك حكومتها وما كان منه الا ان قام بتحويلها فى صورة بضائع يصدرها الى مصر منها استيراد ماكينات لاعمال الطرق، الا ان كل هذه الاعمال لم تشفع له وقد اطاحت به قرارات التأميم عام 1962 فترك مصر عائدا الى ايطاليا واعاد تجربته مع النقل والمرور ولكن فى السودان. وعاد نهائيا الى مصر فى منتصف السبعينيات وكانت وصيته الاخيرة »لا نجاح لهيئة النقل الا بمحاربة الرشوة والفساد والاهمال والتسيب« . رأس ماله 43 جنيها !! بدأ ابو رجيلة مشواره مع الاستيراد والتصدير بمبلغ 34 جنيها هى كل ما يملك. اشترى مكتبا وآلة كاتبة وطوابع بريد واستعان بموظف صغير براتب شهرى خمسة جنيهات وكان هذا المبلغ بالنسبة له رأس مال عظيما لانه انبت اضعاف الاضعاف .. فى البداية عمل فى توريد الحاصلات الزراعية وتوسع فى اعماله بايطاليا محققا نجاحات رائعة ومكونا ثروة طائلة ولكنها للاسف ضاعت فى غارات الحرب العالمية الثانية فكانت ثروته كميات كبيرة من البضائع بالموانى الايطالية.. لم ييأس ابو رجيلة وبدأ مرة اخرى من الصفر، عاش فى ايطاليا عدة سنوات تزوج خلالها من ايطالية ولم ينجب. ساهم فى توريد الاسلحة للجيش المصرى من عام 1948 وحتى عام 1952 واواخر 1949 عاد الى مصر واشترى قطعة ارض بمساحة 6000 متر وسط البلد تطل على شوارع سليمان باشا ومعروف وشامبليون وعبد الحميد سعيد واشترى مزرعة مساحتها 400 فدان حدائق بعين شمس وبعد اشهر من ثورة يوليو 1952 عاد الى ايطاليا. إمبراطور الأتوبيس : فى عام 1954 استدعاه عبد اللطيف البغدادى وزير الشئون البلدية وطلب منه ان يتولى مسؤلية اتوبيس القاهرة، لم يكن لابو رجيلة اى شروط فبدأ بدفع مرتبات العمال المتأخرة وقام باستيراد 400 سيارة اتوبيس فاخرة تقدم خدمة راقية بمواعيد منضبطة ومنتظمة ومع التدريب للسائقين والكمسارية والرقابة الصارمة على جميع العاملين استطاع ان يرفع مستوى المرفق ويقدم خدماته المتميزة لنحو 13 مليون راكب شهريا وكان الزمن الفاصل بين كل اتوبيس ثلاث دقائق وادخل خدمة الراديو فى الاتوبيسات وارتفع عدد العاملين بالشركة الى اربعة الاف عامل، واستطاع منافسة الشركات المنافسة «مقار وسوارس» بتعيين كمساريات من الفتيات يختارهن بدقة وعناية وكان يقوم بنفسه بتفقد مستوى الخدمة فيركب الاتوبيس كمواطن عادى لذلك لقب ب «امبراطور الاتوبيس».