يقوم الجهاز المصرفى فى أى دولة بأدوار هامة فى تحقيق تقدمها الاقتصادى والاجتماعى وليس أدل على ذلك فى تجارب التنمية المعاصرة من التجربة الكورية الجنوبية، التى تم فى اعقابها التنظير للدور الذى يؤديه الجهاز المصرفى والتعميق التمويلى فى رفع معدل النمو الاقتصادى. وفى مصر، كان للجهاز المصرفى دور كبير فى التنمية، وكانت تجربة بنك مصر على يد منشئه الاقتصادى الكبير طلعت حرب فى أوائل القرن العشرين رائدة فى إنشاء الشركات فى مختلف القطاعات الاقتصادية، وخدمة العملاء المصريين، ومواجهة الاحتكارات الاجنبية التى كانت تسعى الى تحقيق مصالحها الخاصة وليس مصلحة الاقتصاد المصرى. وتكثر شكوى كثير من العملاء حاليا من عدم قيام الجهاز المصرفى بالدور الذى ينبغى القيام به لاقالة الاقتصاد المصرى من عثرته الحالية، بتحفيز زيادة معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى، وتوليد فرص عمل اكبر تعمل على خفض معدل البطالة المرتفع، فما هى حقائق القطاع المصرفى ؟ وهل هناك مجال لزيادة دوره فى الاقتصاد المصرى؟ يبلغ عدد البنوك فى مصر حاليا 04 بنكا بالاضافة الى البنك المركزى ولها 7563 فرعا فى جميع انحاء الجمهورية، وبلغ اجمالى الودائع بها نحو 6131 مليار جنيه فى نهاية ديسمبر 3102 وذلك بالمقارنة ب 009 مليار جنيه فى مايو 0102 و557 مليار جنيه فى 8002 وكان معدل نمو الودائع يدور حول 9٪ سنويا قبل 0102 انخفض الى 2.7٪ فى عام 1102 ثم الى 3.6٪ فى العام الذى يليه الا أنه مع استقرار الاوضاع الاقتصادية نسبيا فى عام 3102 فقد ارتفع معدل نمو الودائع الى 9.31٪ . وهناك مجال لزيادة الودائع بمعدلات أكبر من هذا، اذا ما أوجدت البنوك أوعية ادخارية جديدة تجذب مزيدا من الودائع، وخاصة تلك الموجهة الى القطاع العائلى، من اجل رفع نسبة الادخار من الناتج القومى المنخفضة حاليا. ولا تشكل ودائع الحكومة فى الجهاز المصرفى الا نحو 01٪ من اجمالى، أما المصدر الاساسى للودائع فهو القطاع العائلى، الذى تبلغ نسبة ودائعه نحو 08٪ فى المتوسط من اجمالى الودائع بالعملة المحلية (الجنيه المصرى) ومثلها ايضا تقريبا بالنسبة للودائع بالعملات الاجنبية (انظر الجدول) وكانت نسبة الودائع بالجنيه المصرى الى اجمالى الودائع غير الحكومية نحو 97٪ سنويا ونسبة الودائع بالعملات الاجنبية كان متوسطها نحو 12٪ من اجمالى الودائع غير الحكومية ويتضح من هذا أن المصدر الرئيسى للأموال فى الجهاز المصرفى هو القطاع العائلى.. وهذا هو الوضع العالمى المعتاد. أما بالنسبة لاستخدامات الاموال، فنجد أن رصيد الاقراض والخصم للعملاء قد بلغ نحو 3.055 مليار جنيه فى نهاية عام 3102 أى بنسبة حوالى 06٪ من الودائع غير الحكومية وهذا يعنى أن هناك مجالا أوسع لتوظيف نسبة أكبر من الودائع بطريقة آمنة، إذ إن نسبة الاحتياطى الالزامى لا تتعدى 41٪ وفى نفس الوقت تقدر نسبة ارصدة البنوك المصرية لدى البنوك الاجنبية والمصرية بنحو 5.22٪ من اجمالى اصولها وهذه نسبة مرتفعة شيئا ما ربما لتخفيض الترتيب الائتمانى لمصر فى اعقاب ثورة يناير، أما وقد تحسن هذا الترتيب، وبدأ تحسن الاحوال الاقتصادية والمالية فى مصر، فيكون هناك مجال لخفض هذه النسبة لصالح تشغيلها فى مجالات التوظيف المختلفة من استثمار فى المشروعات أو اقراض للعملاء أو غيرها من المجالات. ويلاحظ من الجدول رقم 2 أن الزراعة تستحوذ على أقل من 51٪ أرصدة الائتمان الذى قدمته البنوك بالعملة الاجنبية كمتوسط خلال الفترة 0102 3102 وقطاع الصناعة 92٪ كمتوسط سنوى أما قطاعا التجارة والخدمات فقد حصلا على متوسط سنوى بنسبة 53٪ وفى ظل ظروف الاقتصاد المصرى، كان المفروض أن يستحوذ قطاعا الزراعة والصناعة على نسبة أكبر من هذا. ويلاحظ أن نسبة الاوراق المالية بما فيها أذون الخزانة تفوق نسبة أرصدة الاقراض والخصم للعملاء اذ كانت نسب الاولى حوالى 83٪ فى المتوسط سنويا وفى الثانية حوالى 43٪ فى المتوسط ويقضى الوضع الحالى زيادة ارصدة الخصم والاقراض للعملاء وكذلك تخفيض نسبة ما يخصص لأذون الخزانة وسنداتها لصالح الاستثمار المباشر فى المشروعات الصناعية والزراعية، وما يكتتب فيه فى اسهم الشركات المختلفة. يتضح مما سبق أن زيادة اسهام الجهاز المصرفى المصرى فى اقالة الاقتصاد المصرى من عثرته الحالية يقتضى ما يلى: أولا : العمل على ابتكار أوعية ادخارية جديدة بحيث تشجع قطاعات الاقتصاد المختلفة على مزيد من الادخار كى ترتفع نسبة الادخار من الناتج المحلى الاجمالى عن مستواها المتدنى حاليا. ثانيا : جعل الودائع بالجنيه المصرى أكثر جاذبية من الودائع بالعملات الاجنبية خاصة بالنسبة للقطاع العائلى الذى لا يوجد له استخدام متكرر يذكر بالنسبة لهذه الودائع. ومن الناحية الاخرى فان معظم دول العالم تطلب أن يحتفظ القطاع العائلى بودائعه بالعملة الوطنية، خاصة بعد عودة العاملين منهم من الخارج بمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وذلك مثل الباكستان. ثالثا: مع ارتفاع الترتيب الائتمانى لمصر، يجب أن تسعى البنوك المصرية لتخفيض نسبة ودائعها لدى البنوك الاجنبية وذلك لصالح توظيف هذه الاموال فى القطاعات المصرية المختلفة. رابعا: ضرورة توجيه نسبة أكبر من ودائع البنوك للاستثمار فى المشروعات الزراعية والصناعية من اجل زيادة الانتاج والتصدير وخلق فرص العمالة. اضف الى ذلك أن هذه الاستثمارات تعود بعائد اكبر على البنوك نفسها من ذلك المحقق من أذون الخزانة أو الاقراض لقطاعات الخدمات. إن للبنوك قدرة على صياغة المشروعات الانتاجية، ووجودها فى هذه المشروعات يعطى ثقة للافراد للاقبال على الاستثمار فيها، خاصة اذا أثبتت دراسات الجدوى ربحية المشروعات الجديدة. خامسا: أن آلاف المصانع تعمل اما بأقل من طاقتها الكاملة أو توقفت عن العمل كلية، وفى هذا هدر كبير لموارد المجتمع ويرجع سبب رئيسى فى ذلك الى احجام البنوك عن توفير التمويل اللازم لها، على الرغم من جدوى هذه المشروعات، وعلى البنوك دور رئيسى فى تعويم هذه المشروعات وتشغيلها وذلك من أجل مصلحة مصر والمشروعات المتوقفة، وكذلك مصلحة البنوك التى تستطيع استرداد جزء كبير من قروضها عن طريق هذا التعويم الناجح.