فى شارع 62 يوليو بمنطقة بولاق أبو العلا يقع متحف المركبات الملكية الذى أنشأه الخديوى إسماعيل، وكان مقرا لمصلحة الاسطبلات الخديوية التى صارت بعد ذلك الاسطبلات الملكية وليتحول بعدها الي متحف، يضم أيضا اسطبلا خاصا للخيول الملكية،ومكانا للطب البيطرى لعلاج ورعاية الخيول العربية الأصيلة. فى مواجهة هذا الأثر التاريخى المهم، تقع عيناك علي منظر مؤسف للغاية ويتمثل فى سلع وكالة البلح وباعة الملابس المستعملة، ومستلزمات البناء، وأدوات المطابخ والحدائق وغيرها، وقد قام بعضهم خلال الفترة الماضية بالهجوم علي المتحف مما دفع الموظفين الي بناء حائط بالجهود الذاتية لحماية المبنى! وما دفعنى الي زيارة المتحف شائعة عرض مقتنياته للبيع التى قيل إنها قاربت علي التلف،وهذا ليس صحيحا علي الاطلاق. فبالرغم من المنظر الخارجى السيئ للمبانى، فإن قاعة المركبات تتلألأ من شدة النظافة، وجميع المركبات مغلفة بأغطية خاصة لكى تحميها من الأتربة، وتسمح فى الوقت نفسه بدخول الهواء حتى لا يتعرض الخشب للعطب، وكل عربة ملكية لها اسم وفى ذلك الوقت كانت هناك عربات يجرها الخيل أيضا للأغنياء وكانت تسمى «دوكار»، أما العربات الملكية فكان يطلق عليها اسم «مركبة» يضاف لها اسمها، أو «عربة» . وكان المتحف مفتوحا للجمهور منذ فترة ليست بالبعيدة، وقام د. أحمد قدرى رئيس هيئة الآثار (التى تغير اسمها هى الأخرى من مصلحة إلى هيئة إلى وزارة) بنقل جزء من محتوياته إلى متحف القلعة بمناسبة افتتاحها ولإتاحة الفرصة لأعمال الترميم فى هذا المتحف الرئيسى. وفيما يبدو فقد نسى الجميع ذلك المكان إلى أن تم افتتاح وزارة الخارجية فى موقع يجاور المتحف تماما وتدخلت الوزارة للمطالبة بتجديد ذلك المبنى الذى كان قد تحول إلى مبنى بمظهر غير جيد. وبدأ الاهتمام بترميمه مرة أخرى منذ بضع سنوات. ويقول أحمد شرف رئيس قطاع المتاحف: إنه متحف حكومى رسمى يختص بفترة تاريخية معينة وهى حكم أسرة محمد على. العربات التى كانت تستخدم فى تلك الفترة. ومبانى المتحف تم ترميمها إنشائيا بالكامل، والانتهاء من المعالجات التى كانت مطلوبة لها. أما الانتهاء من التجهيزات النهائية للمنشآت الداخلية فيتوقف على توفير التمويل خلال الفترة القادمة، ويقدر بنحو 40 مليون جنيه. لإجراء التشطيبات وإعداد المخازن ومعالجات أخرى للمتحف. علما بأنه تم انفاق نحو 02 مليون جنيه. وردا على سؤال عن التاريخ المتوقع لافتتاح المتحف أوضح أنه سيتم بعد توافر التمويل بحوالى سنة واحدة . وأشار إلى أن المجموعة الموجودة فى المتحف أكبر مما يحتمله العرض المتحفى، وسيتم إعطاء جزء منها لمتحف الحضارة، وكذلك لبعض المتاحف الإقليمية الأخرى فأنا لا أميل إلى التخزين وأرى أن الآثار كلها يجب أن تكون معروضة، حتى تستطيع أن تتنفس ويكون عليها رقابة مستمرة يوميا، وأن تتم لها عمليات صيانة وبشكل ملحوظ للزائر. حتى يستطيع الأمين أو المفتش أو المرمم متابعتها بشكل يومى والتدخل لوقف أى تدهور فى أى جزء من الأجزاء. واضاف قائلا : متحف بولاق به 9 قاعات، و 6 مناطق عرض متحفى فى الفناء الخارجى والاستقبال وبعض الصالات التى أضيفت لزيادة مساحة العرض المتحفى ونظرا لأن تلك العربات مكونة أساسا من الخشب وهو مادة عضوية فقد نالت اهتماما خاصا من قطاع المتاحف، ونحن باستمرار نتابع الترميم والصيانة. وأهم هذه القطع هى عربة الملكة أوجينى الموجودة فى بولاق. وفى زيارة سريعة للقاعة الأساسية للمتحف رأيت العربة التى قدمتها الملكة أوجينى هدية منها بعد أن شهدت بها افتتاح قناة السويس، وهى واحدة من أهم القطع الموجودة فى المتحف، وتسمى العربة الآلاى الخصوصى وكانت تستخدم فى المناسبات الرسمية مثل افتتاح البرلمان، وفى زفاف الأنجال . كما تم زفاف الملك فاروق على الملكة ناريمان فى هذه العربة وهى عبارة عن صندوق خشبى فاخر، وبها زخارف من النحاس المطلى بالذهب والتيجان المجسمة بالنحاس المطلى، وعليها الشعار الملكى من أربع جهات ومن الداخل مكسوة بالحديد الأبيض، وبسقفها الشعار الملكى، وهذا الشعار يتم تغييره مع الملك. فتم وضع شعار للملك فؤاد، وبعده تم وضع شعار «فاروق الأول» . وللعربة سلم خاص يتم رفعه وإنزاله كلما أراد الملك الصعود أو النزول. والعربة لها مصطبة ويطلق عليها الجلوب «رفرف» وسلم خلفى كان يقف عليها 2 من الشباب يرتديان ملابس زاهية، هذان الشابان وظيفتهما أن يقفزا عندما تصل العربة إلى غايتها لفتح بابها وإنزال السلم ورفعه . ومن العربات الشهيرة الأخرى العربة المخصصة للملكة نازلى والمعروفة باسم Vie tavie أو »عش حياتك«، ولها مواصفات خاصة فهى عبارة عن الصندوق الخشبى ولكن بمواصفات «حريمى» فالأبواب بدون سلالم تطوى وتفتح حتى لا يقترب أحد من أرجل السيدات، وبها كرسى واحد من الداخل، وعلبة خاصة لأدوات التجميل، ومرآة كبيرة، والزخارف التى بسقف العربة مصممة بطريقة الكارتونيه وفيها تطريز بالسيرما والحرير والقطن . والباب به ستارة خشب وتعمل بنفس نظرية المشربيه، فمن فى الداخل يستطيع رؤية الخارج، ولا يستطيع أحد أن يراهم من الخارج وكانت هذه العربة مخصصة بنزهات الملكة وضيوفها فى حدائق القصور. وهناك مثلا عربة «كارته» صغيرة خاصة بالملك فاروق عندما كان أميرا صغيرا، أحضروها عام 1828 لتعليمه ركوب المركبات وقيادة الخيل، وهى من أهم المقتنيات . وهناك عربات للرحلات مثل العربة «الدونو»، وعربات للصيد، فهذه عربة للرحلات والنزهات داخل القصور أو الرحلات الخلوية لصيد الغزلان أى الصيد البرى، ثم عربات خاصة أقل شهرة وإن كانت أكثر طرافة مثل عربات خدمة خدمات القصور مثل نقل الخضار، والمهمات الثقيلة . مثلا عند ذهابهم للتصييف فى المنتزه أو فى الاسكندرية، وهى عربات كبيرة لنقل الأثاث والحقائب وما إلى ذلك . ومقابض وفوانيس السيارات الملكية مصنوعة من النحاس المزخرف والمطلى بالذهب، وتتشابه معها عربات الوصيفات وإن كانت الزخارف أقل فخامة من الأولى وأخيرا عربات الحاشية تتكون معدن وزجاج والكرسى بالداخل إما مكسو بالجلد أو بالحرير فقط، والحرير لونه كحلى، والستارة غالبا لونها كحلى . أما العربة الملكية فالستائر لونها أحمر، لكى تتميز العربات الملكية عن الأخرى، فنرى اللون الأحمر فى طارة عجلة العربة مخططة بالأسود فى خط أحمر وذهبى، أما عربات الحاشية فتكون باللون الأسود فقط (وهذه الخطوط اسمها «مسترين»). وردا عن سؤالى بخصوص خطوات الترميم عرفت أن الترميم يهتم بالحفاظ أولا على الآثر من ناحية القدم، ولكن هناك عوامل تؤدى إلى التلف مثل تشققات وتلف فى الطلاء، وبعض المعادن كالنحاس يحدث بها أكسدة وتصبح «مطوسه» بالتعبير الدارج، وبالتالى يتم أولا إزالة مواد الصدأ ثم التلميع بعد ذلك. وبالنسبة للخشب أيضا تتم إعادة البريق للألوان التى بهتت من خلال مركز ترميم. فبالمتحف إدارة كاملة للترميم وبها أخصائيو ترميم على درجة عالية من المهارة ومن العلم فى نفس الوقت. والفنيون يقومون بإصلاحات دقيقة لأجزاء تتعرض للتلف، فمثلا العجل بالعربات يجف بسبب التقادم والجلد يتشقق و»يقطم»، فيقوم الخبراء بإعادة «تطريته» مرة أخرى باستخدام مواد خاصة. وبصفة عامة فالمبدأ المتبع هو «الصيانة أفضل من العلاج».