كلش، آلاي ، كوبيه، لاندو ، سبت ، تنو ، هي أسماء لعربات خاصة بالأسرة الملكية و كبار رجال الدولة و الأميرات الصغيرات و الكبيرات يضمها متحف داخل قلعة صلاح الدين تم إغلاقه منذ سنوات لعدم كفاية الأجهزة الأمنية واستمر الإغلاق بعد ثورة يناير بسبب الفوضى و عدم الاستقرار و لكن فى محاولة من وزارة الآثار لجذب السياحة إلى مصر تقرر إعادة افتتاح بعض الأماكن الآثرية و منها هذا المتحف بعد أن تم الانتهاء من تطويره و ترميمه و تأمين محتوياته ليرى الزائر عربات رائعة من زمن جميل فات. ومتحف المركبات الملكية بالقلعة من المتاحف النادرة ليس فى مصر فقط بل العالم وذلك لما يحتويه من نوعية خاصة من تحف ذات قيمة تاريخية فهويضم ثمانى عربات أومركبات مختلفة الأنواع والأحجام والأشكال شاركت فى مناسبات رسمية فى مصر أيام حكم أسرة محمد على منذ عهد الخديو إسماعيل وحتى الملك فاروق منها العربة التى استقلها الخديو فى افتتاح قناة السويس عام 1869 والعربة التى شاركت فى افتتاح أول برلمان مصرى عام 1924. ويقع المتحف فى الجزء الشمالى الشرقى داخل قلعة صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة تم إنشاؤه عام 1983 وهوعبارة عن قاعة واحدة يزين جدرانها من الخارج أربع وعشرون رأس تمثال من رؤوس الخيل ذات لون بنى موزعة على ثلاث جهات وهى الأمامية والجانبيتان أما فى الداخل فيعرض ثمانى عربات نقلت إليه من متحف المركبات الملكية الرئيسى الذى يقع بالقرب من مسجد السلطان أبوالعلا بحى بولاق. وقد أغلق المتحف أبوابه وأُغلق عدد آخر من المتاحف منذ سنوات خاصة بعد سرقة لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمد محمود خليل واستمر إغلاقه بعد ثورة يناير 2011 بسبب انعدام الاستقرار الأمنى والسياسى بالبلاد وعدم كفاية الأجهزة الأمنية مما أدى إلى قلة العائد المادى للمتاحف وفى محاولة من وزارة الآثار لجذب السياحة تم ترميم وتطوير وتأمين هذا المتحف لإعادة افتتاحه مره أخرى. وقد قمنا بزيارة المتحف أكثر من مرة شاهدنا خلالها أعمال الصيانة التى تتم للعربات وعلاج الشروخ فى الجدران ودهانها بعد أن تم تغطية العربات بالكامل ورأينا أعمال ترميم اللوحة الجدارية التى تسجل رحلة الملوك لصحراء الإسماعيلية أثناء افتتاح قناة السويس كما تضمنت أعمال التطوير تركيب كاميرات للمراقبة داخل وخارج المتحف وأجهزة إنذار ضد السرقة والحريق واستخدام إضاءة حديثة ووضع بوابات حديدية على المداخل الرئيسية. ومع الآثارية نبيلة حبيب المشرف على الإدارة المركزية للمتاحف التاريخية سابقا كنا نقف أمام كل عربة نستمتع بشرحها لأجزاء العربة والمناسبة التى شاركت فيها وطاقم الرجال الذى كان يصاحبها وعدد الخيول ونوعها التى تتقدم العربة والذى كان يختلف مع اختلاف الشخصية التى بداخلها , وقد كانت البداية أمام العربة الرئيسية التى تتوسط قاعة العرض وهى عربة «كلش خصوصى» استقلها الخديو إسماعيل والإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث إمبراطور فرنسا أثناء افتتاح قناة السويس فى نوفمبر 1869 وهى هدية من الإمبراطور الذى لم يحضر الاحتفال مراعاة لشعور السلطان العثمانى عبد العزيز الذى تجاهل الخديو إسماعيل دعوته. وقد شاركت هذه العربة بعد ذلك فى مناسبات واحتفالات رسمية ملكية وهى عبارة عن عربة مكشوفة لها كبوت كبير من الجلد الأسود بذراعين لفتح وغلق الكبوت وعليها من الخارج مستريك «شريط» من النحاس المذهب والمزخرف بزخارف نباتية وست شارات ملكية ولها بابان جانبيان لكل منهما سلم بثلاث درجات يمكن طيه ويحيط بها أربعة فوانيس من النحاس المطلى بالذهب يعلوها التاج الملكى ومن الداخل مصنوعة من الفضة عيار تسعين لتعكس الضوء أما الزجاج فهومن «الروسبيت» وهونوع خاص يضاعف الضوء ست عشرة مرة . أمام هذه العربة كان هناك نقاش بين المسئولين بالمتحف حول تمثال يمثل الإمبراطورة أوجينى هل يتم وضعه داخلها أم لا وفى النهاية اتفق الجميع على عدم عرضه فالتمثال بعيد كل البعد عن صورة الإمبراطورة كما أنه يشوه منظر العربة. انتقلنا بعد ذلك إلى عربة يطلق عليها «لاندو» وهى من عصر الخديو إسماعيل كانت مخصصة لنقل الخديو إلى ميدان القلعة أثناء خروج موكب المحمل الشريف كما كانت تستخدم فى توصيل واستقبال الملوك والأمراء من محطة القطار الملكى وهى مصممة لتكون مقفولة ومفتوحة فى نفس الوقت فلها كبوتان من الجلد الأسود يمكن فتحهما وغلقهما ويزينها فانوسان. وأمام العربة «السبت» توقفت أتأملها فهى عربة صغيرة وجميلة خاصة لنزهة الأميرات الصغيرات داخل حدائق القصور وهناك صورة للملك فاروق وهوصغير ومعه الأميرتان فوزية وفايزة داخل العربة وهى من النوع المكشوف مصنوعة من الخيزران الأبيض المجدول يعلوها شمسية من التيل السميك وبها مكان لحفظ الساعة لتحديد وقت الخروج والعودة ولها فانوسان ومقعدان بالداخل وكان يجرها اثنان من جواد السيسى وهوجواد صغير الحجم وترجع هذه العربة لعصر الخديوعباس حلمى الثانى. أما العربة « الكوبيه» فهى صندوقية الشكل من الخشب مقفلة مدهونة باللون الأسود ولها فانوسان ومقعد بالداخل وهى خاصة لركوب الأميرات فى المناسبات والاحتفالات الملكية الرسمية. ومن هذه العربة انتقلنا إلى عربة أخرى يطلق عليها « كلش حاشية» ترجع لعصر الملك فؤاد الأول كانت مخصصة لنقل رجال الحاشية فى الاحتفالات والمواكب الرسمية وهى مكشوفة لها كبوت ومنجدة بالجلد الأسود . ويضم المتحف عربتين جميلتين ومتشابهتان هما عربة « آلاى» «وعربة» «نصف آلاى» ومن خلال بطاقة المعلومات الموجودة بجوار كل واحدة منهما نعرف أن العربة «الآلاى» كانت مخصصة للسفراء والقناصل عند تقديم أوراق اعتمادهم كما كانت تشارك فى الركبات للاحتفالات الرسمية وهى مصممة على شكل صندوق من الخشب ومحلاة بأربعة فوانيس ومزينة بالتيجان ولها مقعدان من الداخل ومقعد خلفى للجروم. أما العربة « نصف آلاى» فكانت مخصصة لنقل رئيس الديوان والوزراء أثناء الاحتفالات الرسمية ضمن موكب العربة «الآلاى الخصوصى». وقد كانت آخر عربة نقف عندها هى العربة «تنو» وهى من الخشب المدهون باللون البنى مكشوفة لها فانوسان وشمسية من التيل كانت تستخدم فى الحدائق والصيد وكان يجرها جوادان وقد استخدم الملك فاروق هذه العربة أثناء الطفولة. وعن طاقم الرجال الذى كان يصاحب كل عربة تقول نبيلة حبيب كان منهم «الدليل» وهو قائد الركبة الذى كان يسير فى المقدمة كدليل على خط السير و«دوموآلاى» هوالفارس المكلف بقيادة وتوجيه الجياد مسترشدا بإشارات الدليل و«الجروم» وهو التشريفاتى وهما شابان فى مقتبل العمر يشترط أن يكونا جميلى الطلعة بشرتهما بيضاء كانا يجلسان على مقعد العربة الخلفى للحراسة كما كانا يقومان بفتح باب العربة وغلقه وإنزال السلم ورفعه عند نزول العربة أوعند مغادرتها للمكان. أما «القمشجى» فهومن العبيد السمر يهرول أمام الركبة لإفساح الطريق ويمسك فى يده عصا «قمشه» فى النهار ومشعل من الزجاج بسارى خشبى طويل فى الليل لإنارة الطريق ويتم تحديد عدد القمشجية حسب عدد الخيول. ويعرض داخل المتحف عدد من التماثيل لطاقم العربة بملابسهم وللخيول، كما يعرض تمثال أثرى نصفى للخديو إسماعيل من البرونز مصنوع فى باريس تم وضعه بجوار لوحة جدارية ضخمة تمثل نزهة الملوك داخل العربات الملكية أثناء إفتتاح قناة السويس وهذه اللوحة من أعمال الفنان « إيزاك فانوس « عام 1983 وهى نسخة من اللوحة الأصلية التى رسمها أثناء افتتاح القناة عام 1869 الفنان الفرنسى «ريو» ضمن 12 لوحة تسجل هذا الحدث المهم والمحفوظ منها 10 لوحات فى شركة إنشاء قناة السويس فى باريس وقد تم إضافة لوحة أخرى تم وضعها على الجدران وهى أيضا نسخة من أحدى لوحات «ريو» ويطلق عليها السرادقات الثلاثة الملكية حيث تم تخصيص سرادق للملوك وآخر للجاليات الأجنبية أما الثالث فكان لكباررجال الدولة. كما يعرض أيضا على جدران المتحف 14 صورة لأنواع الخيول المستخدمة فى جر المركبات الملكية. أما «البرافان» الذى تم وضعه أمام مدخل المتحف فقد رسم عليه فى المنتصف « القرمة الملكية» وعلى الجانبين علم مصر المكون من الهلال والنجوم الثلاث والتاج الملكى ولكن بدون الستارة الحمراء التى كانت ترمز لتبعية مصر للدولة العثمانية. وأثناء زيارتى الأخيرة للمتحف بعد أن تم الانتهاء من جميع الأعمال وأصبح جاهزا للافتتاح وفى ظل الضوء الخافت الذى استخدم فيه فوانيس تشبه المستخدمة فى العربات وكأننى أرى الخديو إسماعيل والإمبراطورة أوجينى وأسمع ضحكات الأميرات الصغيرات داخل العربة السبت أثناء نزهاتهم فى الحدائق وأرى كبار رجال الدولة والسفراء وهم يستقلون العربات المخصصة لهم وأسمع أصوات الخيول وهى تجرى فى الطرقات.. إنه متحف رائع تحكى كل عربة فيه الكثير والكثير من زمن جميل فات.