من المسلم به أن كبر عجز الموازنة العامة للدولة واستدامته لفترة طويلة، لا يحقق الاستقرار الاقتصادى فى الدولة ويهدد سلامتها المالية، ويوقف مسيرة النمو، ويمنع توليد فرص عمالة جديدة، ومن ثم لا تستطيع الدولة القيام بالمهام الرئيسية المنوطة بها، ولذلك يتطلب الاصلاح الاقتصادى التخفيض التدريجى لعجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلى الاجمالي، وينتج هذا العجز من تزايد النفقات العامة بنسبة أكبر من الايرادات العامة وخاصة الضرائب، --------- ومن هنا فإن اصلاح الاقتصاد المصرى يتطلب النظر الى حصيلة الضرائب الى الناتج المحلى الاجمالي، وتقييم اوضاعها. وتختلف نسبة حصيلة الضرائب الى الناتج المحلى الاجمالى من دولة الى أخرى ويلاحظ بصفة عامة أن الدول المنتجة والمصدرة للبترول يكاد لا يكون بها ضرائب، حيث إن موازناتها العامة فى الوضع الراهن بها فوائض كبيرة وعدم فرض الضرائب هدفه جذب العمالة وتشجيع الاستثمار فيها، غير أنه مع الانخفاض المشاهد فى اسعار البترول، فمن المتوقع أن تنخفض ايرادات هذه الدول، واذا استمر هذا الحال، فقد تضطر الى فرض ضرائب على الدخل وغيرها من اجل تغطية النفقات العامة، وتجنب حدوث عجز كبير. وفى كثير من الدول النامية ذات الدخل المنخفض تتدنى نسبة حصيلة الضرائب الى الناتج المحلى الاجمالى بالمقارنة ببقية الدول وربما يرجع ذلك اساسا الى انخفاض الخدمات العامة التى تقدمها الحكومة من ناحية، والى انخفاض مستوى دخل الفرد من ناحية ثانية، والى انتشار العشوائية وكبر حجم الاقتصاد غير النظامى مما يصعب الوصول الى تحصيل الضرائب، أما فى الدول الصناعية المتقدمة فإن نسبة حصيلة الضرائب الى الناتج المحلى الاجمالى مرتفعة بالمقارنة لغيرها من الدول، بالرغم من ارتفاع المستوى الذى بلغته الخدمات العامة ووصولها الى مرحلة «اقتصاديات الرفاهة» وإن شئنا الدقة فإن هذا كى تتجنب حدوث عجز مالى كبير فيها ومن المفيد أن نذكر هنا أن الاتحاد الاوروبى اشترط على من ينضم اليه أنه لا يزيد عجز الموازنة العامة للدولة بها كنسبة من الناتج المحلى على 3% كشرط من شروط التقارب بين اعضائه ومحاولة تجنب الهزات المالية، وعندما اخفت اليونان حقيقة اوضاع موازنتها حدثت بها أزمة كبيرة. أما فى الدول الاخرى أى الدول النامية ذات الدخل المتوسط والمرتفع فإن هذه النسبة تقل عن نظيرتها للدولة المتقدمة، وتزيد على تلك الدول النامية ذات الدخل المنخفض، والجدول المرفق يبين هذه النسب لعينة من مجموعات الدول المختلفة ويتضح أن هذه النسبة فى مصر تعادل 8.51% وهى نسبة متدنية جدا بالمقارنة بالبرازيل حيث تكون 8.43% وتقل عن النسبة فى المغرب 3.22 كما أنها تقل عن نسبة الهند بحوالى 31% حيث كانت نسبة الضرائب 7.72% من ناتجها المحلى الاجمالى. وهذه النسبة المنخفضة بالاضافة الى الظروف الأخرى فى مصر هى التى تسهم فى رفع معدل التضخم الى أكثر من 01%، وفى عجز ميزان المدفوعات أن انخفاض الضرائب يزيد من عدم المساواة فى توزيع الدخل وتحمل اعباء التنمية كما أن عدم اداء اصحاب الدخول الكبيرة لما عليهم من ضرائب يشجعهم على طلب اراض وعقارات اكثر مما تسبب فى رفع اسعارها بدرجة تضر بالاوضاع الاجتماعية وتزيد من تعقد توفير المساكن لاصحاب الدخول المحدودة. اسباب هذا الانخفاض وترجع اسباب هذا الانخفاض فى نسبة الضرائب الى الناتج المحلى الاجمالى الى عدة اسباب أهمها: انخفاض الوعى الضريبى لدى بعض الممولين وانتشار ثقافة الفخر والاعتزاز بعدم اداء الضرائب، واعتبارها «شطارة» و«ذكاء» ويندرج تحت هذا البند خفض الدخل الحقيقى لبعض الممولين عن مصلحة الضرائب، تجنبا لدفع الضرائب الحقيقية. انخفاض معدلات الضرائب على الدخل حتى بعد رفعها من 02% الى 52% وقد عدلت اسعار الضرائب قبل 0102 تحت زعم أن خفضها سوف يزيد الحصيلة وهو ما لم يتم فى الواقع خلال السنوات القليلة التى سبقت ثورة 52 يناير 1102 اذ انخفضت النسبة من 7.71 فى سنة 9002 الى 41% فى سنة 0102 1102 بحسب احصاءات البنك الدولى. انتشار القطاع غير النظامى والعشوائى وعدم توصل الحكومة اليه، ومن بينه المهنيون الذين يحصلون على دخول مرتفعة جدا ولا يؤدون ما عليهم من ضرائب. انخفاض كفاءة الجهاز الضريبى لاسباب عدة من بينها انتشار الفساد، وضعف جسور الثقة بين الممولين ومصلحة الضرائب. انخفاض العقوبات المقررة على من يثبت تهربه من الضرائب بالمقارنة بكثير من الدول الاخرى التى قد تصل العقوبة فيها الى سحب الجنسية. العلاج إن رفع نسبة الضرائب الى الناتج المحلى الاجمالى على درجة غاية من الاولوية، ويجب أن يستحوذ على الاهتمام الكافى من اجل الاستدامة المالية لمصر وتجنب الاضرار المترتبة على هذا الانخفاض وأهم الاجراءات التى يجب أن تبادر الدولة الى اتخاذها هى: 1 اغتنام فرصة الثورة والشعور الوطنى لتوعية المواطنين كافة بأهمية اداء الضرائب الحقيقية المستحقة عليهم من اجل تنمية مصر، خاصة أن الدولة تنفق الحصيلة على الاغراض الانمائية ويعم نفعها على الجميع وليس فئة قليلة من اصحاب المصالح كما كان الوضع فى السابق. 2 رفع معدلات الضرائب على شرائح الدخل العليا، أى اتباع نظام الضريبة التصاعدية بحيث يصل سعر الضريبة على شريحة الدخل العليا الى ما لا يقل عن 53%. 3 تحفيز القطاع العشوائى وغير النظامى للتحول الى القطاع النظامى مع العمل على متابعته بمختلف الوسائل ولا نقصد بهذا القطاع اصحاب الدخول المنخفضة من البائعين الجائلين، ولكن يجب أن ينصب البحث والمتابعة عن اصحاب الدخول الكبيرة الذين لا يمسكون دفاتر منتظمة وهم كثر من المهنيين، والمقاولين، واصحاب الحرف. 4 زيادة كفاءة الجهاز الضريبي، بحيث يتوسع نطاق وعاء الضريبة وبدون ارهاق الممولين الشرفاء حتى لا يتوقفوا عن الاسهام فى زيادة الانتاج والاستثمار والنمو. 5 فرض ضرائب جديدة على وجه الخصوص، الضريبة على الثروة حتى نحقق مزيدا من العدالة الاجتماعية ونتدارك عدم اداء الضريبة على الدخل من بعض الممولين واخذت طريقها الى تضخم الثروات وسوف نعرض لهذا الموضوع فى مقال مستقل إن شاء الله.