عندما يمرض الإنسان، يتناول الدواء رغم مرارته أملا في الشفاء، وكذلك عندما يعتل الاقتصاد فيجب إصلاحه من أجل القضاء علي الركود والبطالة وعدم توافر العملات الأجنبية أملا في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية. وتظهر أعراض أمراض الاقتصاد في عجز الموازنة العامة للدولة وعجز ميزان المدفوعات في مصر التي تسببت في انخفاض معدل النمو، وارتفاع المستوى العام للأسعار، وانتشار الفقر وزيادة معدل البطالة. ومن الممكن الخروج من هذه الأزمة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي كما حدث في تايلاند في أزمة 1997 أو بدون الاتفاق معه حالة ماليزيا في الأزمة ذاتها وقد أحسنت الحكومة بأن حسمت أمرها مؤخرا نهاية عام 2016 بالاتفاق مع الصندوق علي برنامج للإصلاح الاقتصادي، إلا أننا نأخذ علي ما حدث ويحدث ثلاثة أمور: أولها: إنه لم يعلن تفاصيل هذا الاتفاق ولم يتم عرضه إلي الآن علي مجلس النواب، في حين أن من أركان نجاح الإصلاح ضرورة حشد التأييد الشعبي له. ثانيها: إن البنك المركزي تحدث لأكثر من شهر من تعويم الجنيه المصري دون اتخاذ قرار نهائى، الأمر الذي دفع إلي المضاربة علي سعر العملة وتهريبها مما أدى الى تدهور غير مبرر لا يتفق مع القوة الشرائية للجنيه مقابل الدولار. والثالث: تواضع الأهداف الموضوعة لخفض عجز الموازنة للدولة، إذ يرمي إلى خفضه من 12.5% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي إلي نحو 9% بنهاية العام المالي 2017/2016، في حين أننا نرى أن تكون خطوات الإصلاح أسرع من ذلك، ومصر قادرة علي ذلك علي النحو الذي سوف نوضحه فيما يلى. ومن ناحية أخرى، فإن نجاح برنامج الإصلاح يتوقف علي أبعاد عدة من بينها تأكد السلطات الاقتصادية من أمرين مهمين هما، الأول: تخفيف آلام الإصلاح الاقتصادي إلي أدني حد ممكن مع تحمل القادرين للجانب الأكبر من تكلفة الإصلاح في إطار العدالة الاجتماعية. الثاني: تقصير المدة الانتقالية من الإصلاح إلي استئناف النمو وهو ما يعني قصر فترة الانكماش المصاحبة للإصلاح إلي أدني فترة زمنية ممكنة ولتكن نحو سنتين. فهل ما ترشح من البرنامج وتنفيذه ينم عن ذلك؟ والإجابة عن ذلك هي بالنفي، حيث لا يتم الحديث عن أمور واقعية للإسراع بالإصلاح مع تخفيف حدة الآلام التي تنتج عنه، وتحقق العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية، وأهم هذه الإجراءات: 1 إقلال الهدر والضياع في الدولة، وهذا لم يرد ذكره في إطار الاتفاق مع الصندوق، ويعتقد أن الهدر في حياتنا العامة والخاصة كبير جدا، ففي دراسة حديثة عن منظومة النقل قدر ما يضيع علي الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 450 مليار جنيه أي ما يفوق إسهام هذا القطاع في عام بأكمله، وفي تصريحات لرئيس مصلحة الضرائب السابق منذ نحو عام قدر الهدر في منظومة الضرائب بما يزيد علي 100 مليار جنيه. وإذا قدرنا بطريقة منخفضة نسبة الهدر سنويا بما يتراوح بين 10 إلي 20% من الناتج المحلي الإجمالي فإن هذا يضيف موارد للدولة تتراوح بين 300 إلى 400 مليار جنيه علي أساس أن الناتج المحلي الإجمالي في عام هو نحو 300 مليار جنيه، وهذا الوفر إن تحقق يقضى علي العجز بأكمله بل ربما يسد جزءا من الدين المحلي العام. 2 فرض الضريبة التصاعدية: لست أدري سبب تأخر الحكومة في تطبيق هذه السياسة إلي معدل 35% علي الشريحة العليا للدخل مما يخفض العجز، ويحقق عدالة توزيع الدخل، ويمكن الحكومة من أداء أدوارها بطريقة أكثر فاعلية، مع عدم الإضرار بالحافز علي الإنتاج أو الاستثمار والرغبة في العمل. 3 تصحيح الاختلالات: تراكمت عبر السنوات الماضية اختلالات وتشوهات عديدة في الاقتصاد المصري، وتصحيحها يؤدي إلي تحقيق التوازن في الاقتصاد من ناحية وإلي الحصول علي موارد للموازنة من ناحية أخرى، وبدون عبء علي الفقراء أو آثار سعرية تصاعدية. ومن هذه التشوهات إيجارات المساكن القديمة التي ثبتت منذ نحو60 عاما مع ارتفاع كل شىء آخر. وأصبح الإيجار الشهري للمسكن أقل من 10% من قيمة استهلاكها من المياه فقط، كما أصبح أقل من 1.5% من إيجار شقة متواضعة في منطقة عشوائية والذي ندعو له في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية وتخفيف أعباء الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي هو إصدار قانون للمساكن الجديد يجعل الحد الأدني لإيجارها 400 جنيه شهريا، يذهب نصف هذه الزيادة كمورد للموازنة العامة للدولة لمدة خمس سنوات، ويقدر الإيراد الإضافي للموازنة من هذا البند بنحو 20 مليار جنيه. 4 الحد الأعلي لدخول موظفي الحكومة والقطاع، تم التحدث عنه كثيرا غير أنه لم يفعل وتقتضى العدالة الاجتماعية سرعة تنفيذه، كما أن هذا الإجراء يساعد علي تخفيف حدة التضخم الناتجة عن طلب هذه الفئة علي السلع والخدمات. 5 ضريبة علي الثروة وهي تمكن من التخفيف من آلام الإصلاح الاقتصادي، إنه يمكن القول بارتياح شديد: إن شعب مصر غني بما يمتلك من ثروات عقارية ومالية وأرصدة نقدية وغيرها، في حين أن الحكومة «فقيرة» يتمثل فقرها في العجز الكبير في الموازنة العامة وتراكم الدين الداخلي إلي ما يعادل الناتج المحلي في سنة. ويقدر أن تدر هذه الضريبة في حالة فرضها لمرة واحدة علي من تزيد ثروته علي 10 ملايين جنيه - بنحو 40 مليار جنيه. إن المقترحات السابقة بالإضافة إلي ما تتخذه الحكومة من إجراءات كفيل بتخفيف الآلام المصاحبة للإصلاح وتقصير مدة معاناة الناس بما يجعلها أقل من سنتين.