وافقت الحكومة المصرية علي الانضمام الي الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب والمواقعة بين24 دولة من اعضاء جامعة الدول العربية. الاتفاقية نصت علي اتخاذ تدابير مناسبة لرصد حركة النقود. ولكن هل هذا يعني توقف نزيف المليارات الذي قدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بحوالي ستين مليار دولار تدفقات غير مشروعة خرجت من افريقيا في عام2011. اشار تقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الي خسارة الدول النامية لثلاثة اضعاف ما تحصل عليه من مساعدات بسبب التدفقات غير المشروعة وعمليات غسل الاموال. وحسب دراسة اجراها مكتب الاممالمتحدة للمخدرات والجريمة فان1.2 تريليون الي1.4 تريليون دولار خرجت من افريقيا بين عامي1980 و2009. ومعظم هذه التدفقات تنصب في الملاذات الضريبية. باعتباره خبيرا سابقا في غسل الاموال يقول احد محترفي غسل الاموال ان الجزء الاكبر من عمليات غسل الاموال تتم عبر معاملات تجارية بين الدول اعتمادا علي ان التجارة الدولية صناعة بمليارات الدولارات. ومن ثم يسهل إخفاء ارباح الاعمال غير المشروعة في مدفوعات التجارة الدولية المشروعة التي تتدفق يوميا في النظام المالي العالمي. واعتمادا ايضا علي عدم معرفة المصرفيين لهيكل التسعير والجوانب التقنية لسلع محددة. والمصرفيون لا يمكنهم تقدير تكلفة السلع بدقة ولا يهتمون بغير المستندات المتوافرة لديهم والدالة علي الصفقات التجارية من اجل اجراء التحويلات النقدية. بل انه في بعض الاحيان لا يتم شحن سلع علي الاطلاق والمعاملات التجارية تتم عبر حسابات بنكية للشركات المتورطة. وإذا لزم الامر يتم دفع الجمارك واحيانا الضرائب ايضا من اجل اضفاء طابع الشرعية علي الصفقات المشبوهة. والمعاملة التجارية الواحدة تتم عدة مرات من خلال عدد من البنوك باستخدام نفس المستندات عدة مرات. وقد تبين في السنوات الماضية ان بعضا من اكبر البنوك تغسل اموال مخدرات. ووفقا لدراسة اجراها مكتب الاممالمتحدة للمخدرات والجريمة لتحديد حجم التدفقات غير المشروعة فانه في عام2009 قد بلغت نسبتها3.6% من اجمالي الناتج المحلي العالمي وان2.7%( او1.6تريليون دولار) قد تم غسلها. ويقول تقرير الاممالمتحدة ان تجار المخدرات هم الذين ساعدوا البنوك علي الصمود خلال الازمة المالية عام2008. ويري تقرير لمجلة الايكونومست بعنوان التجارة وغسل الاموال ان التجارة هي الحلقة الأضعف في الحرب ضد الاموال القدرة. وانه بفضل فاتف(FATF) مجموعة القواعد العالمية لمكافحة غسل الاموال بدأت الحكومات تنتبه الي العلاقة بين التجارة وبين عمليات غسل الاموال. التقرير نقل عن مسئولين في مصلحة الجمارك الامريكية دعوتهم إلي تأسيس شبكة عالمية لوحدات التجارة الشفافة يتم من خلالها مشاركة بيانات التجارة, وذلك استنادا الي معايير عالمية لتلك البيانات,( حتي الان هذا الامر متبع في الامريكتين). والاتجاه ان يكون وضع معايير كالمفروضة علي البنوك, تلتزم بها شركات التجارة الخارجية. تقرير الايكونومست قدم لمحة عن كيفية استخدام التجارة في عمليات غسل الاموال. وعلي سبيل المثال, قبل سنوات قليلة, كشفت مصلحة الجمارك الامريكية عن خطة لعصابات المخدرات الكولومبية حيث كان يتم استخدام عوائد بيع المخدرات في شراء اغذية من لوس انجلوس وتصديرها الي كولومبيا وبذلك يحصلون علي اموالهم غير المشروعة عبر النظام المصرفي. وهذا مثال صغير لعمليات غسل الاموال عن طريق الصفقات التجارية, بالاستخدام السيئ للتجارة من اجل نقل الاموال عبر الحدود. وفي بعض الاحيان الهدف من عمليات غسل الاموال هو التهرب من دفع الضرائب, الجمارك او التحايل علي القيود المفروضة علي حركة رءوس الاموال لكن غالبا ما يكون الهدف الاساسي دخول الاموال النظام المصرفي. حتي الان الجهود الدولية لمكافحة غسل الاموال استهدفت البنوك وشركات تحويل الاموال وتهريب النقدية, لكن مع غلق الابواب الامامية تظل الابواب الخلفية مفتوحة, ولذلك فان التجارة هي الجبهة التالية في الجهود الدولية لمكافحة غسل الاموال مثلما يقول جون كاسارا, موظف سابق في وزارة الخزانة الامريكية. ويتفق معه في الرأي مدير الوكالة الهندية لمكافحة الجريمة الاقتصادية الذي شاركه في اعداد تقرير عن غسل الاموال في دول اسيا باسيفيك في عام2012 الذي تضمن امثلة عديدة لجرائم اختلطت فيها اسعار غير واقعية لسلع بالاستخدام السيئ لآليات تمويل التجارة. ووفقا لتقديرات جلوبال فاينانشال انتجرتي( منظمة غير حكومية) فان950 مليار دولار تدفقات غير مشروعة خرجت من الدول الفقيرة في عام2011 نحو80% منها كان عبر التجارة التي لها علاقة بتهريب السلاح والمخدرات والارهاب والفساد الحكومي. والطريقة المتبعة في دخول اموال غير مشروعة الي بلد ما هو تقدير واردات بأقل من قيمتها او صادرات بأكثر من سعرها. ومن اجل خروج الاموال يتم العكس. فالشركة التي تعمل مثلا كواجهة لعصابة مكسيكية قد تبيع ما قيمته مليون دولار من البرتقال الي مستورد امريكي ولكن بمستندات تزعم ان قيمة الصفقة3 ملايين دولار مما يتيح لها الفرصة لإدخال ملياري دولار من الاموال غير المشروعة الي المكسيك. وفي عدة مرات تم ضبط مجموعة ممن يغسلون اموالهم وهم يصدرون عبوات بلاستيك بسعر970 دولارا للعبوة من جمهورية التشيك الي امريكا. ومن اجل تقليل مخاطر الانكشاف, عادة تتم الصفقة عبر شركة خارجية في احدي الملاذات الضريبية التي تتمتع بقواعد مشددة للسرية وهذا يعني شركة متخصصة في تزوير الفواتير لشراء البرتقال بأسعار مبالغ فيها. والفكرة هي تزوير اوراق رسمية تستخدمها شركات متعددة الجنسيات من اجل تحويل ارباح الانشطة غير المشروعة. ووفقا لمسئولي الجمارك الامريكيين فان غسل الاموال عن طريق التجارة اسلوب ابتكره الكولومبيون وقلده تجار المخدرات في المكسيك وغيرها. وتفيد البيانات الرسمية علي مدار العشرين سنة الماضية بزيادة الصادرات المكسيكية الي امريكا عن واردات امريكا من المكسيك وهذه الفجوة لا تعبر عن اخطاء محاسبية والتفسير المنطقي لها هو استخدام الجماعات المكسيكية لأسلوب غسل الاموال عن طريق المعاملات التجارية من اجل تحويل الدولارات غير المشروعة الي المكسيك. يضيف تقرير الايكونومست انه حتي الان خاضت امريكا حربا طويلة لملاحقة البنوك التي تساعد في عمليات غسل اموال. في عام2012 توصلت السلطات الي تسوية قيمتها1.9 مليار دولار مع بنك اتش اس بي سي بعدما توصلت الي استغلال عصابات المخدرات في امريكا اللاتينية لقواعد البنك غير المشددة في فرعه المكسيكي. وفي العام الماضي فرضت غرامة102 مليون دولار علي بنك لبناني تورط في صفقة معقدة لتصدير سيارات مستعملة الي افريقيا لصالح حزب الله. هناك طرق اخري لغسل الاموال عن طريق المعاملات التجارية بين الدول وذلك بواسطة نظم التحويلات البديلة في اسيا والشرق الاوسط مثل شبكات حوالة في اسيا والشرق الاوسط و'BMPE' في امريكا اللاتينية التي توفر قنوات لغسل الاموال من خلال صفقات تجارية وسنويا يتم غسل مليارات الدولارات من خلال'BMPE', معظمها لمصلحة مستوردين غير شرعيين لا يستطيعون الحصول علي دولارات كافية من خلال القنوات الرسمية بسبب قيود العملة في الارجنتين وفنزويلا. وبعض الصفقات تشمل تمويلا رسميا وغير رسمي. وفقا لتقرير اعده المدعي العام التركي مؤخرا كانت هناك مؤامرة لغسل الاموال تضمنت شركات تركية وبنوكا وبنكا ايرانيا ومتعاملين في دبي. يقول محللون ان مكافحة غسل الاموال تستلزم ملاحقه المهربين, الارهابيين, الاغنياء المتهربين من دفع الضرائب وفي رأي البعض ان هناك الكثير من الاجراءات الفعالة التي كان من الممكن تنفيذها ان يحقق نتائج جيدة لكن خوف الحكومات من هروب رءوس الاموال حال دون ذلك. اختتمت الايكونومست تقريرها بالقول بان الجهود المبذولة لن تمنع تسعير سلع بأقل او اكثر من قيمتها. اما خبراء غسل الاموال فيقولون انه من المفيد استخدام مؤشرات يمكن من خلالها التعرف علي العمليات المشبوهة والتصدي لها, وذلك مثل مؤشر مخاطر السلع الذي يحلل ما يزيد علي4700 سلعة ويتيح للبنوك تقييم المعاملات التجارية بمقارنتها بأسعار السوق التي تظهر في احصائيات التجارة للحكومات. وايضا مؤشر مخاطر الدول الذي يحلل مخاطر222 دولة بناء علي حصتها من التجارة العالمية وقائمة بالصادرات التي تم تقييمها بسعر اعلي والواردات التي تم تقييمها بسعر اقل.