في الفيلم العبقري' جري الوحوش' للمخرج علي عبد الخالق عن قصة الكاتب محمود أبو زيد.. غني الفنان محمود عبد العزيز أغنية:' فصل لي جنيه علي قدي يا ترزي البنك.. أتغطي بيه يدفيني من برد الضنك'..! وعلي الرغم من أن الاغنية وكلماتها توحي بأن كل الغرض منها هو الاضحاك والتسلية, فإنني أري أن لها أبعادا فلسفية واقتصادية تلخص لب المشكلة الراهنة التي تعاني منها مصر الان, بل ومعظم دول العالم.. ولا أبالغ ان قلت انها, أي الاغنية, تبلور المشكلة الاقتصادية بأبلغ معانيها منذ أن عرف الاقتصاد كعلم في القرن الثامن عشر, وبالتحديد منذ أن نشر الاقتصادي العبقري آدم سميث كتابه الشهير' ثروة الامم' عام1776 الذي أكد فيه أن الهدف من الاقتصاد أمران لا ثالث لهما هما: تزويد الافراد بكمية كافية ومستمرة من المنتجات أو العمل علي جعلهم, أي الافراد, قادرين علي توفير هذه المنتجات. أما الهدف الثاني فهو اثراء كل من الحكومات والافراد. ومحمود عبد العزيز لم يطالب في أغنيته بأكثر مما حدده آدم سميث كهدف أسمي للاقتصاد.. فعبد العزيز يحلم حلما خياليا وهو أن يفصل له البنك, وهو بالتأكيد يعني هنا البنك المركزي ومحافظه المحترم هشام رامز..!! جنيها قويا يمكنه من شراء جميع احتياجاته.. ناهيك عن أمله في أن يصبح من خلال هذا الجنيه القوي من الاثرياء.. أي نفس هدف الاقتصاد كما رسمه آدم سميث منذ أكثر من قرنين من الزمان..! والحقيقة أن الاغنية لخصت مطالب أي مواطن بسيط من أي حكومة: توفير الاحتياجات الاساسية, وتحقيق مستوي معقول من الرفاهية, وهو للاسف هدف لم تنجح أي حكومة مصرية في تحقيقه لا في الماضي ولا في الحاضر, ويبدو أنه ولا في المستقبل ايضا..! فكل الحكومات المتعاقبة بلا استثناء لا تفكر الا في كيفية تحميل المواطن البسيط وزر أخطائها المتكررة, فالمواطن دون غيره هو الذي يتحمل فاتورة تصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد.. دون أن تكلف الحكومة, كل حكومة, نفسها مشقة التفكير بطرق غير تقليدية للحد من عجز الموازنة أو عجز ميزان المدفوعات.. أو غير ذلك من المشاكل.. وأنا شخصيا كنت أتمني كمواطن أن يختلف نهج حكومة الدكتور هشام قنديل عن الحكومات السابقة, لكنني للاسف أري ان الحكومة الحالية تطبق, بالمسطرة, نفس سياسات الحكومات السابقة, فهي تحمل المواطن البسيط كل أخطاء الماضي, وتجبره علي أن يسدد الفاتورة صاغرا حتي ولو كان في ذلك إفقاره, والعيش في مستوي أدني..! فعلي سبيل المثال.. تؤكد كل تصريحات الوزراء ومسئولي الحكومة علي أن الحد الادني للاجور هو1200 جنيه, في حين أن أكثر من ثلاثة أرباع أصحاب المعاشات يحصلون علي معاشات أدني من هذا الحد بمقدار الثلث..!! وهي مأساة بكل المقاييس لأناس أفنوا زهرة عمرهم في خدمة الوطن, فكان جزاؤهم معاناة الفقر وشظف العيش, وكأن الحكومة تطبق المقولة الشائعة عن خيل الحكومة الذي يعدم فور وصوله لسن التقاعد..! وليت الامر يقف عند هذا الحد بل إن هناك اصرارا حكوميا علي تطبيق حزمة من الاجراءات التي أدت وستؤدي الي رفع أسعار كل السلع والخدمات التي تحتكرها الحكومة, ومن بين هذه الاجراءات, بالطبع, رفع الدعم عن البنزين والسولار خلال الفترة القليلة القادمة, وهو ما سيؤدي بالتأكيد الي اشعال النار في أسعار باقي السلع والخدمات التي تقدمها كل الشركات الاخري..! وهذه الموجة الجديدة من التضخم ستزيد من معاناة المواطنين, وستضع الكثيرين منهم علي الحديدة, التي قد يضطرون لبيعها هي الاخري في النهاية..! انني أعتقد أن الشعب المصري العظيم يستحق حاضرا ومستقبلا أفضل; لأنه عاني الكثير طوال الثلاثين عاما الماضية, وآن له أن يجني ثمار تضحياته وما قدمه شبابه من أرواح ودماء من أجل حياة أفضل لهذا الشعب الذي لا يريد أكثر مما حدده الاقتصادي آدم سميث والفنان محمود عبد العزيز وهو يردد بأسي: فصل لي جنيه علي قدي يا ترزي البنك.. أتدفي بيه يغطيني من برد الضنك..!!