تقتضي المرحلة الراهنة ونحن في أعقاب ثورة. إحداث الكثير من التغييرات في الأوضاع الاقتصادية, استجابة لما طرحته الثورة من مطالب, في مقدمتها: عيش, حرية, عدالة اجتماعية. كرمز للثورة علي الأوضاع التي أرساها النظام السابق. وضرورة, وضع قواعد جديدة في توزيع الدخل, بما يضمن عدالة التوزيع, كمدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد طرحنا في العدد السابق مشروعا لتشكيل مجلس اقتصادي استشاري مستقل. عرضنا الأسباب التي أدت إلي هذا الطرح. ومن أهمها غياب الرؤية للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الاقتصاد المصري, وتطورت نتيجة, محاولات اجهاض الثورة. ونري أن المسار التي تتخذه الحكومة في تناولها للأزمة, يبتعد عن المسارات الصحيحة التي يجب الاتجاه إليها, وتعتمد علي تنشيط القطاعات الاقتصادية, وعلي وجه التحديد الانتاجية. في اطار حزمة من السياسات التي تهدف إلي, اتخاذ حلول هيكلية لإصلاح أوضاع الاقتصاد المصري. لا الاعتماد علي اجراءات الاستدانة, من خلال استحداث أدوات المالية جديدة في الداخل, أو بالاقتراض من الخارج. إضافة إلي قضايا أخري كثيرة, تتطلب انشاء مجلس اقتصادي استشاري مستقل, يضم العلماء والباحثين والاقتصاديين. ليقوم بوضع رؤية, وتحديد لمسار الاقتصاد المصري, في المرحلة القادمة. ووضع استراتيجية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة. ويضع أسس, تحقيق نهضة اقتصادية في البلاد, تعتمد علي رفع معدلات النمو والتنمية. واللحاق بالتطورات الاقتصادية العالمية( فمازالت مصر تحقق معدلات تنمية, تقل عن العديد من الدول العربية, منها دول غير بترولية, مثل الأردن وتونس.( جدول1) ونطرح في هذا العدد, المهام التي ينشأ من أجلها, المجلس. وفي مقدمتها وضع رؤية لاعادة تنظيم الاقتصاد المصري. ووضع برامج عمل, لحل الاشكاليات التي تواجه الاقتصاد المصري. والظواهر الاجتماعية المصاحبة للبنيان الاقتصادي, مثل الفقر والبطالة والأمية. وأن يقوم بدوره كآلية, لطرح حوار مجتمعي. علي أساس رؤية ومحددات علمية, لكل ما يطرحه من قضايا, يشارك فيه, مؤسسات المجتمع المدني والقوي السياسية, وكل الأطراف. في تحديد الأهداف الرئيسية للمرحلة, وآليات العمل. واستطلاع آراء المواطنين فيما يمسهم من قضايا في الحاضر والمستقبل. واللجوء إلي الاستفتاء الشعبي, فيما يراه ضروريا. ومن المهام التي ينشأ من أجلها المجلس: أولا إعادة النظر في النظام الاقتصادي الحالي, وتقييم أوضاع الاقتصاد المصري, في ضوء تطبيقه, لفترة تزيد علي أربعين عاما. وهو من المسائل الرئيسية التي تم تجاهلها منذ بداية أحداث الثورة. بما فيها المناقشات الخاصة بالدستور. ولم يبد أي اعتراضات أو ملاحظات علي استمرار النظام الحالي, سوي بعض القوي المحدودة الأثر. ولم يوضح الدستور نظاما بعينه, لكنه اقتصر علي بعض الالتزامات. لكنه عمل علي التأكيد علي دور القطاع الخاص وحماية الملكية الخاصة. فهناك, عدم وضوح في تحديد النظام الاقتصادي. وما ورد بالدستور من التزامات, ليس كافيا, لتحديد الأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي في المرحلة الحالية والقادمة. وهناك أسئلة كثيرة لابد من الاجابة عليها حتي لا نستمر في المضي في نفس ممارسات النظام السابق, التي أدت إلي تخريب الاقتصاد المصري ونهب ثروات مصر. وهي ممارسات لا تنتمي في نفس الوقت إلي أي نظام اقتصادي. لذلك فلا بد من وقفة وتحديد للأمور من خلال المختصين, لا السياسيين. ليتم اختيار النظام الذي يحقق مصالح المصريين, لا مصلحة قوي سياسية بعينها. وهذه المهمة يجب أن يقوم بها الاقتصاديون, في المقام الأول. من خلال المجلس المقترح. ثانيا.. وضع حلول, لقضايا السكان والتوزيع الديمغرافي للسكان, في وادي النيل. وهي قضية من شأنها أن تغير نمط الاعتماد علي حركة النهر وقناة السويس, في الحياة المصرية. واستحداث أنشطة اقتصادية تتلاءم مع الطبيعة الصحراوية. بهدف اعادة توزيع السكان في سيناء وصحاري مصر الشرقية والغربية, والخروج من الوادي الضيق. ثالثا.. إعادة هيكلة الدخل القومي, لتقليل الفجوة بين الطبقات, واحداث قدر كبير من التوازن الاجتماعي. ويستطيع المجلس, في هذا المجال, إدارة حوار مجتمعي, حول ما يراه من استحداث آليات وتشريعات, قد تكون مطلوبة, لتنفيذ أهداف الثورة من تحقيق العدالة الاجتماعية. والاتفاق علي الآليات اللازمة لذلك. بما يقتضي اتخاذ قرارات ثورية, قد تمس بمكتسبات فئات أو أفراد. للحد من التمايز الذي نشأ في ظل النظام السابق في توزيع الثروة. وقد يقتضي ذلك اتخاذ اصلاحات جذرية, واسترداد الثروات التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة.وهي اجراءات تحتاج إلي, وجود مجلس يتخذ قراراته علي أساس علمي, مدعوما بحوار مجتمعي. للاتفاق علي الآليات المناسبة. رابعا.. يضع المجلس مخططات سريعة, للتخفيف من مشكلة البطالة. ووضع برامج للتشغيل لاستيعاب قوة العمل. حيث أصبحت مشكلة البطالة, أشبه بالقنبلة الموقوتة داخل المجتمع.( جدول2) خامسا.. حل المشكلات الرئيسية التي تواجه المجتمع, من خلال استراتيجيات وخطط وبرامج عمل. وتحقيق التكامل بين القطاعات المختلفة والتنسيق بين دور وعمل الحكومة, والمؤسسات المختلفة, في تنفيذها, من خلال منظومة عمل متكاملة. للتخطيط والتنفيذ والمتابعة وتقييم الأداء. ويمكن للمجلس, أن يطور الأسلوب المتبع حاليا, في وضع الخطط علي كل المستويات. وكلها خطط مكتبية تصورية, لا تقوم علي أساس من الواقع. وهو أسلوب لابد أن يتغير في هذه المرحلة الجديدة خاصة أن الدستور أسند للخطة عددا من المهام الرئيسية, منها اقامة العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع. سادسا.. يقوم المجلس بوضع منظومة عمل, تربط بين برامج التقدم الاقتصادي, وبين التنمية البشرية, بحيث يوجه جزءا من الدخل القومي لرفع مستوي معيشة المواطنين. بما في ذلك القضاء علي الفقر والأمية ورفع مستوي التعليم والعلاج. مع رفع كفاءة شبكات الأمان الاجتماعي. سابعا.. يقوم المجلس باعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية, للخروج من الأزمة الاقتصادية, في ضوء المهام المطروحة, والأولويات التي يتم تحديدها, مع حل الاشكاليات التي تواجه المجتمع التي تتمثل في زيادة الاستهلاك عن الانتاج. وزيادة الواردات عن الصادرات. وهو ما يصفه بعض الاقتصاديين بالمعادلة الصعبة. ثامنا.. انشاء قاعدة بيانات دقيقة وشاملة للقطاعات الاقتصادية, وجميع الشركاء فيها بشرائحهم المختلفة, لتكون أساسا سليما عند اتخاذ القرار. فما زلنا نفتقد وجود قاعدة بيانات للأنشطة الاقتصادية, ويتم الحديث عن قطاعات اقتصادية بمسمي القطاع غير الرسمي أو غير المنظم. تاسعا.. المطلوب من المجلس يعيد قراءة كل أوراق الأزمة الاقتصادية, وكل القضايا المهمة التي تم تضليلنا في فهمها خلال العقود الماضية, مثل الصراع بين أصحاب رأس المال والعمال. ذلك الصراع الذي أخذ صورا وأبعادا جديدة, بصدور القانون12 لسنة2003, لم يلتفت إليها أحد. ولم يوضع في حجمه الحقيقي بعد الثورة. مما يؤخر كثيرا حل القضايا الخاصة بحقوق العمال. وهناك مهام أخري كثيرة, لا يتسع المجال لذكرها. وليكن انشاء المجلس خطوة, ضمن خطوات تتخذ. لاعادة بناء مؤسسات الدولة, وإعادة هيكلة أجهزتها. وتصحيح كثير من الأوضاع, في ظل ما يتم تحديده من أهداف, وأولويات للعمل في المرحلة الحالية والقادمة, لتكون الدولة قادرة علي أن تكون بمستوي, أحداث الثورة ومطالبها. فلا بد أن يكون هناك اختلاف جذري, بين أسلوب اتخاذ القرار في ظل حكم النظام السابق, الذي كان يعتمد علي سلطة الفرد. وبين اتخاذ القرار في ظل دولة تعتمد علي المؤسسات, ونظام جديد نشأ في أعقاب ثورة شعبية. وذلك يقتضي الاعتماد علي الأسلوب العلمي, الذي تتبعه كل الدول التي تسعي للتقدم. وتستفيد بخبرات علمائنا ومفكرينا ورجال البحث العلمي, في الداخل والخارج. فلم يعد الأمر, يحتمل الاستمرار في تبادل الاتهامات. فالقضية أكبر من هذا بكثير, وهي أنه ليس هناك إلا حل واحد هو اتباع الأسلوب والمنهج العلمي في مناقشة جميع أوضاعنا للخروج من الأزمة.