بعد أن انتهت العواصف الانتخابية, وهدأت حدة الجدل السياسي نسبيا, أصبح من الضروري فتح الملفات الاقتصادية، التي تحمل عددا من القضايا والمشكلات المزمنة, التي تكونت عبر العقود الماضية نتيجة السياسات التي تبنتها الدولة وارتكزت علي الاعتماد علي القطاعات الريعية. بينما غابت سياسات التصنيع, وتطوير القطاعات الانتاجية بما يدعم ركائز الاقتصاد المصري,إضافة إلي عدم توجيه أي اهتمام بتطوير الموارد البشرية, علي الرغم من أنها الضمانة الأساسية, لتحديث أي مجتمع. وقد آن الأوان, لأن نحدد أهداف وأولويات المرحلة القادمة, ونطرح هنا ونحن في بداية عهد, نرسي فيه دعائم نظام جديد, أن يتم عقد مؤتمر اقتصادي قومي نخرج منه بتحديد النظام الاقتصادي للدولة, وفقا لما تقتضيه مصلحة الغالبية العظمي من المواطنين,لا مصلحة فئة بعينها, و بناء عليه نضع أولويات المرحلة القادمة وبرامج محددة زمنيا, وحلولا للمشكلات الاقتصادية الراهنة و طموحاتنا لتحقيق تقدم اقتصادي في الفترة القادمة. والملفات الاقتصادية كثيرة و متشابكة البعض منها يختلط بالشأن السياسي وآخر مع الأوضاع الاجتماعية. وكثير منها نجم عن تراكمات لفترة طويلة مضت. عودة الأمن... بداية الحل وقد فتحت الصفحة الاقتصادية الحوار, مع عدد من خبراء الاقتصاد, حول الأزمة التي يواجهها الاقتصاد, واقتراحاتهم للخروج منها, وقد وضعوا جميعا مطلب, استعادة الأمن في الشارع المصري, كقضية أساسية. وحول الملفات الاقتصادية العاجلة, التي يجب فتحها, تحدثوا عن مشكلة عجز الموازنة.. التضخم والديون.. الأجور.. الفقر, بالإضافة إلي ملف العشوائيات, لكنهم جميعا أجمعوا علي أن الملف الأكثر إلحاحا هو البطالة. وكلها قضايا لا تنفصل عن بعضها البعض, وتتشابك مع ملفات أخري تخص الموارد المتاحة للدولة في الوقت الحالي, و الاستثمارات الأجنبية. ومن الضروري تأكيد ما أوضحوه, من أن فتح الملفات و مواجهة المشكلات, أمرا غير كاف. لأن أي خطوات تتم لا بد أن تكون من خلال إصلاح منظومة العمل في الدولة. ويضع الاقتصاديون, ملامح منظومة للاصلاح الاقتصادي و الاجتماعي. يحددون من خلالها أولويات, يجيء في مقدمتها تطوير منظومة العمل داخل القطاعات, و اجراء تغييرات مؤسسية. وتتضمن وضع تشريع لتطبيق مبدأ الثواب والعقاب, و الإدارة بالأهداف, ونظم جديدة, لتقييم الأداء, واختيار مديري ورؤساء العمل, علي أساس الكفاءة, و هي قواعد تؤكد أهمية العمل بها في المرحلة القادمة, الدكتورة منال متولي أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة, واستكمالا للاصلاح الاداري اللازم لتصحيح أخطاء المرحلة السابقة, تطالب بوضع ميثاق اجتماعي بين أطراف منظومة العمل, وهي الحكومة و أصحاب الأعمال و العمال, وهو ما تجاهلته الحكومات السابقة قبل الثورة, وبعدها, وتركت العاملين بالقطاع الخاص تحت سيطرة أصحاب الأعمال, في ظل قانون لا يوفر الضمانات الكافية للحصول علي حقوقهم. الأمر الذي أدي إلي انتشار المظاهرات والاعتصامات الفئوية و العمالية. رؤية الطائرة مبدأ آخر طرحه الاقتصاديون, و هو أن يكون للدولة دور في المرحلة القادمة, يتعدي الدور الذي ارتضته في السنوات الماضية, أي أن تقوم بتطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية, الذي طالب به المواطنون في ثورتهم و جعلوه, في نفس مرتبة رغيف الخبز في الأهمية. لكن هذا الدور يقتضي كما يراه الدكتور صلاح فهمي أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر, أن تضع الدولة نفسها علي مسافة أعلي من القطاعات والقوي الأخري, فتصبح أكثر قدرة علي تحديدها, أو كما يصفها رؤية الطائر, وهو ما يجعل قدرتها علي المتابعة والمراقبة, أفضل. ويتطور هذا الدور في بعض القضايا, لتقوم بتوجيه القطاعات الانتاجية, بما يحقق وفرة السلع الضرورية للمواطنين, ويقلل من الانفاق العام, ويؤكد أن غياب دور الدولة في المرحلة الماضية, و تخليها عن دورها في توجيه القطاعات الانتاجية, هو الذي أدي إلي مشكلة عجز الموازنة و تزايد المديونية. بل وتطالب الدكتورة سهير أبو العينين مستشار معهد التخطيط القومي بأن تستعيد الدولة دورها الذي كانت تقوم به في مرحلة سابقة في الانتاج. و لكن بأسلوب آخر, وهو الدخول في شراكة مع رأس المال الخاص المصري و الأجنبي في المشروعات الكبري. وتري أن هذا الدور, وسيلة لتوفير الموارد اللازمة, لتمويل التزاماتها في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين, أو لفئات منهم, سواء مما تحققه من عائد, أو ببيع حصتها و إعادة تدوير رأسمالها. موضحة أن هذه الشراكة, يمكن ألا تقتصر علي مشروعات البنية الأساسية, بل تمتد لتشمل المشروعات الانتاجية. فتعمل بمستوي عال من الكفاءة, و بفكر السوق. ولتكتمل أركان هذه المنظومة, أن يتم تشكيل إطار مؤسسي, يتولي مهمة التخطيط و التنسيق بين كل القطاعات العامة و الخاصة, و مؤسسات الدولة. علي أن يمثل فيها القطاع الخاص بكل شرائحه وفئاته وأنشطته, بحيث لا يقتصر التمثيل علي الشركات الكبري, بل تضم المتوسطة و الصغيرة, وممثلين عن كل أصحاب الأنشطة الاقتصادية.