وكيل كلية التجارة للتعليم والطلاب – جامعة أسوان الدولار رغم ما تمر به الولاياتالمتحدة من أزمات اقتصادية ورغم ضعف حاله على المستوى العالمي .. فالاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الأعلى ديونا على المستوى العالمي .. رغم كل ذلك، فإنه يستقوي على الجنيه المصري حتى أنه خلال عام 2016 يكاد تتضاعف قيمته خلال عام واحد .. رغم أن مشكلتنا للعلم ليس في الدولار في حد ذاته، ولكن مشكلتنا في الصرف الأجنبي عموما. فالدولار بدأ عند قيمة 7.8 جنيها في بداية هذا العام. والآن ونحن في منتصف العام يناهز قيمة 12 جنيها وتوجد مخاوف أن يقفز فوق مستوى ال 14 جنيها إن استمر الحال على ما هو عليه بلا ضبط لإيقاع السياسة النقدية. البنك المركزي هو ضابط هذا الإيقاع من خلال إدارته للسياسة النقدية .. ونتساءل هل يوجد بمصر حاليا إدارة حقيقية لمضمون سياسة نقدية لضبط الدولار ؟ إدارة السياسة النقدية أو لنقل إدارة الدولار يقوم بها البنك المركزي في أي اقتصاد من خلال قيامه بعدة مهام، هي : { 1 } إصدار النقد (العملات الجديدة). { 2 } مراقبة الجهاز المصرفي. { 3 } إدارة نظام المدفوعات. { 4 } تنظيم الائتمان والإقراض. { 5 } تحديد الحد الأدنى لسعر الفائدة. { 6 } إدارة احتياطي العملات الأجنبية من خلال تتبع الإيرادات الحكومية. { 7 } مراقبة وصياغة سياسات مناسبة لضبط العرض والطلب على العملات الأجنبية. { 8 } مراقبة وصياغة سياسات ضبط سوق العملات الأجنبية وتتبع تحركات للداخل والخارج. في اعتقادي البنك المركزي المصري يلعب بشكل جيد مهامه من 1 إلى 5، ولكنه للأسف لا يمارس المهام من 6 إلى 8، وهي المهام الهامة والحيوية لضبط إيقاع الدولار .. فالسياسة النقدية لا تستوي ولا تنضبط إلا بانضباط موازنة العملات الأجنبية أو موازنة العرض والطلب على الدولار. ونبدأ بالعرض من الدولار الذي يرتبط بالسياسة المالية للدولة، أو بالإيرادات الحكومية التي يتم تحصيلها بالعملات الأجنبية، والتي تتحدد في مصر بإيرادات القناة السويس وإيرادات الصادرات المصرية وتحويلات المصريين بالخارج. المصدر الأول : إيرادات قناة السويس محددة وواضحة. أما المصدر الثاني : فقد لحق انخفاض كبير بإيرادات الصادرات المصرية قد يكون سببا رئيسيا لما نحن فيه الآن، وبالتالي فإن علاج قضية الدولار تحتاج بشكل أساسي لاتخاذ كل ما من شأنه رفع الصادرات المصرية بالدرجة الأولى، وذلك يمثل سياسة متوسطة الأجل لن يتسنى علاجها خلال شهور قليلة، وتحتاج لسياسات تنمية وترويج الصادرات عبر 1-3 سنوات. أما المعروض من العملات في المصدر الثالث وهو تحويلات المصريين في الخارج، فقد يكون الحل الأسرع والأعلى قدرة على تقليل الفجوة بين العرض والطلب على الدولار .. لأن هذه التحويلات بها أجزاء كبيرة قابلة للتسرب سواء بشكل متعمد أو غير متعمد، وبها أجزاء قابلة للاستقطاب بقليل من سياسات تسويق أو تسريع تحويلات المصريين بالخارج للداخل .. للأسف أنا لا أرى جهة حكومية أو طرفا يلعب هذا الدور ولا أعلم من يراقب هذه التحويلات ولا أعلم جهة تشجع المصريين بالخارج أو تدعم تسريع تحويلاتهم للداخل. كم حجم تحويلات المصريين بالخارج سنويا ؟ تشير التقديرات إلى أنها تصل إلى 20 مليار دولار سنويا، إلا إن هذا الرقم في حقيقته يتجاوز ال 40 مليار دولار، ويتسرب النصف تقريبا كودائع داخل الدول التي يقيم بها هؤلاء المصريين بالخارج .. وبعضهم يودعها في بنوك أجنبية وبعضها يحولها في شكل بضائع، والبعض الآخر لا يتمكن من تحويلها أصلا. إننا نحتاج لسياسة تسويقية لاستقطاب هذه ال40 مليار دولار كاملة أولا خلال العام .. ولكننا نحتاج سياسة تسويقية أخرى لتسريع تدفق هذه التحويلات، فالتحويلات تتم لغالبية المصريين بالخارج في نهاية فترة الصيف عند نزولهم لمصر، وبعضهم يعاني كثيرا من قدرته على التحويل أصلا .. فدول الخليج تفرض قيودا صارمة على تحويلات الأجانب المقيمين لديها ومن بينهم المصريين .. هذه القيود خلقت سوقا سوداء للتحويل إلى مصر، بها سماسرة يعملون ضد مصلحة استقرار الدولار بمصر.. أكد أجزم أن الجزء الأكبر من تحويلات المصريين بالخارج يتم بالخارج عبر سماسرة وليس عبر البنوك وهذا هو السبب الرئيسي في التراجع القوي للتحويلات خلال النصف الأول من هذا العام، والذي يمكن تفسيره بتعمد أطراف بالسوق السوداء ربما يتجاوز هدفها مجرد الربح.. في اعتقادي أن مراقبة الصرف تحتاج لأجهزة سيادية في ظل حساسية الفترة التي تمر بها مصر، إن الأمر يتجاوز كونه نشاط اقتصادي. أيضا اقترح في هذا الشأن أن تقوم الحكومة المصرية بإيجاد أي شكل من التنسيق مع الحكومات الخليجية لتأسيس فروع لأحد البنوك الحكومية المصرية داخل عواصم الدول الخليجية، وليكن مقره بالرياض في المرحلة الأولى .. هذا البنك يمكن أن يعمل في سياق برتوكول تنسيقي مع السعودية على أساس استقبال رواتب المصريين هناك، ويعتبر رصيد هذا البنك بمثابة رصيد إضافي للاحتياطيات المصرية من العملات الأجنبية .. هذه الآلية ستتيح للمصريين سرعة وتسهيل تحويلات المصريين بالسعودية التي يتعثرون فيها من الأساس حاليا .. فكل مصري حاليا لا يستطيع تحويل قيمة تتجاوز عن راتبه .. والمجتهدين من المصريين الذين يعملون في أكثر من عمل أو بشكل غير نظامي يتحايلون لتحويل دخولهم .. وبالتالي الآلية المقترحة ستساعد هؤلاء المصريين وتخلق لهم قناة نظامية لتحويل دخولهم. وبالتالي فإن قيمة تتجاوز 8 مليار دولار تأتي لمصر من السعودية يمكن أن تسجل في الدفاتر المصرية كاحتياطيات ليس في نهاية العام أو على دفعتين، ولكنها يمكن أن تسجل بشكل شهري عند إيداع رواتب المصريين بالمملكة وبكل مماثل الإمارات والكويت وهم الدول الثلاثة الكبار في تحويلات المصريين بالخارج .. في اعتقادي هذه الدول الثلاث لو تمت هذه الآلية يمكن أن تتضاعف لتصبح 20 مليار دولار منهم مجتمعين فقط. إن الأمر يحتاج لإدارة متخصصة أو هيئة مستقلة لإدارة تحويلات المصريين بالخارج .. إن البنك المركزي حاليا أبعد ما يكون عن هذه الإدارة، وينصب جل تركيزه للأسف على إدارة الطلب على الدولار الذي جزء كبير منه يأتي في خضم احتياجات حقيقية للمواطن والمجتمع .. سيدي محافظ البنك المركزي .. رجاء الاهتمام بزيادة المعروض من الدولار أكثر من التركيز على ضبط إيقاع الطلب عليه .. مصر دولة كبرى بها 90 مليون نسمة ولا يعقل أن تدير رفاهية البشر وتترك مصادر كبيرة لزيادة الدولار .. رجاء الالتفات للاستثمار الأجنبي وتحويلات المصريين بالخارج والصادرات..