سهير عبد الحميد يعد تاريخ الأرمن فى مجال الفنون حافلاً بالإنجازات، خصوصا فى مجال الفن التشكيلى الذى بدأ بنزوح المصور الشاب يرفانت دميرجيان (1870 - 1938) من الآستانة إلى الإسكندرية فى سبتمبر 1896 ليصبح أول مصور أرمينى فى مصر الحديثة ومن أجمل إبداعاته الصورة التى رسمها للأميرة فاطمة الزهراء الموجودة فى متحف المجوهرات الملكية والتى يطلق عليها الموناليزا الثانية.. وتوالت أعمال الفنانين الأرمن الذين ارتبطوا بمدينة الإسكندرية تحديدا.. تلك المدينة التى جاءت إطلالتها على البحر المتوسط فى مواجهة أوروبا لتصنع منها مدينة عالمية مفتوحة تحتضن جزءا مهما من العالم القديم باتساع شواطئها. عرفت الإسكندرية فاهمان هوفيفيان، الذى وثقت أعماله معالم الإسكندرية، والفنان أشودزوريان والفنان هامبار هامبارتسوميان صاحب لوحة (حوارى الإسكندرية) المحفوظة بمتحف الفنون الجميلة. والذى اختير لتمثيل مصر فى مسابقة جوجنهايم الدولية بنيويورك 1959، وهناك الفنان هرانت كشيشيان، وفى مجال النحت تحديدا يبرز اسم الفنان ساركيس طوسنيان الذى كتب عنه فنان الثغر عصمت داوستاشى، قائلا: إن تماثيل الفنان السكندرى ساركيس تؤكد أن هذا المزج الجمالى بين ما هو مصرى وما هو من أصول غير مصرية نتج عنه إبداع اتسم بالعالمية التى رأيناها فى أعمال فنانين مصريين من أصول يونانية وإيطالية وفرنسية وغيرهم فى فترة ازدهارهم بالإسكندرية من الثلاثينيات حتى الستينيات من القرن الماضى). ساركيس طوسنيان، من مواليد الإسكندرية 1953 يقول: لقد جاء أجدادى إلى الإسكندرية فرارا من مذابح الأتراك ضد الأرمن فى بداية القرن العشرين . والدى كان يعمل فى صناعة الأحذية، وكانت والدتى مهتمة بالفنون، حيث تعلمت الرسم فى مدرسة الراهبات الأرمن بالإسكندرية، فهويت الرسم مثلها وتعلمته فى دروس خصوصية على يد جارو كالوسديان. وفى المدرسة تعلمته على يد الفنان الأرمنى الشهير هامبار هامبارتسوميان، الذى ولد وعاش وتوفى بالإسكندرية وشارك فى بينالى الإسكندرية ثلاث مرات، ثم درست فى أتيليه الإسكندرية، وتعلمت على يد المصور السكندرى فاضل عجمى. وفى مدرسة الفنان الأرمينى هامبر تسوميان للأعمال اليدوية، تعلمت النحت وأحبته، وعندما سافرت إلى قبرص التحقت بالمدرسة الداخلية الأرمينية مليكونيان فى نيقوسيا. عدت بعدها إلى الإسكندرية لألتحق بكلية الفنون الجميلة وتعلمت على يد أشهر الأساتذة بها حينذاك د. جابر حجازى ود.عبد الرازق السيد، ثم كانت المرحلة الأهم فى حياتى من خلال المتحف اليونانى الرومانى الذى عشقت مقتنياته، خصوصا تماثيل التناجرا، وهى تماثيل صغيرة الحجم مصنوعة من الطين المحروق تحمل اسم مدينة صغيرة باليونان .. لفت نظرى إليها تلك الأشكال والنظرة العميقة والملامح التى تكاد تنطق من حسن نحتها.. من هنا قررت التفرغ للنحت وتركت تجارة والدى فى مجال الأحذية . هل جاءت أعمالك لتعكس المزيج الأرمنى المصرى فى تكوينك؟ أعمالى شديدة التأثر بالحس السكندرى، ولى عدة تماثيل فى مناطق شتى بالقاهرةوالإسكندرية. منها تمثال داخل قسم المغادرة بمطار القاهرة الدولى يعكس معرفة العالم، وتمثال يرمز للصداقة الأرمينية المصرية أمام الأوبرا بالقاهرة، وقد صممته وقام بافتتاحه رئيس وزراء أرمينيا أثناء زيارته لمصر عام 2007، ولى تمثال أمام مكتبة الإسكندرية وتمثالان فى المتحف المفتوح بأسوان، كما شاركت فى بينالى أسوان ثلاثة مرات.. ولى تمثال فى مركز الإبداع بالإسكندرية، يرمز للتحرر من القيود، ورشحتنى وزارة الثقافة لتمثيل مصر فى عدة معارض دولية بإيطاليا وفرنسا وشاركت أيضا فى أوليمبياد الصين. كيف يعيش الأرمن المصريون فى الإسكندرية؟ الإسكندرية كانت مليئة بالأرمن منذ عشرين عاما، ومعظمهم هاجر إلى أوروبا وأمريكا وكندا، واستقر معظمهم فى حى الإبراهيمية تحديدا، نظرا لوجود النوادى الثقافية والرياضية الأرمينية والكنيسة والبطريريكية ومدرسة هامبرتوسنيان فى اللبان.. ونحن نعيش فى حالة اندماج كاملة مع المصريين، فالجيل الحالى من الأرمن ولد وعاش فى الإسكندرية وتأثرنا بالتقاليد المصرية بجانب التقاليد الأرمينية، وهناك أرمن التحقوا بالخدمة العسكرية ويلعبون فى أندية مصرية فى مختلف الرياضات، فنحن لا نعيش فى جيتو منفصل عن المجتمع المصرى، حتى الأكلات المصرية أصبحنا نعشقها ونصنعها فى بيوتنا كالقلقاس والملوخية، وكل الأرمن تحديدا يعشقون الملوخية، وعندما يسافرون خارج مصر يطلبون من أقاربهم إحضار الملوخية معهم.