«التحديث الأخير».. سعر الذهب اليوم بعد ختام التعاملات في سوق الصاغة    جلسة حوارية في مؤتمر السكان 2024 تكشف عن استراتيجيات جديدة لتحقيق النمو الشامل    اليوم.. وزارة المالية تبدأ صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 للموظفين    أحمد الجندي: انضمام مصر ل «بريكس» سيحقق لها أكبر استفادة    طيران الاحتلال يستهدف مقر الهيئة الصحية في بلدة البازورية جنوبي لبنان    «70 دولة و15 منظمة» تجتمع بفرنسا لإيقاف الحرب على لبنان    قصف إسرائيلي عنيف على مناطق متفرقة في قطاع غزة    فصائل مسلحة عراقية تنفذ عملية نوعية في الجولان المحتل    الذكاء الاصطناعي يتوقع نتيجة مباراة السوبر المصري بين الأهلي والزمالك    تحرك عاجل من لجنة الحكام تجاه أمين عمر قبل إدارته نهائي السوبر بين الأهلي والزمالك    الزمالك والأهلي.. أخبار سارة لجماهير الأبيض خلال ساعات بشأن ثلاثي الفريق    إنفوجراف| حالة الطقس المتوقعة غدًا الجمعة 25 أكتوبر    أول تعليق من المطرب أبو الليف بعد حريق هائل بشقته    مصرع شخص وإصابة 2 في حادث انقلاب سيارة بحدائق أكتوبر    اليوم.. افتتاح الدورة السابعة من مهرجان الجونة بحضور نجوم الفن    علي الحجار يحيي «حفل كامل العدد» بمهرجان الموسيقى العربية.. (صور)    علي الحجار: مهرجان «الموسيقى العربية» عالمي.. وهذا الفرق بين المطرب والمغني    بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج.. خيارات مشروعة لتيسير الزواج    ماذا يحدث عند وضع ملعقة من السمن على الحليب؟.. فوائد مذهلة    موعد بداية التوقيت الشتوي 2024 في مصر وطريقة ضبط الساعة    تجديد حبس فني تركيب أسنان قام بقتل زوجته وألقى بجثتها في الصحراء بالجيزة    الأحد.. هاني عادل ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الخميس 24 أكتوبر 2024    سيارات رباعية وصواريخ.. نتنياهو يكشف خطة حزب الله لغزو إسرائيل    وزارة الصحة: أكثر من 131 مليون خدمة طبية مجانية ضمن حملة "100 يوم صحة"    لاعب الزمالك السابق يكشف ملامح تشكيل الفريق أمام الأهلي    بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الفراخ وكرتونة البيض في الشرقية اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024    أستون فيلا وليفربول بالعلامة الكاملة، ترتيب دوري أبطال أوروبا بعد الجولة الثالثة    تبدأ من 40 دينارا.. أسعار تذاكر حفل أصالة نصري في الكويت    حب وحظ وحسد.. عبير فؤاد تكشف عن أبراج تتغير حياتهم الفترة القادمة (فيديو)    موعد مباراة ريال مدريد القادمة في الدوري الإسباني    خالد الجندى: سيدنا النبى كان يضع التدابير الاحترازية لأى قضية    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواطنين بمدينة نصر    لا توجد ضحايا.. الطيران الأمريكي البريطاني يستهدف مطار الحديدة باليمن    3 عقوبات تنتظرهم.. وليد صلاح يكشف الحكم الذي ينتظر ثلاثي الزمالك بالإمارات (فيديو)    المراجعة الرابعة لبرنامج مصر مع صندوق النقد.. نوفمبر المقبل    محافظ بورسعيد للمعلمين المحالين للمعاش: رسالتكم لم تنتهِ.. وأبناؤكم وأحفادكم أمانة فى أيديكم    قصف مدفعي وسط وشرق مدينة رفح الفلسطينية    وفاة و49 إصابة خطيرة.. اتهام ماكدونالدز أمريكا بتفشي مرض في الوجبات    ناصر القصبي يغازل فتاة روبوت في ثاني حلقات "Arabs Got Talent" (صور وفيديو)    «شكرا أخي الرئيس».. كل الأجيال لن تنسى فضله    «اتصالات النواب» توضح حقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    ضبط المتهم بواقعة سرقة قرط طفلة بالشرقية    نشرة التوك شو| موعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.. وحقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    القبض على سائقين قتلا شخصًا في عين شمس    أكروباتية خرافية من هالاند.. سيتي يقسو على سبارتا براج بخماسية في دوري أبطال أوروبا    قصة عجيبة.. سيدة تدعو على أولادها فماتوا.. والإفتاء تحذر الأمهات من ساعة الإجابة    أذكار النوم: راحة البال والطمأنينة الروحية قبل الاستغراق في النوم    منها إجبارهم على شرب مياه ملوّثة .. انتهاكات جديدة بحق المعتقلين بسجن برج العرب    الذكرى ال57 للقوات البحرية| الفريق أشرف عطوة: نسعى دائما لتطوير منظومة التسليح العسكري    حزب مستقبل وطن بالأقصر ينظم قافلة للكشف عن أمراض السكر بمنطقة الكرنك    الأكاديمية الطبية العسكرية تنظّم المؤتمر السنوى ل«الطب النفسي»    جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    «آركين».. «كل نهاية بداية جديدة»    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    «المصريين الأحرار»: لا يوجد نظام انتخابي مثالي.. والقوائم تتجنب جولات الإعادة    وزير الصحة يبحث دعم خدمات الصحة الإنجابية مع إحدى الشركات الرائدة عالميا    محافظ المنيا: تقديم خدمات طبية ل 1168 مواطناً خلال قافلة بسمالوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أم بلجيكية وأب يهودى فشلا فى تربيته فأصبح أديباً.. ذكريات موديانو السوداء تقتنص نوبل هذا العام
نشر في الأهرام العربي يوم 27 - 10 - 2014


رشا عامر
دهشة كبيرة أصابت الأوساط الأدبية العالمية فور إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل فى الأدب لهذا العام، خصوصاً أن كثيرين خارج فرنسا يسمعون اسمه للمرة الأولى، إنه جون باتريك موديانو، الذى يحظى بشهرة طيبة في فرنسا برغم أنه قد لا يكون معروفاً في الأدب الإنجليزي لقلة الترجمات التى صدرت لكتبه باللغة الإنجليزية بسبب الإشكالات السياسية، فهو معروف في فرنسا حيث يعد واحداً من أبرز الكتاب هناك، بل ووصفوه بأنه الوحيد من بين المعاصرين الذى يمكن أن يعيد للرواية الفرنسية عظمتها منذ رحيل مارسيل بروست وألبير كامى.
ولد موديانو فى ال 30 من يوليو 1945، لأم بلجيكية تعمل بالتمثيل وأب إيطالى يعمل بالتجارة، وبرغم أن هذه الأسرة رزقت بابن ثان بعد عامين من ولادة "جون" وأطلقت عليه اسم رودى، فإن الطفلين عانيا معاناة شديدة جدا من الإهمال والغياب الدائم للوالدين، فالأم مشغولة بالمسرح الذى تعمل فيه، والأب غائب دائما فى مكتبه، ولعل هذا يتضح جليا فى العديد من أعمال موديانو التى يشير فيها إلى مكان عمل والده ووالدته، خصوصاً فى روايته الأخيرة " كى لا تضل الطريق فى الحى".
بلغ الإهمال بموديانو وشقيقه أنهما تركا وحديهما فى المنزل لمدة عامين قبل أن يتم موديانو عامه الخامس، بينما شقيقه كان لا يزال فى عامه الثالث، وذلك قبل أن يخضعا للتعميد فى غياب الوالدين أيضا.
سافر الطفلان إلى باريس عام 1950، ليبدأ كل منهما دراسته الابتدائية فى إحدى المدارس المحلية هناك، ولهذا فإنهما عاشا فى كنف إحدى صديقات الأم واستمرت الحال على هذا المنوال إلى أن جاء عام 1957، لتأتى الصدمة الأولى والقاسمة فى حياة موديانو، فلقد أصيب شقيقه رودى بسرطان الدم وتوفى على أثره سريعا، وعن هذه الواقعة يقول موديانو "كانت وفاته أكبر صدمة لى فى حياتى"، فمنذ هذه اللحظة انتهت طفولة موديانو للأبد بينما ظل الحنين القوى لشقيقه ولتلك الفترة التى عاشاها هى المسيطرة على معظم إهداءات موديانو لمقدمات كتبه، ولعل أشهر هذه الكتب وأكثرها إيلاما هو كتاب "مسألة نسب" والذى لا يعتبر سيرة ذاتية بالمعنى الحرفى للكلمة، فهو لا يتحدث بشكل أساسى عنه، ولكنه يتحدث بالأساس عما فعلته به أسرته.
لم تكن وفاة الشقيق الأصغر هى الصدمة الأولى فى حياة موديانو إذ تلتها بعد عشر سنوات صدمة انفصال والديه وزواج والده من سيدة أعمال إيطالية شديدة العصبية تصغره بعشرين عاما، لكن لم تستمر هذه الصدمة مع موديانو كثيرا إذ سرعان ما حصل على شهادته الجامعية ليبدأ بعدها بخمس سنوات كتابة أولى رواياته "مكان النجمة ". لم تكن تلك هى المحاولات الأدبية الأولى لموديانو إذ سبقتها محاولات وهو فى الرابعة عشرة من عمره، فموديانو كان عاشقا للأدب منذ صغره، وفى كل عام كان يبدأ فى كتابة كتاب جديد، لكن سرعان ما يمزقه بعد أن يصل إلى الصفحة العشرين، كان جل اهتمامه منصبا على فكرة الاحتلال الموجود فى هذا العالم كان يحاول أن يبحث له عن محور دون جدوى.
لم يشأ موديانو أن يخبر والدته أنه سيكتفى بشهادته الثانوية فقط، فأوهمها أنه التحق بجامعة السوربون لاستكمال درساته، بينما هو فى الواقع كان يستكمل كتابه معتمدا على عمله الذى التحق به بشهادته الثانوية، وذلك قبل أن يسافر إلى فيينا للبحث عن عمل آخر حيث لم يجد أمامه سوى كتابة الأغانى مقابل المال، ويأتى عام 1966، ليشهد هذا العام آخر لقاء بينه وبين والده الذى حاول إقناعه بالالتحاق بالجيش، هذا الوالد الذى كان يلتقي موديانو في الأماكن العامة لعدم إثارة الشبهات حيث كان وبعد مرور سنة أو سنوات على عدم رؤيته يجلس قبالته في أحد المقاهي أو إحدى محطات المترو كإنسان غريب ويتبادل معه الكلمات القليلة، هذا الأب الذى طالما أحيط بهالة من الغموض، وكان على علاقة بعصابات المافيا، أما علاقته بموديانو، فكانت أكثر غرابة، فعندما طلب موديانو منه ذات مرة إقراضه مبلغا من المال، أبلغ عنه الشرطة! حتى قرر الابن أخيراً وضع نهاية لهذه العذابات، وفي السابعة عشرة من عمره وبعد لقاء شديد الغرابة والقسوة طالبه الوالد فيه بالتطوع فى الجيش قرر أنه سيكون اللقاء الأخير بينهما.
كاد عام 1967، يشهد أول انفراجة فى حياة موديانو، وذلك عندما قررت دار نشر جاليمار، نشر روايته "ساحة النجمة"، ثم سرعان ما تأجل النشر بسبب حرب الأيام الستة، ليأتى عام 1968، ويتم نشر الرواية والتى جاءت كالقشة التى قصمت ظهر البعير فى علاقة موديانو بوالده الذى ثار وغضب كثيرا عندما ظهرت الرواية واشترى الكثير من النسخ لمنع انتشارها، لأنها ببساطة تحكى عن يهودى خائن تعاون مع العدو فى الحرب العالمية الثانية! وبالطبع كان هذا هو ما أجل نشرها من قبل جاليمار.
توالت روايات موديانو مثل دائرة الظلام وذلك قبل أن يلتقى ب "دومينيك" تلك الفتاة التى أحبها وتزوجها عام 1970، والتى كان رآها فى أحد مقاهى الشانزليزية، ويبدو أنها كانت فاتحة خير عليه إذ سرعان ما نشر روايته الثالثة "بولفار دو سانتير" والتى حصل بها على الجائزة الكبرى من الأكاديمية الفرنسية عام 1972، وفى هذه الرواية نجد البطل يبحث عن والده، فيذهب إلى أطراف غابة "مونتانبلو"، تأتى أحداث الرواية إبان الاحتلال وفى خضم العديد من الاضطرابات لتطفو العديد من الأسئلة على السطح لعل أهمها من هو الأب؟ هل هو مهرب أم أنه يهودى مجرم؟ ولماذا يوجد وسط كل هؤلاء؟ أسئلة ظلت تبحث عن إجابة من أول الرواية إلى آخرها تماما، كما ظل الروائى يبحث عن والده طيلة سنوات عدة بلا جدوى، لدرجة جعلته محور روايات باتريك موديانو وبطلاً بين أبطاله.
توالت أعمال وجوائز مونديانو إذ حصل على جائزة جونكور الفرنسية عام 1978، عن روايته " شارع المتاجر المعتمة " وفيه نجد بطل العمل " تال " يعانى من فقدان الذاكرة، أما زوجته " دينيز" فتختفى بعد أن فقدت ذاكرتها هى أيضا، ويظل البطل يبحث عن نفسه من خلال السفر إلى عدة بلدان يتعرف فيها على أشخاص آخرين وبدلا من العثور على زوجته تزداد المسائل تعقيدا إلى أن تنتهى الرواية بوصول بطل الفيلم إلى روما حيث يتعرف على اسمه الحقيقى وهويته الحقيقية، لكن دون إخبارنا نحن القراء بهذا الاسم ولا بهذه الهوية.
نلاحظ أن موديانو اهتم فى رواياته بتجسيد معاناة الفرد الضائع في المدينة والعالم، لذلك اهتم بالأشخاص الذين يبحثون عن جذورهم الضائعة، ولعل هذا يتضح جليا من خلال روايته "مجهولات" التى تروى قصة حياة ثلاث فتيات تائهات يعانين الإهمال والوحدة والضياع فى غربة واسعة داخل النفس وخارجها فى ظل افتقاد لكل معانى الألفة والشعور العاطفى الإنسانى.
معظم روايات موديانو تعكس خلفيته الأسرية المعقدة والتى مهدت لمرحلة حياتية تملأها الهواجس مع تلك الحقبة المظلمة في التاريخ. بسبب التنشئة غير السعيدة التى مر بها على مدار سنوات طفولته بدءا من جفاء مشاعر والدته تجاهه وقضائه فترات طويلة في المدارس الداخلية مرورا بوفاة شقيقه الأصغر رودي وانتهاء بقطع باتريك كل علاقاته بوالده والذي توفي بعدها ب 15 عاماً فى ظروف غاية فى الغموض جعلت موديانو يحجم عن معرفة مكان قبره!
ينعكس كل ذلك أيضا على أبطال روايات موديانو الذين هم غالبا من الأشخاص الباحثين عن هوياتهم وهم يشبهونه كثيرا إذ أنهم يكبرون بين عالمين بين الظلام والنور، وبين الحياة في المجتمع والمصير الذي يحلمون به، فقد ولد موديانو فى نهاية الحرب العالمية الثانية واستوحى معظم أعماله من فترة الاحتلال النازى ولعل هذا أيضا ما جعله يكره الأضواء والشهرة ويعزف تماما عن اللقاءات الصحفية مؤكدا أنه عاشق للغموض تماما مثل أعماله فهو يحب كل الأشياء الغامضة، فكلما بقيت الأشياء غامضة كلما زاد اهتمامه بها.
نشر موديانو فى خلال السنوات الأربعين الماضية قرابة عشرين رواية منها (دائرة الليل) 1969، و (بوليفار دو سانتير) 1972، التي حصلت على الجائزة الأدبية الفرنسية، ثم (المنزل الحزين) 1975، التي حصلت على جائزة المكتبات، و(دفتر العائلة) 1977، و(شارع المتاجر المعتمة) 1978، و(شباب) 1981، و(أيام الأحد) 1984، و(مستودع الذكريات) 1986، و(بعيداً عن النسيان) 1994، و(دورا بروريه) 1997، و(مجهولات) 1999، و(الجوهرة الصغيرة) 1999، و(حادث مرير) 2003، و(مسألة نسب) 2005، و(في مقهى الشباب) 2007. وعشب الليالى والمستوحى من اختطاف المهدى بن بركة، حيث تدور أحداث الرواية في سنوات الستينيات من القرن الماضي، فبطلها شاب يبحث عن الحب وعن أصدقاء غامضين إحداهم شابة وقع البطل في غرامها قبل أن تتورط في قضية بن بركة.
وقد وصفت مجلة "ليكسبريس" "عشب الليالي" قائلة: "عندما نغلق هذا الكتاب ذي الرائحة العطرة للسيرة الذاتية، يتملكنا نفس الإحساس بالخفة وبالفراغ الذي كان يشعر به باتريك موديانو، وهو يتجول في باريس على رصيف نهر السين المسمى رصيف هنري الرابع ذات مساء من مساءات شهر يوليو".
وفى النهاية، فاذا كان موديانو قد وصف جائزة الجونكور الفرنسية التى تعد من أكبر الجوائز هناك بأنها تشبه اختيار ملكة جمال فرنسا لأنها فى النهاية شىء بلا مستقبل، فبماذا سيصف جائزة نوبل للأدب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.