معاناته سطرته بين كبار أدباء فرنسا الأديب يحلم بالتحرر من الكتابة .. ورواياته أبطالها يبحثون عن جذورهم الضائعة " ساحة النجمة " أغضبت والده .. و أعدتها ألمانيا معلما عن " الهولوكوست " موديانو : والدى أبلغ عنى الشرطة عندما أردت اقتراض المال منه أما عن أمه قال أديب نوبل : " قلبها باردا كالموت " الأكاديمية السويدية : موديانو عالج مصائر الناس ب " فن الذاكرة" " الكتابة كقيادة سيارة فى الضباب ، لا تعرف إلى أين ستذهب ، و لكن تعلم أن عليك المضى " تلك كلمات الروائى الفرنسى " باتريك موديانو " الحائز على جائزة نوبل للآداب فى عام 2014 . موديانو هو الأديب 107 الذى يحصل على جائزة نوبل للآداب ، و ال 11 من فرنسا ، حاز الكاتب على العديد من الجوائز الفرنسية و الأوروبية ، وكانت أبرز رواياته: "ساحة النجمة" في عام 1968 والى حازت على "جائزة روجيه نيميه" و "جائزة فينيون" ، أما رواية " بولار دو سنتور " فحازت على "الجائزة الكبرى للرواية" من الأكاديمية الفرنسية ، ورواية "شارع المحلات المظلمة" حازت "جائزة جونكور" ، ليعد موديانو من علامات الأدب الفرنسى فى التسعينات . و عن سبب اختياره لجائزة نوبل للآداب ، قالت الأكاديمية السويدية في بيان لها أن موديانو كرم بفضل "فن الذاكرة الذي عالج من خلاله المصائر الإنسانية الأكثر عصيانا على الفهم وكشف عالم الاحتلال". ، و عندما علم موديانو بنبأ فوزه سر كثيرا و لكنه مازال لا يصدق أنه حصل على جائزة نوبل . وليد الحرب العالمية الثانية موديانو "وليد الحرب العالمية الثانية " ، معاناته سطرت اسمه بين كبار الكتاب ، ولد موديانو بعد شهرين من الحرب العالمية الثانية في ال 30 من يوليو لعام 1945 بغرب باريس ، و قال موديانو عن ذلك :" هذة هى التربة التى ترعرت فيها " . ولد الروائى الفرنسى لأب من أصول يهودية إيطالية وأم بلجيكية "مُمثلة" عرفت باسم لويزا كولبين، التقا والداه أثناء الحرب العالمية الثانية بباريس ، و تزوجا ، و لكن الطفل موديانو لم يحظى بطفولة سعيدة ، و انعكست عذابات موديانو الشخصية على كتاباته ، فعانى من غياب الأب فى طفولته ، هذا الأب الذى طالما أحيط بهالة من الغموض ، و كان على علاقة بعصابات المافيا ، ولأسباب سياسية بقي هذا الأب متوارياً طوال حياته . ويحكي الابن الروائي عن اللقاءات الغريبة التى جمعته مع والده في الأمكنة العامة لعدم إثارة الشبهات ، فكان يلتقى به في أحد المقاهي أو إحدى محطات المترو كأى انسان غريب يتبادل معه بعض الكلمات القليلة ، و فى أحد المواقف التى يرويها عن والده قال عندما طلبت منه ذات مرة إقراضى المال ، أبلغ عنى الشرطة ، و عند صدور روايته الأولى " ساحة النجمة " ثار غضب والده كثيرا و اشترى الكثير من النسخ لمنع انتشارها ، لأنها تحكى عن يهودى خائن تعاون مع العدو فى الحرب العالمية الثانية ، تلك الرواية التى أعدتها ألمانيا " معلم أساسى " عن " الهولوكوست " . قرر الابن أخيراً وضع نهاية لهذه العذابات وفي السابعة عشرة من عمره وبعد لقاء شديد الغرابة والقسوة جمعه بوالده ، قرر انه سيكون اللقاء الأخير، وبعد سنوات سمع بموته في ظروف غامضة وهو حتى اليوم لا يعرف أين دُفن والده، هذا الوالد الذي كان محور روايات باتريك موديانو والذي صار بطلاً بين أبطاله . أما عن أمه فكانت كثيرة الترحال ووصفها قائلا " قلبها باردا كالموت " ، مما جعله أكثر قربا لأخيه الأصغر " رودى " الذى توفى و هو فى العاشرة من عمره بسبب اللوكيميا ، فعرف موديانو معنى الخسارة و هو مازال شابا صغيرا ، و قد أهدى كافة أعماله من عام 1967 إلى 1982 لأخيه . و يقول موديانو عن هذة المرحلة الصعبة فى حياته : لم أستطع أن اكتب سيرة ذاتية ، لذا سميت كتابى " مسألة نسب " هذا الكتاب لا يتحدث بشكل أساسى عنى ، بل أكثر عما فعله أهلى بى " . صندوق الذاكرة تتمحور روايات الروائى الفرنسى عن الأشخاص الذين يبحثون عن جذورهم الضائعة ، فهو يرى أن الحياة عبارة عن مجموعة من الصور القديمة فى صندوق الذاكرة ، يحيط دوما أعماله بالألغاز و الغموض ، فهو دوما فى حالة بحث عن الهوية و الذاكرة و الزمن و ما يتركه فينا إحساس الفقد من الآلام ، كما تركت الحرب و اليهودية و الهولوكوست و مساوئ الاحتلال بصمتها على أعماله . الكاتب البالغ من العمر 69 عاما ، مشهور بشكل كبير فى فرنسا ، و لكنه غير معروف بشكل كبير حول العالم ، رغم ترجمة أعماله إلى 36 لغة ، يعود الفضل لدخول مديانو لعالم الأدب فى سن صغير إلى صديق والدته الكاتب" Raymond Queneau " ، الذى عرفه بدار جاليمار ، و هو مازال فى العشرينات من عمره ليصدر أول رواية له و هو فى الثالثة و العشرون من عمره و هى رواية " ساحة النجمة " . موديانو له أكثر من 20 رواية بالإضافة لعدد من سيناريوهات الأفلام و كتب الأطفال ، و لعل أكثر رواياته شهرة " Missing Person " 1978 ، و هى تدور حول محقق فقد ذاكرته و يجاهد لاستعادتها ، و قضيته الأخيرة اكتشاف " من هو ؟" و فى روايته " ""Dora Bruder" تدور حول تحقيق فى اختفاء فتاة يهودية عام 1941 وقت الحرب العالمية الثانية ، و روايته "Out of the Dark," عن عشيقة سابقة تغير اسمها و تنكر معرفتها التامة بمن تحب ، و رواية " الأفق " تعرض لبطلان في العشرينات من العمر يشعران بالضياع وسط العاصمة باريس في مرحلة قلقة وماضية وهي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية . معظم رواياته تدور في الأزقة بين المصابيح والمحلات القديمة بحيث يمكن تسميته ب"روائي الأزقة"! ، وقال الروائى الفرنسى "انه لم ينسى أسماء الشوارع وأرقام المبانى. انها طريقه لمحاربة اللامبالاة ومجهولية المدن الكبيرة، وربما أيضا ضد شكوك الحياة " و فى مقابلة للكاتب مع صجيفة " فرنسا اليوم " قال " لم أتخيل لنفسى عمل سوى الكتابة " ، و أضاف :" لا أحبذ قراءة أعمالى الأولية ، ليس لأنها لا تعجبنى ، و لكن لأنى لم أعد أتعرف على نفسى فيها شعرت أنى كنت فى تلك الفترة كمن يختنق و لا يستطيع التنفس ، أظن أننى أصبحت أكثر نضجا " و تابع قائلا : "أحلم دوما بأننى لم يعد على الكتابة و أنى تحررت ، و لكنى لم أتحرر ، مازلت أكتب فى نفس الدائرة التى أشعر أنها أبدا لن تكتمل " . مقولات باتريك موديانو : " لا أحب الحديث كثيراً. فأنا أدهش من هؤلاء الناس الذين يجيدون الكلام. " "عندما نكتب فإننا نضطر أن نقوم بدور المشاهد والمستمع. وأنا لا أقول المتلصص. ولكن يمكن أن نلمس الواقع كى يمكننا أن نراقب وأن نعيش فى الأجواء. وذلك بدلاً من أن نرتبك عندما نضطر أن نقوم بدورنا." " أظن أننا لا نزال نسمع فى مداخل البيوت أصداء خطوات الذين سبقونا فى عبوره ، والذين اختفوا بعد ذلك. إن شيئاً يستمر فى الاهتزاز بعد مرورهم .. موجات تزداد ضعفاً شيئاً فشيئاً ، ولكننا نحس بها إذا انتبهنا جيداً."