عادل أبوطالب قضايا وتحديات يدركها العرب أخيرا وكأن ما حدث ويحدث فى العراق وسوريا وليبيا واليمن فى قارة أخرى بعيدة كل البعد عن منطقتنا، بعد أن تم اختزال التحديات التى تواجهها المنطقة فى خطر أساسى شكله ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش». وبات الجميع فى حاجة إلى أجندة غير عادية لمواجهته، فيما رأى آخرون أن الأمر لا يعدو أن يكون مصيدة وفخا جديدا للتآمر على المنطقة، ربما يدخلها فى دوامة أو متاهة يعلم الله متى وكيف ستخرج منها. الصورة فى مضمونها عبر عنها الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى جلسة مغلقة خلت من الصحفيين ورجال الإعلام، وصف فيها داعش بأنها صناعة أمريكية، فى إشارة ضمنية إلى اختلاف الرؤى السياسية بشكل يوحى بالرغبة فى ربط الصورة بالقاعدة، وهى أيضا صناعة أمريكية وربما تدخل حماس فى الإطار الذى فتح عليها النار خلال الجلسة، وقال إنها استولت على المساعدات وشكلت ميليشيات وأفشلت حكومة الوفاق وأدارت القطاع عبر حكومة ظل. وأكد أن الشعب الفلسطينى يتحمل تكلفة إقامة زعيم الحركة خالد مشعل فى الخارج. هكذا بدت مناقشات وكلمات الجلسة الافتتاحية التى شهدها مقر جامعة الدول العربية فى دورته الحالية رقم 142، وبات الوضع فى حاجة إلى آليات جديدة غير التقليدية التى اعتاد العرب على مواجهة قضاياهم بها. أسفرت عن غطاء عربى شامل لاتخاذ جميع الإجراءات لمواجهة إرهاب داعش بقرار انتهى إليه وزراء الخارجية العرب فى جلسة ساخنة ومطولة لم يقطعها سوى غداء داخل القاعة تكفلت به موريتانا بوجبة سريعة أشبه بوجبات "التيك آواى" تناولتها الوفود أثناء سير عمل الجلسات المغلقة. وجاء قرار وزراء الخارجية العرب قبل إعلان الرئيس الأمريكى باراك أوباما عن خطة واضحة للشق الإقليمى من التحالف الدولى لموجهة داعش بأيام قليلة، إذ جاء القرار قبل ثلاثة أيام من إعلان الخطة التى كشفت عنها الإدارة الأمريكية الأربعاء الماضى، وهو ما كان محلا وسببا لخلاف دار على الهامش، وخلال مناقشات الدورة العادية لوزراء الخارجية العرب . وكان مجلس جامعة الدول العربية، قد دعا إلى وضع إستراتيجيات وطنية وإقليمية لمواجهة التنظيمات "الإرهابية" خصوصا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وأعرب المجلس فى قرار له عن إدانته لأعمال الإرهاب التى تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية وتقويض كيانات بعض الدول العربية وتهديد أمنها وسلامة أراضيها ودعمه لجهود الدول العربية فيما يتخذ من تدابير لمواجهة الهجمات الإرهابية، والتصدى لكل من يقف وراءها أو يدعمها أو يحرض عليها. وأدان جميع "الأعمال الإرهابية" التى تستهدف العراق وتقوم بها التنظيمات الإرهابية لاسيما (داعش) من جرائم وانتهاكات ضد المدنيين العراقيين. وأكد ضرورة منع الإرهابيين من الاستفادة بشكل مباشر أو غير مباشر من أموال الفدية والتنازلات السياسية مقابل إطلاق سراح الرهائن تنفيذا لقرارات مجلس الجامعة وقرار مجلس الأمن رقم 2133 فى هذا الشأن، مع التشديد على رفض ربط الإرهاب بأى دين أو جنسية أو حضارة بجانب تعزيز الحوار والتسامح والتفاهم بين الحضارات والثقافات والشعوب. ودعا الدول العربية التى لم توقع أو تصادق على الاتفاقيات العربية فى مجال التعاون الأمنى والقضائى إلى أن تبادر إلى ذلك بأسرع وقت ممكن، وبخاصة تلك الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب.كما دعا الدول العربية إلى المصادقة على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وتطبيق بنودها دون إبطاء، وتفعيل الآلية التنفيذية للاتفاقية. وطالب جميع الدول العربية بتكثيف تبادل المعلومات عن الوقائع المتصلة بالإرهاب حسب الحاجة، ومواصلة الجهود لإنشاء شبكة للتعاون القضائى العربى فى مجال مكافحة الإرهاب. وحث الدول العربية على وضع إستراتيجيات وطنية وإقليمية للوقاية من الإرهاب. ورحب باقتراح مصر بعقد اجتماع مشترك لمجلسى وزراء العدل والداخلية العرب لتفعيل الاتفاقيات الأمنية والقضائية العربية، ودعوة الجهات المعنية فى الدول العربية إلى المشاركة بكثافة فى هذا المؤتمر. من واقع القرار يبدو أن العرب أقروا أجندة مفتوحة وشاملة لمواجهة الإرهاب، وهو ما كان محل جدل كشفت عنه مصادر عربية شاركت فى الجلسات التشاورية والمغلقة، لاجتماعات الدورة ل «الأهرام العربى» ودار فى الاجتماع التشاورى الذى انعقد قبل انطلاق أعمال الدورة العادية بساعات، وكان سببا فى تأخرها لأكثر من ساعتين. كما شهدت الكواليس خلافا فى وجهات النظر حول أسلوب التعاطى مع الوضع الحالى الذى يتشكل فية تحالف دولى لمواجهة داعش، وبات الخلاف ينصب حول سؤال رئيسى مفاده، أنه إذا كانت الولاياتالمتحدة ليست لديها حتى الآن إستراتيجية واضحة وبشهادة أصدقائها وربما حلفائها الأوروبيين أنفسهم للتعاطى مع خطر داعش، فكيف هو موقف العرب وهم مطالبون بالمشاركة فيه بدور أخطر وعلى الأرض؟ الحقائق تشير إلى أن الرئيس الأمريكى كان واضحا فى الشق الدولى من إستراتيجيته بأن مشاركته هو وحلفاءه الأوروبيين ستكون بضربات جوية، بينما العبء الأكبر ربما يقع على الدول الإقليمية، وهو فى ذلك كان دائما ما يردد قوله للدول الإقليمية، السعودية وإيران ومصر والأردن خاصة، ويقول: إن «الدولة الإسلامية» تشكل الخطر الأكبر على بلدانكم وأنظمة حكمكم، لذلك عليكم أن تلعبوا الدور الأكبر فى عملية التصدى لها، وإنهاء خطرها، وهى عملية مزدوجة ومتكاملة، الشق البرى من مسئوليتكم، والشق الجوى من مهامنا. وتكشف المصادر ذاتها أن الاجتماع سبقه ضغط أمريكى متواصل، مارسه جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى على أطراف عديدة مشاركة فى الاجتماع من أجل الانتهاء إلى مساندة عربية لتحالفهم ضد داعش. وتحول الاجتماع الوزارى الذى أغفل العديد من القضايا الملحة على أجندته ربما لعدم وجود أى جديد إلى البحث عن دور للجامعة العربية، وربما الإقليمى فى التعاطى مع التحالف المعلن عنه أخيرا لمواجهة التنظيمات، التى وصفها نبيل العربى بأنها مواجهة شاملة. العربى لم يفته أن يربط الوضع الحالى بتحدى تطوير الجامعة العربية، وربما وجدها فرصة للضغط فى ملف لم يتم فيه أى إنجاز منذ طرحه منذ أكثر من عشر سنوات، حيث قال: إن الجامعة العربية أصبحت عاجزة عن حل القضايا العربية، لعدم التزام الدول الأعضاء بالتوصيات التى تخرج عنها، وأنها لا تعمل بكفاءة لحل تفاقم الأزمات بالمنطقة، مشددًا على أن التنظيمات الإرهابية أصبحت تمثل خطرا كبيرا على المنطقة بكاملها. وبالتالى كان الرابط بين تطوير ميثاق جامعة الدول العربية استنادا لاتفاقية الدفاع المشترك والتوصل إلى أجندة عربية لمواجهة خطر الإرهاب وسط أجواء ربما تسمح بالاستجابة. برغم ذلك ثارت الخلافات بين الوزراء حول ملف الإصلاح، وشهدت الجسلة المغلقة مشادة حادة بين وزيرى الخارجية الفلسطينى والسودانى حول المحكمة الجنائية وجرائم الحرب على خلفية موقف الرئيس السودانى عمر البشير المعروف من القضية. وقال مصدر مسئول بالجامعة ل «الأهرام العربى» إن خلافا آخر نشب حول جدوى العديد من مكاتب الجامعة العربية فى الخارج، وأن هناك الكثير منها لم يعد له أهمية باستثناء مكاتب الجامعة الموجودة فى الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن. أخيرا لقد بات السؤال بعد قرار الجامعة العربية هو، فى كيفية التوافق على حلف إقليمى إلى جانب التحالف الدولى بين دول ربما تجمعها خلافات عديدة يصعب معها مسمى تحالف، مثل المملكة العربية السعودية وإيران والأردن وتركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر وقطر، فالعلاقات بين معظم هذه الدول متوترة، وخاصة بين السعودية وإيران، وبين السعودية وتركيا، وبين السعودية وقطر، وبين مصر وتركيا برغم كونها عضوا فى حلف الناتو، وأنها محسوبة على الشق الغربى فى التحالف ضد «الدولة الإسلامية»، وليس فى إطار الحلف الإقليمى. كما باتت حسابات المواقف فى التعاطى مع الوضع القادم تتطلب الكثير من المراجعات والتنسيق العميقين، حتى تكون الصورة واضحة فى شأن حالة استثنائية ربما تكون الخبرة التاريخية فيها مطلوبة فقط للعبرة حتى لا نواجه خطرا بخطر آخر ربما لا يكون فى الحسبان.