حسناء الجريسي تخيلوا كيلو الجميز أصبح ب 18جنيهاً، أي ضعفي ثمن كيلو التين البرشومي، الذي كان يعرف قديما بفاكهة الأغنياء، بينما الجميز فاكهة الفقراء، اليوم اختلف الأمر والسبب في ذلك يرجع لندرة أشجاره، بل الأدهي من ذلك أنه لا يصنف ضمن أشجار الفاكهة، لكنه يتبع فصيلة أشجار الزينة، هذا ما دفعني للعودة بذاكرتي للوراء، واسترجاع أيام الطفولة، عندما كنت أجد شجرة الجميز بجانب شجرة التوت مزروعة علي الترع، وعلي رأس كل حقل والتي كانت المكان المفضل للفلاحين للاستراحة تحتها وقت الظهيرة من عناء العمل في "الغيط" وكانت السيدات يحملن مشنات الجميز ويتجولن بها في شوارع القرية لبيعه ليس بالكيلو وإنما الخمس جميزات كانت" بربع جنيه"، فهو في الشكل يشبه التين، لكنه أقل حلاوة نظرا لأن نسبة السكريات به قليلة ما يجعله الفاكهة المفضلة لمرضي السكر والباحثين عن الرشاقة "الريجيم "، لكن مع دوران عجلة الزمان وتبدل الأحوال أصبح من الفواكه النادرة والسبب في ذلك ظهور العديد من الفواكه الجديدة التي حلت محل العديد من الفاكهة القديمة، بل أصبحت ذات عائد اقتصادي مربح ما جعل الفلاح يعزف عن زراعة هذه الأشجار، كما أن ندرته أدت إلي زيادة أسعاره، لذلك قررنا البحث عن الأسباب الحقيقية وراء اختفاء شجرة الجميز عند المتخصصين في مجال البحوث الزراعية. تحقيق حسناء الجريسي قبل أن نتطرق لأسباب ندرة الجميز لابد أن نشير إلي أن شجرة الجميز ترجع إلي زمن الفراعنة، فهي من الأشجار التي كانت مقدسة عندهم، وهذا ما تؤكده النقوش والرسوم الموجودة علي جدران المعابد وبالأخص علي مقبرة الأميرة "تيتي"، كما وجدت سلال من الجميز في توابيت موتاهم، ومن المعروف أن الملكة "أوزوريس" دفنت بتابوت من خشب الجميز، وكان يعد من أفضل أنواع الفاكهة عند الفراعنة، فكانوا يعالجون به العديد من الأمراض الجلدية وأمراض الكبد نظرا لاحتوائه علي العديد من العناصر الغذائية. وتعد شجرة الجميز أحد أنواع السيكامورا وهي من الأشجار المثمرة موطنها الأصلي الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وجنوب الجزيرة العربية، وكان يطلق عليها شجرة الرقاق، وفي بعض الأماكن شجرة الثالق أو الأبرا، وهي من الأشجار المعمرة التي يصل طولها إلي حوالي 8 أمتار، فهي من الأشجار دائمة الخضرة الظليلة. وقديما كانت تستخدم المادة الهلامية أو المخاطية التي تتميز بها الثمرة لعلاج الحساسية الناتجة من وخز الجسم بأشواك النبات، كما كان يستخدم مسحوق خشب الساق معجونا مع الدقيق علي هيئة عصيدة تؤكل لعلاج "الماليخوليا(مرض سوء الظن والخوف). محصول غير اقتصادي وترجع د. ماجدة، خطاب أستاذ الفاكهة بجامعة القاهرة أسباب اختفاء شجرة الجميز إلي أنها تحتاج إلي التلقيح الصناعي، وذلك يتم عن طريق دخول الحشرة بداخل الثمرة، بحيث يتم تلقيح كل واحدة علي حدة، مما يحتاج إلي أيد عاملة كثيرة وهذه العملية في حد ذاتها مكلفة للغاية، لذلك يضطر المزارع إلي زراعة الأنواع السهلة والبسيطة من الفاكهة، ويبتعد عن كل ما تواجهه في زراعته صعوبة. وتضيف، هذا فضلا علي أن شجرة الجميز تثمر بعد فترات طويلة مثلها مثل شجرة البرقوق، الذي يحتاج أن تتم زراعته في درجات البرودة العالية،كما أن الأمراض التي التي تصيبهم والتي تحتاج إلي برنامج قوي للعلاج تعد سببا قويا لعزوف المزارع عن زراعتهم. وتنوه د. خطاب إلي أن عمل دراسة جدوي لأي محصول هي أحد الأسباب العزوف علي زراعته، فالمزارع دائما يهتم بحساب (التكلفة +البيع + العائد) وعن طريقة زراعة شجرة الجميز تقول، يتم اكسارها خضريا عن طريق العقلة ويمكن بالبذرة مباشرة بعد النضج، فأقدم شجرة جميز في مصر توجد في منطقة المطرية، وتعرف باسم شجرة مريم العذراء، وهي معمرة وتتحمل التعرض لأشعة الشمس الشديدة والرطوبة العالية وكان قدماء المصريين يستخدمون أخشابها في صناعة التماثيل وكانت تستخدم في عهد محمد علي كقواعد للمدافع، وتلفت النظر إلي أنها تتوافر بها العديد من العناصر الغذائية، فهي تحتوي علي مادة الزنك التي تساعد علي تقوية جهاز المناعة عن الإنسان ولها القدرة علي معالجة فقدان الشهية والتئام الجروح وأوراقها المجففة تعد غذاء مفيدا للماعز والأغنام. ومن ناحيته يبين د. نادر نور الدين، أستاذ الزراعة بجامعة القاهرة، أن أغلب المزارعين يرون أن شجرة الجميز غير اقتصادية، فمحصولها رخيص لذلك فالمزارع يفضل زراعة النخيل بدلا منها، وذلك لأن النخلة محصولها يعود عليه بالنفع ماديا فهي تعطيه 1200 جنيه، هذا فضلا علي أنه لم يكن الطلب عليه كثيرا، فالجيل الحالي لا يعرف شيئا عن هذا المحصول، ويلفت د. نور الدين إلي أن الظروف الاقتصادية تلعب سببا رئيسا في تواجد محصول واختفاء آخر كما يحدث مع الفول والعدس الذي نستورد 70% منهما وذلك لأن الأصناف البلدية بدأت تتدهور، كذلك عدم وجود أموال تصرف علي زراعة مثل هذه المحاصيل المكلفة، والتي لم تعط للمزارع بعد زراعتها حق تكاليف الأرض، ويضيف د. نور الدين أيضا من ضمن عدم اتجاه المزارع لزراعة الجميز عدم إقبال المشتري عليه بشكل يدفعه للاهتمام بزراعته، فضلا عن ظهور أنواع أخري من الفاكهة التي أصبحت تتطور باستمرار وبالإضافة لوجود أنواع جديدة منها مثل النكترين و المانجو، والعنب والقشطة والكاكا والكيوي، وبالتالي اختفت شجرة حب العزيز واللارنج وذلك لأن الفكر الاقتصادي يسيطر بشكل كبير علي الفلاح، ولافتا النظر إلي أن ظهور التين البرشومي، يغني عن البحث عن الجميز، فكان معروفاً قديما أن التين هو فاكهة الأغنياء والجميز فاكهة الفقراء. نباتات الزينة ويتفق معه الرأي د.أحمد توفيق، أستاذ البساتين بكلية الزراعة جامعة عين شمس قائلا: المنتج يبحث دائما عن الفاكهة التي تجلب له عائدا اقتصاديا مرضيا، كما أن التوسع في زراعة الأراضي الصحراوية كان سببا في ظهور أنواع جديدة من الفاكهة واختفاء البعض الآخر، شجرة الجميز كانت ثانوية تزرع علي الترع في الريف ومحصولها غير اقتصادي، الآن بمجرد زراعة هذه الشجرة علي الترع تموت وذلك نظرا للمياه الملوثة، لافتا النظر إلي أن شجرة الجميز تعد من أشجار الزينة مثلها مثل التين الشوكي. ويشير د. توفيق نحن ينقصنا الكثير عن السياسة الزراعية، فلابد من عمل خريطة زراعية توضح أنواع المزروعات والفواكه في كل منطقة بدلا من وجود كل الزراعات في حديقة واحدة، بحيث تتم زراعة كل محصول في الأرض المخصصة له. ويشاركه الرأي د. مجدي صابر، أستاذ بقسم أمراض النبات بكلية الزراعة جامعة القاهرة قائلا: شجرة الجميز كانت تزرع للزينة لكنها تطرح ثمرة، كانت تزرعها المجالس المحلية علي شواطئ الترع للظل وكان الفلاحين يسترحون تحتها وقت الظهيرة نظرا لعناء العمل في الحقل، لكن اختفت الآن نظرا لردم الترع والبناء علي الأراضي الزراعية، هذا فضلا عن وجود أشجار التين الذي يتميز بأنه أكثر حلاوة عن الجميز وبه نفس فوائده لافتا النظر إلي أنها شجرة تتحمل الأمراض وجذوعها قوية، فالأشجار القديمة منها طرحها جيد. بينما ترجع د.سماح عبد الجواد، باحثة بمركز البحوث الزراعية اختفاء شجرة الجميز إلي أن الهندسة الوراثية تلعب دورا كبيرا، أيضا استخدام المواد الكيمائية أضر بالتربة مما أدي إلي عدم وجود الأنواع الأصلية من النباتات، هذا فضلا عن عدم الاهتمام بالتربة الزراعية والمحافظة علي النوع النباتي، وتقول لذلك لابد من عمل تحليل "دي.إن.أيه" وعمل بنك لحفظ الجينات بحيث يتم عمل بصمات وراثية لكل الأنواع النباتية والاحتفاظ بها في بنك الجينات مما يساعد علي حفظ النوع، والكشف عن الفيروسات النباتية مما يجعل فرصة العلاج تتم بشكل سريع. وعن فائدة الجميز يقول د. مجدي نزيه، أستاذ التغذية بالمعهد القومي للتغذية يستخدم لبن الجميز في علاج العديد من الأمراض الجلدية مثل مرض الصدفية، فهو يحتوي علي العديد من المضادات الحيوية وهذا ما أكدته البحوث والدراسات الحديثة، كما يساعد علي التئام الجروح وإبادة الجراثيم التي تصيب معدة الإنسان، كما يستخدم كملين ومنبه جيد للمعدة والأمعاء فهو طارد جيد للغازات ويعمل علي علاج التهابات اللثة ومطهر، ولعلاج النزلات المعوية وانتفاخات البطن، ويلفت د. نزية النظر إلي أن أكل ثمار الجميز علي الريق يعالج الإمساك بحيث يتناول الفرد كوبا من العصير كما أن مضغه لأطول فترة ممكنة في الفم يساعد في علاج التهابات وترهلات اللثة، كما يستخدم لخفض ضغط الدم المرتفع وتنشيط الجهاز العصبي المركزي.