أحمد السيوفى على طريقة حياكة السجاد والتى تتطلب صبرا كبيرا ومهارة فى صناعة العقد أو فك العقد، نجحت الدبلوماسية الإيرانية بعد 19 جولة مباحثات على مدار عشر سنوات بتحقيق نصر سياسى واقتصادى كبير فى مفاوضات جنيف مع مجموعة «خمسة + واحد» والتى أبرم بمقتضاها اتفاق بين الطرفين، الأمر الذى دعا وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى كاثرين آشتون وبجوارها وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، لكى تقول: توصلنا إلى اتفاق على خطة عمل، الغريب أن كل الأطراف خرجت من الاتفاق بالشعور بالنصر، وبالتأكيد هناك ما يبرر هذا الشعور ولعل قراءة النص الأمريكى لنتائج المباحثات تكشف بالفعل عن طبيعة الإنجاز لأن بعض الأطراف الأخرى بالغت فى النتائج إيجابا وسلبا، والنص الأمريكى يكشف بجلاء أن إيران قبلت بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 5 % بدلا من 20 % وتفكيك العملية التقنية التى ترفع نسبة التخصيب عن 5 % ( بمعنى التحكم فى نوعية وكيفية أجهزة الطرد المركزى) وكذلك التخلص من كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 20 % ( النص الإيرانى أكد أن هذه الكمية سيتم استخدامها كوقود لمفاعل طهران التعليمى). كذلك الامتناع عن صناعة أجهزة الطرد المركزى بشكل جديد وتعطيل نحو نصف أجهزة الطرد فى منشأة ناتانز وثلاثة أرباع أجهزة الطرد فى مفاعل فردو، وكذلك تمتنع إيران عن تشييد أى منشآت نووية جديدة، وكذلك وقف العمل بمفاعل أراك الذى ينتج البلوتنيوم ومعروف أن البلوتنيوم يقود إلى الإنتاج العسكرى، وكذلك وافقت إيران على التفتيش الدقيق لمنشآتها ودخول مناجم اليورانيوم ومحطات تجهيزه، وفى المقابل وطبقا للنص الأمريكى أيضا فإنه سيتم تخفيف العقوبات وتصل قيمته نحو 7 مليارات دولار وتلتزم الدول الست (5+1) بالامتناع عن تشديد العقوبات أو فرض عقوبات جديدة فى فترة الستة أشهر المقررة لهذا الاتفاق الأولى، كما تجمد بعض العقوبات على الذهب والمعادن النفيسة وقطاع السيارات والصادرات البتروكمياوية بما يتيح لإيران إيرادات بنحو 1.5 مليار دولار والسماح بتحويل مبلغ 4.2 مليار دولار من مبيعات النفط الخاضع للعقوبات. إضافة لما سبق فإن الكلمة التى أطل بها الرئيس الإيرانى الدكتور حسن روحانى إلى الشعب الإيرانى أكد فيها أن إيران حققت مكاسب كبرى أهمها اعتراف المجتمع الدولى بإيران كعضو فى النادى النووى الدولى، وكذلك فإن إيران ستقوم بالتخصيب فى كل منشآتها النووية، وكذلك سيتم رفع العقوبات والحصار الاقتصادى بشكل تدريجى. والقراءة للنص الأمريكى والتصريحات الإيرانية يكشف مدى رضا كل الأطراف لهذا الاتفاق بما فى ذلك أيضا الطرف الفرنسى الذى كان متبنيا للموقف الصهيونى، وكان يعوق التوصل لاتفاق، حيث إن الغرب والقوى الدولية ترى أنه بمقتضى هذا الاتفاق لن تصل إيران بأى حال من الأحوال إلى الإنتاج النووى العسكرى لأن الوصول إلى الإنتاج العسكرى يحتم وصول نسبة التخصيب إلى 90 % وبأشكال معينة من أجهزة الطرد المركزى، وهذا مستحيل فى ظل القيود التى وضعت على الإنتاج وكذلك تفعيل التفتيش الفجائى والدائم للخبراء على المنشآت النووية، والذى كان منصوصا عليه من قبل فى البروتوكول الإضافى الذى رفض البرلمان الإيرانى التوقيع عليه بسبب التوظيف السياسى للملف النووى حسب المسئولين الإيرانين، وحسب معلوماتنا فإن إيران لا تسعى لتحويل برنامجها النووى إلى برنامج عسكرى ولهذا فهى غير قلقة على الإطلاق من كل هذه الإجراءات، وإنما هى نجحت فى رفع نسبة التخصيب حتى إذا كان هناك تفاوض مع القوى الدولية يتم التوصل إلى النتيجة التى تسعى إليها وهى نسبة التخصيب التى تمكنها من ممارسة الأنشطة النووية السلمية، ولكن يبقى السؤال المهم لماذا تأخر هذا الاتفاق كل هذه السنوات العشر، هناك بالطبع أسباب أدت لتأخر هذا الاتفاق، منها فشل توجيه ضربة عسكرية لإيران بسبب قدرات إيران العسكرية الضخمة ولأسباب أخرى، وكذلك فشل الحصار الاقتصادى فى إسقاط النظام الإيرانى وكذلك فشل الحصار فى إيقاف دورة الوقود النووى، هذا من جانب الغرب ومن جانب إيران فإنها كانت تشعر فى السابق بل تأكدت فى أحيان كثيرة أن الغرب يوظف هذا الملف توظيفا سياسيا واستخباريا، ففى مرات عديدة كان يطلب معلومات عن بعض العلماء النوويين ثم يتم اغتيالهم بعد الحصول على المعلومات، وكذلك يطلب الغرب مطالب تثير الشبهات لدى الإيرانيين مثل طلب معلومات عن موقع بارشين وهو موقع عسكرى وليس منشأة نووية، لكل هذه الأسباب كانت الحوارات السابقة فاشلة، أما هذه المرة فيبدو أن الجميع كان جادا للتوصل إلى نتائج الأمريكان تحديدا لم يعودوا قادرين اقتصاديا بالدخول فى صراعات دولية بسبب ظروفهم الاقتصادية، كما أن خروج الشركات الأمريكية الكبرى من إيران تسبب فى خسائر اقتصادية لهذه الشركات التى حلت محلها أخرى صينية وروسية، كما أن الرئيس أوباما فى دورته الرئاسية الثانية لا يخضع لابتزاز القوى الصهيونية، وبالتالى كان لابد أن يحقق هذا الإنجاز الكبير وفى نفس الوقت يضع الضمانات التى تمنع انحراف البرنامج النووى الإيرانى إلى الإنتاج العسكرى، لكل هذا نجحت المفاوضات هذه المرة ولكل هذا شعر الجميع بالرضا والنصر.