صلاح غراب ظلت القضية الفلسطينية حينا من الدهر، وردحا من الزمن، هى قضية العرب الإقليمية المركزية، وهمهم الهميم، وشغلهم الشاغل، ولكن مع هبوب رياح التغيير، وإطلالة الربيع العربى، ومع صعود تيار الإسلام السياسى- خصوصا الإخوان المسلمين - إلى سدة الحكم فى أكثر من دولة عربية، وفى القلب منها مصر، تبدلت الأولويات، وتغيرت السياسات، لتصبح القضية الفلسطينية فى مؤخرة القضايا على الأجندة العربية، جراء تعثر الثورات، وانشغال كل دولة بمشاكلها الداخلية، تجتر أحزانها وآلامها، وانكفاء كل شعب على نفسه، يواجه تحدياته، ويحقق طموحاته. المفارقة اللافتة للأنظار، والملاحظة الخاطفة للأبصار، أن قضية فلسطين تراجع الاهتمام بها، فى ظل حكم الإخوان المسلمين فى مصر الذى أطيح به، والذين من أدبياتهم القضاء على اليهود، ودخول المسجد الأقصى تحت رايات الإيمان، وصيحات التكبير. ولذلك، كان هذا الحوار مع د. سمير غطاس، الخبير فى الشئون الفلسطينية، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، مدير مركز مقدس للدراسات الإستراتيجية. يراقب المحللون تراجعا فى شعبية حماس، وازديادا فى شعبية فتح والرئيس أبو مازن.. ما السبب؟ هناك قراءة خاطئة لنتيجة الانتخابات التى حدثت فى 2006 برغم فوز حماس، وكانت انتخابات نزيهة شهدت بها حماس نفسها، وبعد أن استأثرت حماس بالحكم منفردة، رفضت أن تدخل فى ائتلاف حكومى نتيجة رفضها لمسألتين، هما التسليم بأن منظمة التحرير هى الممثل الوحيد والشرعى للشعب الفلسطينى، والاعتراف بحقوق المرأة وتطويرها، مما دفع حماس إلى أن تستأثر بالحكم وحدها منذ 2006 وحتى الآن. إذن، ما أدى إلى تراجع حركة حماس أنها كانت تقدم نفسها للجمهور الفلسطينى والعربى على أنها حركة مقاومة. والحقيقة أنه حصل تراجع شديد فى مسألة المقاومة، إلى حد أن حركة حماس، منذ 2006 فصاعدا، لم تطلق صاروخا واحدا على إسرائيل، منذ قيامها باغتيال الخمسة المؤسسين لحركة حماس الأساسيين، وهم إبراهيم المقادمة، وكان طبيبا ومسئولا عن التنظيم الخاص داخل حركة حماس، وإسماعيل أبو شنب، مسئول التنظيم فى حركة حماس، وصلاح شحادة، القائد العسكرى لقوات القسام، والشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة الإخوان المسلمين وحركة حماس داخل قطاع غزة، وعبدالعزيز الرنتيسى، الرجل القوى داخل حركة حماس. عقب اغتيال هؤلاء الخمسة، دائما ما كنا نسمع شعارات وبيانات من حركة حماس أنه إذا مُست شعرة من الشيخ أحمد ياسين - وهو المؤسس والرمز والقائد - فإنه لن يبقى فى إسرائيل يهودى واحد، وأن على الإسرائيليين أن يحزموا حقائبهم ويرحلوا، وإلا فستُحرق الأرض من تحت أقدام الاحتلال، وأتحدى –وأنا لا أحب أن أستخدم تعبيراً أتحدى - أنه لم تجر مجرد محاولة فاشلة للرد على عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وهذا ما أدى إلى انتقاص شديد من رصيد حركة حماس لدى جمهورها العربى. وما السبب فى ذلك؟ السبب أن قيادة حماس الجديدة، ممثلة فى المكتب السياسى والسيد خالد مشعل -كما قال شارون فى ذلك الوقت - تم سحب بوليصة التأمين منها. وليست مصادفة دخول حماس، بعد اغتيال هؤلاء الخمسة التاريخيين، إلى اللعبة السياسية بشروط أوسلو التى رفضتها فى السابق. وكان الشهيد ياسر عرفات قد دعا حركة حماس إلى الدخول فى اللعبة الانتخابية، وكان ردها أنها لا تقبل الدخول فى عملية سياسية مترتبة على اتفاقية أوسلو التى ترفضها شكلا ومضمونا، وكانت تنعت الحكم الذاتى بأنه الحكم الذاتى. إذن، قبلت حماس ما كانت ترفضه فى السابق، وقبلت الدخول فى العملية السياسية على شروط أوسلو، فقبلت بالشروط نفسها تحت الاحتلال، ومع ذلك رحب الجميع. ما حصل بعد ذلك هو أن حركة المقاومة حماس بدأت فى التراجع التدريجى عن مسألة المقاومة، لأنها كانت تتلقى فى كل مرة، عندما تطلق الصواريخ من قطاع غزة، عقابا شديدا، وهى لا تريد أن تكرر ما حصل للخمسة الكبار، لأنها تحولات إلى سلطة، فأصبح الحفاظ على السلطة أهم من المقاومة، وأضحت هناك أولوية للحفاظ على السلطة. لماذا تصر حماس على عدم هدم الأنفاق؟ تتحدث حماس دائما عن الحصار الاقتصادى، هذا صحيح، ولكن الذى يجب ينتبه إليه الشعب المصرى والشعب الفلسطينى أن السلع المصرية المدعومة من دافع الضرائب المصرى ( البنزين - السولار – البوتاجاز- المواد الغذائية) عندما يتم تهريبها عبر الأنفاق، فإن حماس تحصل على %20ضريبة على كل ما يتم تهريبه عبر هذه الأنفاق، وبالتالى يحصل تاجر الجملة - الذى هو فى الغالب حليفا لحماس أو قريبا من أوساطها- على %20 أخرى. ومن ثم، فإن البضائع المدعومة من الموازنة المصرية تصل إلى المستهلك العادى البسيط زيادة على أسعارها %40 ، فتثقل كاهلها. وحسب التقارير الاقتصادية الموثقة، فإن حماس تحصل على مابين 300 و400 مليون دولار سنويا عائدات من تجارة الأنفاق، وليس من التهريب، ومن الضرائب التى تحصلها من البضائع المهربة إلى قطاع غزة. وفى لقاء مع الإعلامى عمرو أديب، قال سامى أبو زهرى، المتحدث الرسمى باسم حركة حماس، إن الرئاسة - أيام محمد مرسى - أبلغتنا بأنها لا توافق على هدم الأنفاق، فمن الذى أعطى سامى أبو زهرى الحق فى التحدث باسم الرئاسة المصرية؟ وهل أبلغته الرئاسة المصرية فعلا بأنها ضد هدم الأنفاق وضد الجيش، أم أنه يقيم خلافا بين الرئاسة والجيش؟ وصمتت مؤسسة الرئاسة على هذا التصريح. إن غزة مفتوحة الآن، ويستطيع أى مواطن مصرى أن يذهب إلى هناك، ويشاهد بأم عينيه مدينة ألعاب مائية فى غزة لا يوجد لها مثيل فى مصر، ومملوكة لأحد الوزراء السابقين فى حركة حماس، كذلك يوجد 800 مليونير فلسطينى أغلبهم من حركة حماس، أو منتمون لها فى قطاع غزة. والدليل على ذلك أن وزيرا سودانيا ذهب إلى غزة. وعندما شرحوا له آثار الحصار الاقتصادى، قال يا ليت السودان يقع تحت حصار اقتصادى مثلما يقع تحته قطاع غزة. كيف ترى إعادة انتخاب خالد مشعل رئيسا للمكتب السياسى لحركة حماس، برغم إعلانه عدم ترشحه مرة أخرى، وما يتردد عن ضغط بعض الأطراف الإقليمية فى هذا الأمر؟ حسب النظام السياسى فى حماس، لا يجوز لرئيس المكتب السياسى أن يتولى أكثر من ولايتين، وهذه هى الولاية الرابعة له. فالأخ رئيس المكتب السياسى لحركة الإخوان المسلمين فى غزة، الذى يدعو إلى تحرير كل فلسطين، ويقول إنها دولة احتلال وعدو، يقيم الآن فى كنف أمير قطر الذى يحتفظ بعلاقات وطيدة علنية مع إسرائيل. أحد انتقادات الدكتور محمود الزهار أنه مقيم فى قطر، والأخطر من ذلك أن أخطر قاعدتين أمريكيتين فى المنطقة موجودتان فى قطر، فكيف يستقيم أن يقيم رئيس حركة تحرير يزعم أنه ضد إسرائيل، وبالتالى ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية، عند أحد حلفاء إسرائيل، وتحت أجنحة سلاح الجو الأمريكى؟ ما الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية فى التعامل مع الجيوش العربية عامة، والجيش المصرى خاصة؟ يوجد لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية ثابتان فى إستراتيجيتها، هما الحفاظ على أمن إسرائيل والنفط، وما عدا ذلك فهو متغير. كانت الولاياتالمتحدة تحقق أمن إسرائيل فى السابق عن طريق عقد الاتفاقيات، ولكن إسرائيل شعرت بأن هذه الاتفاقيات يمكن أن يتم نقضها أو تغييرها بتغير الأنظمة السياسية، وبالتالى فإن هناك إستراتيجية جديدة - منذ عشر سنوات على الأقل - لدى إسرائيل والولاياتالمتحدة، تدعو إلى تفكيك الجيوش العربية بالكامل، حتى ينتهى أى أثر لقدرة العرب على مقاومة إسرائيل، وقد بدأ ذلك بالغزو الأمريكى للعراق، الذى أسفر عن إخراج الجيش العراقى، وتحويله إلى ميليشيا وعدو للشعب العراقى. وقامت الجماعات الموالية لإيران فى العراق، والحرس الثورى الإيرانى بالتدخل فى العراق، وقتل كل الطيارين العراقيين الذين شاركوا فى العرب العراقية- الإيرانية، وإلقاء جثثهم فى المذابل عمدا، وبذلك تخلصت إسرائيل وإيران، لأن المصلحة مشتركة بينهما، من الجيش العراقى الذى أصبح خارج الخدمة. السنياريو العراقى نفسه يطبق الآن على الجيش السورى الذى وُضع فى صراع مع شعبه، ولن تقف الأحداث فى سوريا إلا بعد التدمير النهائى للجيش السورى، وتحويله إلى ميليشيات تحمى النظام المقبل. إن سوريا فى طريقها الآن إلى التقسيم، حيث إن أكراد سوريا يقيمون الآن مناطق حكم ذاتى، ورفضوا الدخول فى الائتلاف الوطنى المعارض لنظام الأسد إلا بشرط الاعتراف بهم كقومية. وإذا تم الاعتراف بهم كقومية، فسيكون ذلك مدخلا لتقسيم سوريا رسميا، كما جرى الأمر فى العراق. إذن، فالدور الآن على الجيش المصرى الذى حافظ على تماسكه، واستعاد الآن كثيرا من رصيده الذى افتقده فى المرحلة السابقة. أنا أعتقد أن الشعار الزائف الذى رفعته فئات واسعة فى الثورة "يسقط يسقط حكم العسكر" كان شعارا مدسوسا، المقصود به تفكيك الجيش المصرى. ماذا يُحاك للجيش المصرى من مؤامرات تهدف إلى تقسيمه؟ الزج به مرة أخرى فى مواجهة الشعب، وقد حذر قائد الجيش الثالث الميدانى، اللواء أسامة عسكر، من أن هناك مدسوسين يرتدون ملابس الجيش المصرى، ويطلقون النار على المواطنين لإيجاد قطيعة بين الجيش والشعب. إذن كيف نحافظ على الجيش من هذه المؤامرات التى تُحاك له؟ عن طريق عدم كسر هذا الجيش، وعدم وضعه مطلقا فى أى مواجهة مع الشعب، لأنه جيش كل المصريين، وليس جيش فصيل أو تيار بعينه. كما أن دخول طلاب من تنظيمات سياسية إلى الكليات العسكرية يهدد مستقبل هذا الجيش. فالجيش المصرى هو الدعامة الأولى والأساسية لهذه الدولة، وإذا تم المس به، فسوف يتم تفكيك الدولة المصرية. انظر إلى ما حدث فى السودان من تقسيم، وكذلك العراق، وسوريا فى طريقها إلى التقسيم، كان العامل الأساسى فى كل هذا هو تقسيم الجيش. وعندما يتم تفكيكك الجيش، سيؤدى هذا إلى تقسيم مصر. كما أن هناك من يدعو إلى إقامة إمارة إسلامية فى سيناء الآن، الأخطر من ذلك أنك لو زرت العريش، فستجد يافطة كبيرة على إحدى البنايات، مكتوبا عليها "القضاء الشرعى" الذى صرح السيد قاضى قضاته، الذى لم ينصبه أحد- فى قضاء مواز- بأن لديه 600 مسلح ينفذون أحكامهم، ولم يسأله أحد، ولم يحرك أحد ساكنا. وعندما رفعت الرايات السوداء على قسم ثانى سيناء، كان هذا إعلانا واضحا عن وجود هذه الجماعات. فغياب الدولة يؤدى الى تدحرج كرة الانفصال