قاتل الله الفضائيات فقد جعلت من السفهاء علماء دين ومن المتنطعين مفكرين، فضاع الحق واستشرى الفساد ووهن أمر الدين وكثر الإلحاد فى زمن من يزعمون أنهم يقيمون دولة الإسلام. وقاتل الله شيوخاً اشتهروا بوصف «علماء الدين» يعيشون وأولادهم من رواتب ودعم حكومى فى أصوله ضرائب يدفعها طوائف الشعب من مسلمين ومسيحيين، وعمال وفلاحين، موظفين وأصحاب مشروعات، وكباريهات وراقصات وحانات ومحال خمور، وسياح من بلاد تعبد غير الله. يأكلون ويشربون وينكحون الصغيرات ويركبون أحدث موديلات السيارات، من عرق هؤلاء، ثم يكفرونهم بكل راحة ضمير، بل ويحلون سفك دماءهم إذا ما فكروا فى التمرد على الفساد والظلم، تقرباً منهم إلى الله الذى حرم الظلم! والأمثلة على ذلك التردى عديدة منها على سبيل المثال ما حدث فى ديسمبر 2010، أفتى الداعية السلفى محمود عامر، بوجوب قتل د. محمد البرادعى لخروجه على ولى الأمر المخلوع مبارك، وبعد عدة أيام من الشهر نفسه أفتى الشيخ نفسه بقتل د. يوسف القرضاوى لنفس السبب. وبالأمس القريب فى مؤتمر الصالة المغطاة الذى قالوا عنه إنه لنصرة الأمة المصرية للشعب السورى، مع أن الأمة المصرية كان محظوراً عليها الاقتراب من المكان، ولم يدخله إلا من كان سلفياً أو إخواناً، أو المؤلفة قلوبهم. فقد أخذت الجلالة ونشوة الخطابة مولانا الداعية الشيخ محمد عبدالمقصود، وجعل يستمطر اللعنات الإلهية على كفار 30 يونيو «المسلمين» هكذا وصفهم «كُفار» وقال بالحرف الواحد: «أسأل الله أن يجعل يوم الثلاثين من يونيو يوم عز للمسلمين، وكسر شوكة الكافرين والمنافقين، اللهم إجعل تدميرهم فى تدبيرهم، اللهم نجعلك فى نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب انصرنا عليهم» ، ولم يجد من يقول له: عيب اختشى أنت تكفر أمة النبى محمد وتلك كارثة!! انتهى دعاء الحرب «المقصودي» الذى لم يكن المقصود به الصهاينة الذين يذبحون أهلنا فى فلسطين ويخططون لهدم الأقصى الشريف «الذى سيزحفون إليه بالملايين!» ولا أحبابهم الأمريكان الذين دمروا العراق الشقيق، وإنما أرواح المسلمين والمسيحيين فى مصر «الكافرين والمنافقين» بتعبير الشيخ الذى كثر الإلحاد فى زمنه وقد أمره الحق أن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وللسخرية فى هذا المكان ما يقال إن أحد الشباب العلمانيين ذهب يستعتب أحد الشيوخ قائلاً: إننى لا أكذب ولا أسرق ولا أزنى وأصلى وأصوم، فقهقه الشيخ حتى كاد يقع على قفاه، وقال: «يعنى كافر أونطة»؟! وقد كشف الشيخ عبدالمقصود، دون أن يدرى حجم الرعب الذى يفكك مفاصل من عزلوا أنفسهم عن الشعب بعد أن سرقوا ثورته، عزلوا أنفسهم عن البسطاء الذين كانوا منهم قبل عام واحد، وأصبحوا تحت راية ما يسمى الإسلام السياسى أولياء الأمر وأهل الحل والعقد، متجاهلين وساخرين ومتناسين أن من يملأ المساجد بالصلاة، وينطق الشهادتين إقراراً بالتوحيد والوحدانية، هم من يدعون عليهم بالتدمير والهلاك، وكأنها غزوة 30 يونيو. بين مؤمنين وكافرين وليس مسالمين سلميين مسلمين يطلبون حقوقهم لدى من امتثل، بقول أبى بكر الصديق: «إذا رأيتمونى على باطل فقاومونى .. أطيعونى ما أطعت الله فيكم»، فلماذا الرعب من «تمرد»؟ ولماذا تتوقف الحياة وتحبس الخلائق أنفاسها انتظاراً لما تسفر عنه الأحداث فى ذلك اليوم العصيب؟ إذا كان «الإسلاميون» ليسوا طلاب دين واعتلاء مناصب، وشهوات لا تليق بمحب حقيقى لله؟! أما الحقيقة التى أفرزتها فاعليات «تمرد» هو النصر الكبير لاكتشاف المصرى حالة الشجاعة التى اختبأت فى نفسه أزمنة طويلة، وخروج المارد المقموع داخله، وكان مجرد «توقيع» يمكن إنكاره بسهولة مع أول صفعة من ضابط صغير أو أمين شرطة، صعب المنال. لكن من يقرأ استمارة «تمرد» سيدهشه ما يراه، فالاستمارة تطلب الاسم كاملاً وبيانات بطاقة الرقم القومى واسم المحافظة التابع لها المتمرد والتوقيع، وستبلغ الدهشة مداها للإقبال الكبير جداً غير المتوقع لدى الناس. يبقى أن نذكر شيوخ فضائياتنا بما قال الشيخ عبدالمقصود: أن الرسول الكريم قال محذراً أصحابه «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم». وإذا كان القياس أحد ألوان الفقه، نقول لكم: إذا فسد أهل مصر فلا خير فيكم، فأنتم السبب ولا حجة لكم أمام الله لأنكم أهل الحكم وحاشية الحاكم وخبراء مشورته وبطانته، وأينما ذهب ذهبتم، وأينما حل حللتم، والناس على دين ملوكها، فإذا رأوا منكم الفساد باسم الدين، سبقوكم إلى حيث يهوى الشيطان، وجعلوكم وما تدعون إليه هزؤًا، وأنكم مؤاخذون بإلحادهم