فى معسكرات ليبية محصنة عسكريا يتدرب المجاهدون على القتال. بعضهم يذهب إلى تونس ومالى، ومعظمهم يشد الرحال إلى سوريا عبر تركيا، بعد أن يقطع المسافة من ليبيا إلى الجنوب التركى تمهيدا لدخول سوريا للجهاد حسب فتاوى شيوخهم، ولا يكتفون بذلك فهم يتحكمون فى مفاصل الدولة الليبية من خلال احتلالهم مواقع أمنية حساسة تتيح لهم السيطرة على قرارات الحكومة الليبية. «الأهرام العربى» اخترقت حصون هؤلاء المتشددين، واستطاعت أن تتعرف إلى معسكراتهم التسعة، وتمثل منطقة الجنوب الليبى أهم المعاقل الجهادية فى منطقة الساحل والصحراء الكبرى بالقارة الإفريقية، وباتت مصدر قلق للعديد من الدول الإفريقية التى تضررت مباشرة بما يجرى فى ليبيا منذ فبراير 2011، وكذلك الدول الكبرى التى تعتبره المصدر الأول للمتشددين فى القارة الإفريقية. وأخيرا دعا وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس إلى ضرورة أن يتم وضع حد للمتشددين فى جنوب ليبيا، إلا أن الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند دعا فى حديثه قناة فرنسا 24 المجتمع الدولى لمساندة الحكومة الليبية ضد التشدد الإسلامى المتنامى فى ليبيا خصوصا فى الجنوب، لكنه ركز على أن التدخل الدولى فى ليبيا مرة أخرى لن يكون إلا بموافقة أممية كما حدث إبان ثورة 17 فبراير. لكن هذه التصريحات التى خرجت من الرئيس الفرنسى برغم أنها لم تدع لتدخل عاجل فى ليبيا فإنه أبقى هذا الباب مفتوحا للتدخل، خصوصا إذا أخذ فى الاعتبار أن قرار التدخل الدولى فى ليبيا رقم 1973 الصادر عن مجلس الأمن الدولى مازال ساريا وقد تم تمديده عاما إضافيا تحسبا لما قد تؤول إليه الأوضاع فى ليبيا. وقد حصلنا على معلومات مهمة وخطيرة للغاية، حول أماكن ومعسكرات الجهاديين فى ليبيا الآن، والتى تنتشر فى الشمال والجنوب على السواء لتحكم قبضتها على الدولة الجديدة التى أصبحت محل قلق كبير ينظر إليه المجتمع الدولى بكثير من الريبة والشك. يمتلك الجهاديون المتشددون فى ليبيا على الأقل فى الوقت الراهن تسعة معسكرات كبرى لتدريب الشباب الليبى والعربى وغيرهم، وإلحاقهم بالجهاد سواء فى مالى أو سوريا أم غيرها من المناطق التى تحظى بنفوذ متنام وحركة نشطة للتيار الجهادى فى مختلف أنحاء العالم. إضافة إلى أكثر من ثلاثة معسكرات أخرى فى الجنوب يتحرك فيها المتشددون بحرية كيفما شاءوا دون أى ملاحقات. المعسكر الأول يقع فى منطقة أبو سليم بالعاصمة طرابلس ويشرف عليه القيادى السابق بالجماعة الليبية المقاتلة سابقا أبو دجانة، وهذا المعسكر مخصص لتدريب الشباب وإرسالهم إلى القتال فى سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد. المعسكر الثانى يقع فى مدينة الزنتان بمنطقة الجبل الغربى (جبل نفوسة) ذى الأغلبية الأمازيغية الليبية، ويشرف عليه تنظيم أنصار الشريعة فى ليبيا، وكان قد أرسل هذا المعسكر منذ حاولى أسبوعين بعض العناصر للتضامن مع جماعة أنصار الشريعة فى تونس، وقد مروا عبر الحدود الليبية - التونسية بطرق جبلية، وقد اتهمت السلطات الجزائرية القائمين على هذا المعسكر تحديدا بأنهم ضالعون فى الاعتداء الذى تم فى منشأة عين أمناس النفطية جنوبالجزائر الواقعة قرب الحدود مع ليبيا، حيث قدم بعض المنفذين لهذه العملية من تلك المنطقة. والمعسكر الثالث، هو أهم هذه المعسكرات على الإطلاق، حيث يقع مقره فى مركز القيادة العسكرية للجماعة الليبية المقاتلة بمنطقة الجبل الأخضر، وتحديدا فى مدينة درنة التى تمثل أكبر بؤرة للمتشددين، وهذا المعسكر هو من أكثر معسكرات الجهاديين تطورا فى ليبيا، حيث يتم فيه تدريب الشباب المنضم على تقنيات صنع وتفكيك العبوات الناسفة ومختلف أنواع المتفجرات، وكذلك صنع المواد السامة، إضافة إلى التدريب على مختلف أنواع الأسلحة. المعسكر الرابع هو معسكر الإخوان المسلمين فى بنغازى وتشرف عليه عدة قيادات محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، ويقع مقره فى منطقة بو فاخر ببنغازي، إضافة أن هناك معسكرا آخر للسلفية، ومقره فى منطقة الليثى ببنغازى التى بات يطلق عليها من قبل البعض قندهار الصغرى، ويتم فيه التدريب على مختلف أنواع الأسلحة مثل الكلاشنكوف والمسدسات والآر. بى. جى والبيكا والمدافع المضادة للطائرات عيار ال14,5. وتشرف عليه أسماء لها وزنها فى ليبيا الجديدة. أما المعسكر الخامس فيقع بمدينة سرت الواقعة فى منتصف سواحل ليبيا المطلة على البحر المتوسط ومعقل العقيد القذافى سابقا، وتحديدا فى منطقة الظهير التى تبعد عن وسط المدينة مسافة 15 كيلو مترا، وهو أحدث هذه المعسكرات ويتمتع بأهمية كبيرة للغاية لدى الجهاديين الذين يأتون من مختلف المدن الليبية ومن خارج ليبيا، حيث يوجد هناك الشباب المتشدد بكثرة لافتة للانتباه، ويعتبر هذا المعسكر الرابط الرئيسى بين مختلف معسكرات الجهاديين فى ليبيا نظرا لموقعه الإستراتيجى الذى يربط الشرق والغرب الليبى مع الجنوب الذى تحول لساحة فضاء لهؤلاء المتشددين. بينما المعسكر السادس، مقره مطار وقاعدة الوطية الجوية فى الغرب الليبى تحيد قرب مدن الجميل والعجيلات القريبة من الحدود التونسية، وهى قاعدة تخضع الآن لسيطرة الجهاديين، وفيها عناصر جهادية غير ليبية على صلة وثيقة بتنظيم القاعدة من حاملى الجنسيات التونسية والليبية والجزائرية والمغربية والمصرية. وتقول تقارير إن جهاديا تونسيا يشرف على تدريب الجماعات السلفية الجهادية فى هذه القاعدة. وفى جنوب ليبيا وتحديدا إقليم فزان، يوجد فى منطقة سبها وحدها ثلاثة معسكرات خاصة بالجهاديين الليبيين والأجانب، وهى معسكرات تدريب سرية ويشرف عليها قائد عسكرى بارز وهو أبو المهاجر الليبى أحد أبرز القياديين السابقين للجماعة الليبية المقاتلة التى كانت محظورة فى عهد القذافي، ولها شبكة كبيرة من العلاقات مع مختلف الجماعات الإسلامية فى مصر والدول العربية الأخرى. ويقع اثنان من هذه المعسكرات فى وادى البوانيس، موزعين على بعض المناطق القروية فى تمنهنت والزيغن وسمنو، وأما المعسكر الثالث بهذه المنطقة فيقع بين أحياء القرضة والجديد وحجارة بمدينة سبها القديمة التى يحكم الإسلاميون عليها السيطرة تامة. ومن المعلوم أن منطقة سبها الواقعة فى الجنوب الغربى لليبيا، تبعد عن العاصمة طرابلس بنحو 750 كيلو مترا، وتحظى بموقع إستراتيجى يتيح لها الإفلات من رقابة السلطة المركزية فى العاصمة طرابلس. إضافة إلى أن النشاط المتزايد لهذه الجماعات فى الجنوب الليبى فى الآونة الأخيرة ربما يكشف عن محاولة هؤلاء الابتعاد قليلا عن العاصمة طرابلس والمدن الساحلية فى الشمال التى باتت قريبة من عيون أجهزة الاستخبارات الغربية، إضافة إلى الغضب الشعبى المتنامى لسكان هذه المدن من نشاطهم، والخلافات الحادة التى ظهرت على ما يبدو بينهم وبين أصدقائهم ممن يتولون المناصب الأمنية حاليا هذه المعسكرات الثلاثة فى الجنوب تضم المئات من الجهاديين والمتشددين القادمين من شمال ليبيا والجزائروتونس ومصر والمغرب وموريتانيا وساحل العاج والسنغال والسودان والنيجر، وأغلب الموجودين الأجانب هناك الآن من مصر وموريتانيا وتونس على الترتيب. ويوجد إضافة إلى هذه المعسكرات الثلاثة فى الجنوب جيوبا أو مخيمات أخرى فى مناطق نائية فى قلب الصحراء، يتحركون من خلالها بحرية مطلقة، مستعينين على ذلك بخبرتهم الكبيرة بمختلف المسالك والدروب الصحراوية. وتقول تقارير أجهزة استخبارات غربية إن بعض الجهاديين فى جنوب ليبيا قد استفادوا من الدعم الذى يقدم لهم من بعض العناصر الرسمية من الحكومة الليبية، والتى لها نفس التوجهات الفكرية والتى لها علاقات بأجهزة مخابرات معينة لتأسيس هذه المعسكرات لاستقطاب الشباب بدءا من سن الثامنة عشر وأكثر وتستخدم منظمات مجتمع مدنى ذات ميول إسلامية للتمويه على عملية التجنيد لهؤلاء الشباب صغار السن مع التركيز على دول الربيع العربى التى تشهد تراخيا ملحوظا للقبضة الأمنية على هؤلاء المتشددين. وبرغم أن السلطات الليبية الجديدة تحاول متابعة ومراقبة هذه المعسكرات عن قرب بضغط من الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية، فإن الحكام الجدد فى ليبيا لا يملكون القدرة على مواجهتهم التى باتت معقدة أكثر من ذى قبل، نظرا لأن هذه المعسكرات أصبحت لها ارتباطات وامتدادات وشبكة معقدة من العلاقات خارج الأراضى الليبية خصوصا فى منطقة الساحل والصحراء، كما أن هذه المعسكرات تسهم بفاعلية كبيرة فى إرسال مقاتلين إلى جبهة النصرة فى سوريا مثل أبو إسحاق السرتاوى وأبو الأسود الدرناوى فى سوريا، إضافة إلى جبهة الدعوة والتوحيد وتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى وجماعة «الموقعون بالدم» شمالى مالى. كما سبق لهذه الجماعات التعاون فى مناسبات عديدة فيما بينها لتهريب الشباب إلى الأراضى الليبية وتدريبهم فى دورات مكثفة على القتال واستخدام مختلف أنواع الأسلحة لمدة تتراوح ما بين ال15 يوما إلى الشهرين، ويتم إرسالهم إثر ذلك حسب الحاجة إلى مناطق مثل سوريا عن طريق تركيا، أو إلى تمبكتو وغاو بشمال مالى للقتال فى صفوف الجماعات الإسلامية المسلحة فى هذه المناطق. مستفيدة من مطار سبها الدولى الذى تديره شركات تركية ولبنانية بموجب اتفاقيات موقعة مع الدولة الليبية.