تهدد حادثة مقتل عشرات الجنود السوريين في كمين في غرب العراق بزج البلاد في اتون صراع دموي سعت بغداد لتفاديه خشية الاخلال بتوازنات محلية واقليمية تحاول التوفيق بينها منذ بداية النزاع في سوريا. ويقول المحلل السياسي حميد فاضل لوكالة فرانس برس ان "النزاع في سوريا ليس صراعا على الحكم فقط، بل صراع له ابعاد اقليمية ستتاثر به تحديدا الدول التي تتنوع مكوناتها العرقية والدينية، وعلى راسها لبنان والعراق". ويضيف ان التصعيد على الحدود العراقية السورية "سيعيد خلط الاوراق وسيزيد من خطورة الصراع الدائر في سوريا اليوم، وهي رسالة واضحة لكل العراقيين بان ما يجري في سوريا" قد ينتقل فعليا الى العراق. وقتل امس الاثنين 48 جنديا سوريا في كمين غرب العراق اثناء اعادة نقلهم الى بلادهم التي فروا منها خلال اشتباكات مع مقاتلين معارضين عند معبر اليعربية (شمال غرب العراق) يوم السبت. وجاء ذلك بعد وقت قصير من اتهام معارضين سوريين العراق بمساعدة القوات السورية في معاركها مع المسلحين المعارضين عند منفذ اليعربية، وهو ما نفته وزارة الدفاع العراقية. غير ان رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي المح في مؤتمر صحافي اليوم الثلاثاء الى تورط مماثل، قائلا ان "على الجيش العراقي ان يبتعد عن التدخل في الشان السوري (...) والا ينخرط في اي نزاع". واوضح "هناك روايات تقول ان الجيش العراقي تدخل (....) ضد الجيش (السوري) الحر، وروايات تقول العكس، ونحن نحقق في هذه المسالة وسيكون لنا موقف". ومنذ بداية النزاع منتصف اذار/مارس 2011، تلتزم الحكومة العراقية الحذر في تعاملها مع الاحداث الدامية في سوريا، في موقف يوازن بين قربها من ايران الداعمة لدمشق، و"العمق العربي" الذي يدعم معارضي بشار الاسد بالمال والسلاح. ويدعو العراق الذي يتشارك مع سوريا بحدود يناهز طولها 600 كلم ويتهمه بعض الاطراف الاقليميين بانه داعم لنظام الاسد المتحالف مع طهران، الى حل سلمي سياسي للصراع فيها. وكانت الولاياتالمتحدة اعربت العام الماضي عن قلقها بشان رحلات شحن جوية ايرانية قالت انها تمر عبر العراق الى سوريا وقد تحتوي على اسلحة ربما تستخدمها دمشق لقمع الاحتجاجات. ويعتبر النائب حامد المطلك عضو لجنة الامن والدفاع في البرلمان ان "ما حدث هو نتيجة لتاثير الارادة السياسية الايرانية على القرار العراقي"، مضيفا ان "لايران طموحات سياسية ومصالح عدة في وضع العراق" وسط الازمة السورية. ويوضح ان "العراق بدا يدفع فاتورة تأثير القرار الايراني عليه وعدم استقلاليته في اتخاذ القرار الذي يصب في مصلحته". ويرى مراقبون ان محاولة بغداد موازنة مواقفها من الاحداث السورية تعود بشكل اساسي ايضا الى خشية الشيعة في العراق عموما والذين يحكمون البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 من وصول السنة الى سدة الحكم في دمشق. وياتي ذلك رغم محاولة العراقيين ابعاد بلادهم عن كل ما يرتبط بحزب البعث الذي تاسس في دمشق في 1947 ورغم القطيعة بين العراق وسوريا قبل ثلاثة اعوام على خلفية موجة من التفجيرات هزت بغداد صيف 2009. وكان رئيس الوزراء نوري المالكي (شيعي)، المدعوم من طهران وواشنطن، اعلن حينها ان العراق يملك "ادلة دامغة" على تورط سوريا في هذه التفجيرات، وفي تسهيل تدفق "جهاديين" الى اراضيه، باتوا يعتمدون اليوم هجرة معاكسة الى سوريا، وبينهم عراقيون من جبهة النصرة التي تقاتل النظام السوري. وفي مقابل خشية الشيعة من تغير مسار دفة الحكم، يدعم معظم سنة العراق الحركة الاحتجاجية ضد نظام الاسد، وخصوصا سكان "المناطق الغربية والشمالية المحاذية لسوريا"، وفقا لحميد فاضل. والانبار حيث وقع كمين الاثنين، محافظة سنية تشترك مع سوريا بحدود بطول نحو 300 كلم وترتبط بعض عشائرها بعلاقات قرابة مع عشائر سورية وكان ينظر اليها على انها احدى اكبر معاقل تنظيم القاعدة في العراق عقب الغزو. ويؤسس هذان الموقفان المتناقضان من احداث سوريا لتباعد بين الجانبين في بلاد عاشت بين عامي 2006 و2008 حربا مذهبية دامية قتل فيها الآلاف. ولخص النجيفي في مؤتمره الصحافي اليوم المقاربة العراقية للازمة السورية بالقول ان "الموقف العراقي غير موحد (...) لكن يجب ان يقف العراق مع الشعب السوري، ولا يجب ان يدعم نظاما ديكتاتوريا يقتل شعبه". ويرى النائب محمود عثمان عن التحالف الكردستاني ان تورط العراق في الازمة السورية "ستكون له ابعاد طائفية وسياسية في العراق، لان طبيعة الصراع في سوريا طائفية وسياسية". وفي السياق ذاته، يحذر المحلل السياسي احسان الشمري من ان "مجرد الاستمرار في هذا الموضوع (التباعد في المواقف) سيؤدي الى انقسام كبير يعيد الى الاذهان الانقسام السابق" ايام العنف الطائفي. ويوضح انه "اذا ما تورط العراق في الازمة السورية، فان ذلك سيكون ايذانا بانفجار طائفي على اساس مسلح".