تولى د. سعيد توفيق أمانة المجلس الأعلى للثقافة فى ظل ظروف عصيبة، وتحديات كثيرة واجهته من كل جانب منها المطالب الفئوية للعاملين بوزارة الثقافة، وجوائز الدولة التى يوجه لها الكثير من الانتقادات كل عام، بالإضافة إلى طرح بعض المثقفين مشروعات لإعادة هيكلة المجلس واستقلاليته عن الوزارة، ليكون العقل المدبر للعمل الثقافى،كل هذا يمثل حالة من الإحباط الشديد ظلت تسيطر على د . توفيق منذ أن تولى موقعه، هذا ما دفعه للقول في هذا الحوار إنه مستعد لتقديم استقالته في أية لحظة. «الأهرام العربى» أجرت هذا الحوار مع د.سعيد توفيق. ما أبرز المشاكل التى واجهتك منذ توليك أمانة المجلس الأعلى للثقافة وكيف تغلبت عليها؟ أهم المشكلات التى تواجه أى مسئول يشغل منصبا فى الدولة هى المطالب الفئوية، الموظفون بعد الثورة أصبح لا هم لهم إلا زيادة الرواتب برغم المحنة الاقتصادية التى تمر بها مصر، وهى شديدة بالنسبة لوزارة الثقافة، خصوصا بعد استقلال وزارة الآثار عنها، حيث تقلصت الميزانية بعد حصولها على 10% من حصة وزارة الآثار،وطبعا بعد الثورة وزارة الآثار دخلها انخفض، فأصبحنا لانحصل على شىء، بالإضافة للعجز الموجود فى صندوق التنمية الثقافية الذى يمول الأنشطة الثقافية ،وفى خضم كل هذا نحن مطالبون بتحقيق كل الطموحات الثقافية. عندما توليت أمانة المجلس كان لدى العديد من الطموحات وبدأت فى تفعيلها منها إعادة النظر فى قانون إنشاء المجلس، فليس من المعقول أن يستمر هذا القانون القديم مع التغيرات الطارئة على المجتمع،والتطلعات إلى رسالة أفضل للثقافة، وأهم ما فيه تفعيل دور المجلس ورعاية الجمعيات الأهلية الثقافية الفاعلة على أرض الواقع. كل عام يدور جدل حول جوائز الدولة وتوجه الانتقادات لها وفي العام الماضى حينما ترأس وزير الآثار د.محمد إبراهيم اجتماعات المجلس أشار إلى ضرورة وضع معايير واضحة لمنح جوائز الدولة، ما تعليقك؟ برغم عدم وجود لائحة منضبطة فإنه في العام السابق لم توجه انتقادات للجوائز مثل كل عام. وما ردك على ما قيل إن هناك تواطؤا مع د.صابر عرب لمنحه جائزة الدولة التقديرية العام الماضي؟ أى تواطؤ؟ هناك أشخاص يحترفون التطاول على الآخرين والتسفيه من قدرهم، وهذا موجود فى كل مكان وزمان، ما حدث أن د.صابر عرب استقال من الوزارة ومن حقه قانوناً أن يحصل على الجائزة لأنه قدم استقالته.وبالتالى لم تكن لديه أى سلطة، وكان هناك وزراء مازالوا فى الوزارة وكانوا متقدمين للجائزة وطرحت الموضوع أثناء التصويت وقلت هل نبقى هؤلاء الوزراء أم نستبعدهم؟ وتم التصويت على الجميع، فالقانون يمنحهم الحق فى ذلك، أما د.عرب فكان مستقيلا بالفعل،فأين التواطؤ؟ إذن د.عرب له من الإنتاج الفكرى المتميز ما يجعله يستحق الجائزة وهذا باعتراف الجميع. وهناك ناس لا داعى لذكر أسمائهم كانوا ينتقدون الجوائز، وعندما بدأت فى عمل لائحة الجوائز استدعيتهم ليكونوا أعضاء فى اللجنة التى تقر اللائحة الجديدة وللأسف أهملوا هذا الأمر، وقلت لهم إذا كنتم تنتقدون الجوائز فما مقترحاتكم فى صياغة هذا الإصلاح, وطلبت منهم المشاركة لكنهم لم يهتموا،فهؤلاء لا هم لهم غير النهش هنا وهناك. بعض المثقفين قال إن لجان الفحص لا يعتد بها والجوائز تؤخذ بالتربيطات؟ لجان الفحص مهمتها النظر من الناحية الشكلية فى صلاحية المتقدمين للجوائز، وتقوم برفع الأسماء المرشحة للمجلس حتى يتم التصويت عليها، وهنا التصويت السابق هو ما كان يسمح بالتربيطات لعدم وجود آلية موضوعية وشروط منضبطة تحدده وتحكمه, وهذا ما قمت بتعديله، مع مجموعة من الأساتذة الأجلاء الذين كانوا متحمسين لهذه المشاركة على مدى نصف عام ،فهذا لم يتم فى جلستين فقط، وطالبت بوجود لجان فحص تضم المتخصصين فى جميع المجالات والتخصصات، ومن يكتب التقرير هو صاحب التخصص الدقيق ثم يعرض على اللجنة الموسعة فى الفرع المعين وفى النهاية يتم التصويت بناء على هذا التقرير ورفعه إلى لجنة أخرى عليا فى منح الجوائز من الحاصلين على جائزة الدولة التقديرية والنيل، إذن اللجنة الأولى تقوم بعمل القائمة الطويلة، واللجنة الثانية تقوم بعمل اللجنة القصيرة ثم تصعد للمجلس، وبذلك نكون قد قمنا بعمل أكثر من مصفاة لفلترة الجوائز من لجان متخصصة مهمتها ليست شكلية، وإنما علمية هى التى تصعد الأسماء فى النهاية، وبالتالى من يختاره المجلس للجائزة يستحقها. هناك من يرى أن دور المثقف جرى تهميشه بعد الثورة كيف ترى هذا الأمر؟ المثقف الحقيقى منشغل بالسياسة أكثر من أى مرحلة مضت وأصبح همه الأساسى الوضع الراهن، الذى يحياه، وهذا ظاهر فى مشاركة المثقفين فى الفاعليات والتظاهرات التى تطالب بالحقوق والحريات ومكانة وحقوق المرأة فى البرلمان، حتى فى فاعليات مؤتمرات المجلس كان المثقفون يحرصون على الحضور، وأعتقد أن الثقافة والفن لاينفصلان عن السياسة، وأظن أن مشكلة الشعب المصرى الحقيقية أن الوعى الثقافى ليس بالدرجة الكافية ليس فقط لوجود حالة ضخمة من الأمية، ولكن بسبب تدهور العملية التعليمية أصبح خريجو الجامعات أميين ،من الناحية الثقافية والمعرفية. هل يدار المجلس الآن بنفس النهج الذى كان يدار به فى ظل تولى فاروق حسنى وزارة الثقافة؟ كل عصر له توجهاته، لكن ما أستطيع قوله إن ما كان يتاح للثقافة من تسهيلات مادية وغير مادية من قبل لم تعد موجودة بنفس القدر، وبرغم كل هذا نحن نواصل تقديم الأنشطة الثقافية والفاعليات الثقافية ونحاول اجتذاب المثقفين المنتمين للحراك والواقع الثقافى، حيث شارك شباب الفن ميدانياً فى تقديم الكثير من الأنشطة، ويكفينا ردود أفعال المحافظين عن فن الجرافيتى الذى ظهر من خلال هذاالمجلس ومارس الشباب الرسم فى ميادين محافظات مصر، ما دفع المحافظين لإرسال رسائل شكر وتقدير لما قمنا به من الرسم على جدران المناطق النائية. التوجه للخارج يجعلنى أقول ألا يكفى كل هذا فى ضوء الميزانية الضعيفة بل والمتدهورة، نحن نعمل بالمثل الذى يقول، «العرجة تغزل برجل حمار» وهذا مانفعله فى ظل الأوضاع المتدهورة فى مصر الآن، وعلى قدر المستطاع نحاول التفاعل مع الجمعيات الأهلية التى تعمل على أرض الواقع، نحن فى لحظة صعبة جداً يغلب فيها الهم السياسى. ماذا عن إصدارات المجلس؟ المجلس أقل الأماكن إصداراً، لكن ما يهمنا الآن هو التدقيق فى الاختيارات وفيما يقدم من كتابات من خلال لجان فحص متخصصة،وطبعاً لدينا معاناة فى النشر، فهناك كتابات متراكمة وكثيرة جداً،لا يمكن طباعتها فى وقت واحد، كما أن لدينا مشكلة مع المطابع الأميرية وهى تأخير الطباعة. وقد شكلنا لجنة تضم كل قيادات الوزارة المعنية بالنشر منهم د.أحمد مجاهد وسعد عبد الرحمن وكاميليا صبحى، وانتهينا إلى اتخاذ قرارات لتفعيل مجال النشر. كيف ترى الحراك الثقافى فى ظل سيطرة الإخوان المسلمين على المشهد السياسى؟ لا يمكن إصلاح حال الثقافة جذريا لا فى مصر ولا فى أى بلد، إلا إذا أصبحت الثقافة من أولويات أجندة الحكومة والرئاسة، فهى ليست ترفاً كما يظن البعض ولا تصنعها وزارة الثقافة وحدها،فهى أشبه بجسر بين المثقفين والدولة،والثقافة أيضاً لها ذراعان مثل التعليم والإعلام، ومن العار أن تكون الأدوات لها ميزانيات واهتمامات أكبر من الأصل، المشروع الثقافى الذى يطرحه المثقفون وقيادات الوزارة يجب أن تعطيه الدولة أولوية وتضعه فى صدارة الاهتمام فكل هذا يتعلق ببناء الإنسان، وإذا لم ننشىء جيلا ذا وعى ثقافى لايمكن أن نتوقع خيراًعلى أى مستوى آخر. وماذا عما أثير عن اتجاهات لأخونة الوزارة؟ وزارة الثقافة وهى بعيدة عن أى نظام دينى وليس معنى هذا أننا ضد الدين لكننا وزارة مستقلة، ولهذا لا يوجد دعم من الحكومة للوزارة، وهذا معناه أن الثقافة لا تلقى اهتمام الحكومة، حتى فى حكومة الجنزورى التقرير الذى كتب من الحكومة عن الثقافة كان فى أربعة سطور،وكأن هناك تجاهلا تاما لدور الثقافة. وماذا عن إعادة هيكلة المجلس؟ قمنا بعمل مشروعات تتعلق بإعادة هيكلة المجلس وهى فى مكتب الوزير. قاطعته قائلة: هذه المشروعات كلها حبر على ورق فمتى تكون قيد التنفيذ؟ صمت قليلاً وقال : هناك أشياء لا أستطيع التحدث فيها. تعجبت قائلة : لماذا؟ لكنه لزم الصمت !! وعاد ليقول: نحن نخشى اللحظة الراهنة وكل ما في وسعنا هو أن نحافظ على هذا المجلس من أى اختراق، ومنذ توليت أمانة المجلس قلت لايمكن أن نسمح بتديين الإبداع، وفى اللحظة التى أشعر فيها بأنى لا أقدم شيئا سأترك مكانى، لكن نحن فى اللحظة الحالية مشغولون بأشياء أكبر من الهيكلة التى قمنا بعملها على مدار عام ونصف العام. متى تعترفون فى المجلس بشعراء قصيدة النثر وبأحقيتهم في الحصول على الجوائز؟ ليس هناك ما يدعو لوجود افتراض بأن هناك تآمرا عليهم. وماذا عن عودة مجلة “الفكر المعاصر"؟ حتى الآن لم نتسلم الحجرة الخاصة بها ،لكننا أوشكنا على الانتهاء من العدد الأول لكن هناك مشكلة تصادفنا، وهى عدم رغبة الكتاب فى الكتابة بحجة أنهم محبطون ولا يستطيعون الكتابة فى مثل هذه الظروف التى تمر بها مصر. ما الجديد الذى ستقدمه فى المرحلة المقبلة؟ ضحك قبل أن يقول: “استقالتى".