عاشت قبرص سنوات طويلة غير معنية بالشائعات التي تتردد عن علاقة بنوكها بودائع مشكوك في مشروعيتها لسياسيين ومجرمين من شرق أوروبا. الآن قبرص تحتاج إلى مليارات اليورو من المساعدات من الاتحاد الأوروبي، ولكن الشكوك التي تحيط بعلاقة البنوك القبرصية بالأموال غير المشروعة في حساباتها تعرقل إقرار هذه المساعدات. منذ 20 عاما ذكرت تقارير أن الرئيس الصربي الراحل سلوبودان ميلوسيفيتش غسل مبالغ مالية كبيرة من خلال البنوك والمؤسسات المالية في قبرص. ويدور الحديث اليوم عن رجال المافيا وسياسيين ومسئولين روس يحتفظون بحوالي 26 مليار دولار في بنوك قبرص. وبسبب الأزمة الاقتصادية والمالية قدمت قبرص طلبا إلى منطقة اليورو للحصول على مساعدات إنقاذ بقيمة 18 مليار يورو تقريبا (24 مليار دولار). ولكن بسبب العلاقات المالية القوية بين قبرص وروسيا فإن العديد من دول الاتحاد الأوروبي وبخاصة ألمانيا مترددة في مد يد المساعدة إليها. وقال سياسيون ألمان إنهم غير مستعدين لمساعدة قبرص ماليا مادام قطاعها المصرفي يفتقد للشفافية. وفي حين تزور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبرص اليوم أعلنت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني خفض تصنيفها بمقدار 3 درجات إلى سي.أيه.أيه3 . يأتي ذلك في ظل توتر الأجواء في نيقوسيا. وقال وزير مالية قبرص فاسوس شيرلي إن بلاده تمتلك أموالا تكفيها حتى نهاية مارس/آذار المقبل فقط. في الوقت نفسه فإنه من الصعب تبني أي قرارات إصلاحية في القطاع المصرفي والمالي بقبرص قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل. وقال أحد مساعدي وزير المالية "أبلغنا ممثلي الاتحاد الأوروبي أنه لا توجد عمليات غسل أموال هنا وأن البنوك القبرصية شفافة ويمكن لأي شخص فحص هذا". ولكن هناك محللين يشككون في ذلك. ويقول خبراء في روسيا إن اعتماد قبرص بصورة كبيرة على التدفقات المالية القادمة من روسيا يجعلها تتردد في التعامل مع موضوع الشفافية بصورة جادة. من ناحيتها أعلنت روسيا أنها لن تشارك في جهود الإنقاذ المالي لقبرص. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارتها لنيقوسيا الشهر الماضي إن "قبرص دولة عضو في الاتحاد الأوروبي". وكانت روسيا قد ساعدت قبرص في الماضي حيث منحتها عام 2011 قرضا بقيمة 5ر2 مليار يورو بفائدة قدرها 5ر4% لمدة أربع سنوات. وعندما طلبت قبرص في يوليو/ تموز الماضي قرضا بقيمة 5 مليارات يورو لم ترد موسكو على الطلب. وتعود العلاقات القوية بين روسيا وقبرص إلى الستينيات عندما كانت قبرص عضو فاعل في حركة عدم الانحياز وكانت موسكو تدعمها في نزاعها الحدودي مع تركيا. وهناك آلاف القبارصة الذين درسوا أو يدرسون في روسيا ومنهم الرئيس المنتهية ولايته ديمتريس كريستوفياس. وتنتشر اللغة الروسية على الساحل الجنوبي للجزيرة القبرصية، وهناك شركات روسية تدير العديد من المشروعات الكبرى في قبرص. من ناحيته، قال زيجمر جابريل رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض في ألمانيا لصحيفة "زو دويتشه تسايتونج" منذ يومين: "حتى الآن لا استطيع أن أتخيل أن يساعد دافعو الضرائب الألمان في إنقاذ البنوك القبرصية التي يقوم نموذجها على الاقتصادي على التهرب الضريبي". وأضاف "إذا أرادت ميركل أن تدعم حزمة مساعدات لقبرص، فعليها أن تقدم أسبابا جيدة لذلك ... ولا أرى هذه الأسباب قائمة الآن". كما أعرب الحزب الديمقراطي الحر، الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم الذي تتزعمه المستشارة ميركل عن تشككه إزاء استحقاق قبرص للحصول على المساعدات. في المقابل رد ستيفانوس ستيفانو المتحدث باسم الحكومة القبرصية متهما الاعلام الالماني بنشر تقارير غير صحيحة عن قبرص. وقال ستيفانو: "يتم استهداف قبرص كما لو كانت ملاذا آمنا للتهرب من الضرائب وغسل الأموال ولكن أذكركم بأن مجلس أوروبا أكد العام الماضي أننا ملتزمون بالقواعد.. وسنواصل الدفاع عن بلادنا ضد الهجمات غير المبررة". وما بين هذا وذاك ينتظر الجميع التقرير الذي ستقدمه اللجنة الثلاثية "الترويكا" المكونة من البنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بشأن جدارة قبرص للحصول على المساعدات الأوروبية. وينتظر وزراء مالية منطقة اليورو التقرير الذي طلبته الترويكا عن القطاع المصرفي في قبرص والمقرر تقديمه يوم 21 كانون ثان/يناير الحالي. وسيحدد هذا التقرير قرارات الوزراء بشأن مساعدة قبرص.