بدأ الفلسطينيون في العام 2012 بقطف ثمار مرحلة "الربيع العربي" في عامها الثاني مع تحقيقهم تحسنا نسبيا لموقفهم في صراعهم التاريخي مع إسرائيل. وهم يرون أنفسهم سجلوا هدفين في المرمى الإسرائيلي في سعيهم لتراكم نضالهم من أجل إقامة دولة مستقلة لهم من خلال قرار تاريخي للأمم المتحدة برفع تمثيلهم الدبلوماسي ومقارعة إسرائيل عسكريا في قطاع غزة. وجاء تقديم طلب لترقية مكانة فلسطين إلى صفة دولة مراقبة غير عضو بعد عامين من توقف محادثات السلام مع إسرائيل التي صعدت خلال هذه الفترة من أنشطتها الاستيطانية ما يراه الفلسطينيون تقويضا لحل الدولتين. وصوتت 138 دولة مع الطلب الفلسطيني مقابل امتناع 41 ورفض 9 دول بينهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل ما اعتبره الفلسطينيون إنجازا دبلوماسيا له ما بعده. وعلى رمزية قرار الأممالمتحدة فإنه كرس بالنسبة للسياسيين الفلسطينيين، حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية وفق الحدود المحتلة عام 1967 عدا عن أنه يتيح أمامهم فرصة الانضمام لمنظمات الأممالمتحدة المتخصصة. وقال المندوب الفلسطيني السابق لدى جامعة الدول العربية والقيادي في حركة فتح نبيل عمرو "إن تغيير مكانة فلسطين في الأممالمتحدة قد لا يغير الواقع لكنه سيحسن الوضع العام للشعب الفلسطيني ويطور وضعه الدولي". واعتبر عمرو أن هذه الخطوة ستزيد الضغوط على الجانبين الإسرائيلي والأمريكي بضرورة المبادرة لحل سياسي يؤدي إلى حل المعضلة بدلا من المعارك السياسية المتواصلة التي تفرضها إسرائيل. وبالنسبة للفلسطينيين فإن التأييد الواسع الذي نالوه في الأممالمتحدة خاصة على نطاق الدول الأوروبية قد يقنع إسرائيل بأنها غير قادرة على مواجهة العزلة طويلا ويجب أن تحل القضية الفلسطينية. وقال المحلل السياسي من رام الله أحمد رفيق عوض، إن إسرائيل على مدار ما سبق التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة "عملت في الواقع على وأد العملية السلمية ولم تترك للفلسطينيين خيارا أخر". وذكر عوض أن الفلسطينيين تحركوا نحو إنجازهم في الأممالمتحدة بدعم عربي لافت في العام الثاني من مرحلة الربيع العربي الذي يعتقد أن الاستفادة الفلسطينية منه ستكون ربما أكبر خلال ما هو قادم بالنظر إلى الانشغالات العربية حاليا في الشؤون الداخلية . وكرر الفلسطينيون مرارا أن توجههم للأمم المتحدة لا يستهدف عزل إسرائيل أو نزع شرعيتها إنما لتثبيت حل الدولتين ومرجعية دولية لمفاوضات السلام التي يحل من خلالها كافة قضايا الوضع النهائي. غير أن إسرائيل التي رفضت بشدة التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة ردت على نجاحه بإقرار سلسلة خطط استيطانية وحجز أموال عائدات الضرائب الجمركية التي تشكل ثلث موازنة السلطة الفلسطينية. وهدد الفلسطينيون في أعقاب ذلك بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية ما يثير تكهنات بمزيد من الصدام بين الجانين ويعقد أي جهود لاستئناف مفاوضات السلام. وقال عوض إنه من الصعب توقع استئناف المفاوضات إلا إذا تغيرت الظروف "بالنظر إلى أن الحكومات الإسرائيلية منذ تسعينيات القرن الماضي هي حكومات متطرفة وتعكس التطرف الإسرائيلي، وبالتالي لم يكن هناك تغيير نوعي ما لم تتغير المنطقة وتغير تحالفات المنطقة". ويعكس الجمود المستمر في عملية السلام نفسه في الشق الثاني من الأراضي الفلسطينية أي قطاع غزة الذي ما زال العنف يتصدر المشهد فيه في ظل العداء غير المنتهي بين حركة حماس التي تدير القطاع منذ 2007 وإسرائيل. وشهد القطاع الساحلي جولات متتالية من العنف على مدار العام المنقضي كان أشدها عملية (عمود السماء) التي شنتها إسرائيل منتصف تشرين ثان/ نوفمبر واستمرت ثمانية أيام. وخلفت جولة العنف الدامية مقتل أكثر من 180 فلسطينيا وجرح أربعة ألاف آخرين بعد أن شنت إسرائيل أكثر من 1500 غارة جوية، مقابل مقتل ستة إسرائيليين جراء إطلاق حماس وفصائل مسلحة أخرى مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل وصل خمسة منها لأول مرة إلى تل أبيب والقدس. وأنهي اتفاق لوقف إطلاق النار رعته مصر بعد تدخلات إقليمية ودولية جولة العنف في قطاع غزة وتضمن إنهاء أشكال حصار إسرائيل للقطاع الأمر الذي اعتبرته حماس انتصارا لها. وقال المحلل السياسي من غزة طلال عوكل " بلا شك كان هنالك إنجاز ربما مفاجئا للمقاومة الفلسطينية ترتب عنه أن إسرائيل لم تعد يدها حرة ويمكن أن تفعل ما تشاء في قطاع غزة من دون أن تحصل على نتائج سلبية". واعتبر عوكل أن إنجاز حماس يعود بالدرجة الأولى للوضع العربي الجديد خاصة عند الحديث على مصر التي تحكمها جماعة الأخوان المسلمين ذات العلاقة الوثيقة مع حماس. وأشار عوكل إلى إنهاء عزلة قطاع غزة بعد زيارته من أكثر من 120 وفدا خلال وبعد الهجوم الإسرائيلي "ما يرشح القطاع لأن يشكل القاعدة الاكثر تحررا في فلسطين لمتابعة الصراع ومعركة التحرير ". وخرجت حماس أكثر ثقة بنفسها بعد جولة العنف مع إسرائيل واحتفت لأول مرة برئيس مكتبها السياسي المقيم في المنفى منذ 45 خالد مشعل الذي زار القطاع لعدة أيام ملقيا خطاب "النصر". ويمهد وضع حماس الجديد إلى قبولها بشكل أكبر لدى الأطراف الدولية، لكنه يثير التساؤلات بشأن مدى جدية رغبتها في المصالحة مع حركة فتح لإنهاء الانقسام الداخلي المستمر منذ العام 2007. ورغم التقارب الذي لوحظ بين فتح وحماس عقب إنجاز كل منهما في مواجهة إسرائيل، فإن المحلل السياسي من رام الله جورج جقمان يستبعد إقدامهما على مصالحة حقيقية وكاملة في المدى القريب. وأشار جقمان إلى أن إسرائيل ما تزال قادرة على منع مصالحة خاصة فيما يتعلق بالوضع في الضفة الغربية إلى جانب الحاجة لوقت أكبر من أجل انضمام حقيقي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية. كما أشار جقمان إلى انشغال الراعي الرسمي لملف المصالحة المتمثل بمصر بقضاياها الداخلية وعدم وجود دعم عربي كاف لتوحد الفلسطينيين في هذه المرحلة. وبهذا الصدد يتوقع جقمان إمكانية إقدام فتح وحماس على خطوات صغيرة للمصالحة والتقارب بين قطاع غزة والضفة الغربية مع الاحتفاظ بموقع كل طرف ومكاسبه بانتظار مزيدا من النضوج في المواقف باتجاه المصالحة.