جاءت تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن خيار حل السلطة غير مطروح إطلاقا مهما كانت نتائج التصويت على طلب فلسطين للعضوية في الأممالمتحدة، لتلقي المزيد من الشكوك حول الضغوط التي يتعرض لها من قبل الرباعية الدولية والولاياتالمتحدة بعد نجاح حماس في كسب أرضية واسعة في الشارع الفلسطيني بعد صفقة شاليط والتي تم بمقتضاها مبادلته بأكثر من ألف أسير. وعلى الرغم من تأكيد عباس أمس الجمعة، أنه لا يتوقع أن تنجح خطوة نيل عضوية فلسطينبالأممالمتحدة هذه المرة، إلا أنه شدد على أن القيادة الفلسطينية ستستمر في مساعيها للحصول على العضوية.
عباس الذي تحول إلى رمز عقب خطابه الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي طالب خلاله بنيل عضوية بلاده في الأممالمتحدة، وبعد التصعيد الدولي ضد الاحتلال الإسرائيلي عاد ليؤكد أن حصول فلسطين على عضوية الأممالمتحدة لا يتناقض إطلاقا مع عملية التفاوض، وقال: "حتى لو حصلنا على العضوية سنذهب إلى المفاوضات لأن ما بيننا وبين إسرائيل على الأرض لا يحل في الأممالمتحدة بل على طاولة التفاوض".
هذه النبرة الهادئة ضد إسرائيل تؤكد وجود وعود من قبل أطراف دولية بالتدخل لحل القضية، خاصة بعد نيل فلسطين عضوية كاملة في منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، وهو الأمر الذي جعل الولاياتالمتحدة تقوم بقطع تمويلها للمنظمة الدولية وتبعتها إسرائيل وكندا.
ولعل هذا ما جعل عباس يقول: "إن الذهاب إلى الأممالمتحدة لا يعني مطلقا تحدي أي طرف وخاصة الولاياتالمتحدة، لأن لنا علاقات ودية معها ونحن حريصون على هذه العلاقات.
الأمر لم يتوقف عند ذلك بل بدأ بمغازلة للدولة العظمى، حيث قال: قد نختلف مع بعضنا في بعض القضايا ونحلها بالطرق الدبلوماسية ولا نصل إلى حالة من الصدام، ولكننا في ذات الوقت ندعو الولاياتالمتحدة إلى القيام بوساطة جدية بيننا وبين إسرائيل"، متمنيا أن تغير الولاياتالمتحدة موقفها من موضوع عضوية فلسطين في الأممالمتحدة ومنظمة "اليونسكو".
هذا الاستجداء كما يحلو للبعض أن يسميه، تبعه موقف متراخٍ من قبل الرئيس عباس، فرغم تأكيده على ضرورة المصالحة والقيام بزيارة إلى قطاع غزة، إلا أنه عاد ليشدد على أهمية التمهيد لذلك الزيارة، بحجة أن الذهاب إلى غزة ممكن في أي لحظة".
وعلى الرغم من هذا التراجع إلا أنه استدرك بأن "اللقاء المرتقب مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل سيبحث موضوع المصالحة، ومجمل الوضع الفلسطيني باعتبار أن حركة "حماس" جزء من الشعب الفلسطيني"، ومستبعدا أن تؤثر الحكومات ذات الطابع الإسلامي سلبا على القضية الفلسطينية".
فيما يعزو البعض هذا المتوقف المتذبذب للرئيس الفلسطيني، إلى خيبة أمله في الدول العربية التي تتراجع عن قراراتها الداعمة للسلطة، وهو ما حاول الرجل أن يثبته بأن قرار التوجه للأمم المتحدة لم يكن فرديا بل على العكس، كان بموافقة عربية كاملة، لكن مع ذلك لم ينس الرجل الوعود التي ذهبت سدى خاصة الأمور المتعلقة بقضية تمويل السلطة، حيث قال: "إن الدعم العربي على المستوى المادي يعاني من بعض التقصير".
لكن محللين أرجعوا موقف أبو مازن إلى ضغوط الرباعية الدولية التي عاد أبو مازن ليجاملها من جديد، ويشيد ببيانها الذي صدر في الرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، معبرا عن استعداده للتفاوض على شروطها قائلا: إن "اللقاء المقبل مع الرباعية ليس بداية مفاوضات مع إسرائيل، وإنما تمهيد للمفاوضات وجس نبض لكلا الطرفين لمحاولة جسر الهوة".
وعلى الرغم من تحذير المنسق الخاص للأمم المتحدة لشئون عملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري لإسرئيل في أواخر شهر أكتوبر الماضي من مغبة تنفيذ تهديد أبو مازن، مطالبا إياها بأخذه على محمل الجد"، معتبرا أن الجمود الحالي في مفاوضات السلام قد يؤدي إلى اندلاع العنف في الضفة الغربية.
إلا أن تصريحات أبو مازن جاءت لتثير عددا من التساؤلات على رأسها : ما المقابل الذي سوف يحصل عليه الرئيس الفلسطيني مقابل التراجع عن تلك الخطوة، والتي تعتبر مواجهة مباشرة بين المقاومة الفلطسينية والاحتلال؟
خاصة أن اللجنة المركزية لحركة فتح كانت قد قررت قبلها بأيام الموافقة على حل السلطة إذا فشلت في الحصول على دولة فلسطينية، حيث كشف مسئول فلسطيني كبير عن إعداد السلطة الفلسطينية خطة غير معلنة لحل السلطة خلال عدة أشهر بناء على طلب عباس، في حال فشلت في الحصول على عضوية في الأممالمتحدة.
وتقضي الخطة بنقل المسئولية عن شؤون الصحة والتربية والسياحة إلى إسرائيل، وأيضا تولى إسرائيل المسئولية الأمنية عن المناطق الفلسطينية.
وهو ما عبر عنه يعكوف بيري رئيس الشاباك الأسبق، لوسائل إعلام إسرائيلية بأنه يعتقد أن الفلسطينيين يريدون إبلاغ إسرائيل بأن الإمكانية قائمة على الطاولة، ولكنهم لا ينوون تحقيق هذا التهديد بشكل فوري في ظل الوضع الذي وصفه ب"الجيد" نسبيا في السلطة الفلسطينية؛ خاصة أنها تمكنت من عزل إسرائيل عن أمم العالم.
من جانبها انتقدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" اليوم السبت تمسك الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" بخيار المفاوضات في تحقيق تقدم بعملية السلام المتعثرة منذ أعوام.
وقال المتحدث باسم الحركة فوزي برهوم إن الرئيس الفلسطيني يعلق آمالا كبيرة على المفاوضات والمشروع الأمريكي الذي أثبت فشله في المنطقة، موضحا أن رئيس السلطة لم يضع مسارا واضحا للقضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن تمسكه بالمفاوضات مع إسرائيل لن يخدم الفلسطينيين.