ربما يكون المتخصصون أقدر على تفنيد مسودة دستور حيك بليل؛ غير أنني، باعتباري مواطنة لا تؤمن بفكرة المستبد العادل، وتدرك أنه مهما كانت استقامة الحاكم الأخلاقية، يظل الاستبداد مرتعا للفساد، الذي يترعرع في ظل اطمئنان الحكام، ومحاسيبهم، إلى حصانتهم ضد المساءلة أرى خطرا داهما تمثله المادة 202 التي تنص على أن يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات الرقابية، المنوط بها مراقبة كل مؤسسات الدولة، ومن ضمنها مؤسسة الرئاسة! فكيف تراقب هذه الهيئات مثلا مصروفات، ونفقات مؤسسة الرئاسة؟ وهو أمر كما تعلمون كان مألوفا في العهد الملكي، عندما كان مصطفى النحاس، يطالب بتخفيض إنفاق القصر الملكي، وتخرج جموع الشعب لتهتف»الشعب مع الناس»، لترد عليها مظاهرات الإخوان المسلمين «الله مع الملك»! وباعتباري، من محدودي الدخل، الذين يعانون من التفاوت الهائل في الأجور، أرى أن الفقرة الثالثة من المادة 14 «ضمان حد أدنى للأجور والمعاشات ... وحد أقصى فى أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون»؛ لم تحدد الحد الأدنى أو معيار حسابه، كما فتحت باب الاستثناءات من الحد الأقصى للأجور! ولكوني أعاني مثل ملايين المواطنين من أمراض، تتطلب توافر رعاية صحية لا تكبد المواطن أعباء فوق عبء المرض، فأنا اعترض على المادة 62 من المسودة التي لم تحدد النسبة المخصصة للرعاية الصحية في الموازنة العامة وطرحت الأمر ضمن صياغة مطاطة، تفتح الباب أمام استمرار الوضع كما هو..وكمواطنة، تحلم بالعيش في مجتمع يتمتع بالشفافية، في ظل وسائل إعلام مستقلة، نزيهة وحرة، فأنا أرفض المادة 48 من المسودة؛ التي تسمح بغلق الصحف ووسائل الإعلام، في حالة صدور خطأ عن أحد المنتسبين إليها. حيث تعاقب المؤسسة بالكامل، بدلا من معاقبة المخطئ وحده! وهو ما يهدد حق المواطنين في الحصول على المعلومات! فيما تسحب المادة 215 صلاحيات نقابة الصحفيين ومجلسها المنتخب في تنظيم شئون الصحف والرقابة عليها، وتحيلها إلى كيان «معين» أسمته المجلس الوطني للإعلام! بما يهدد استقلال وسائل الإعلام. وتجعل المادة 216 إدارة الصحف القومية المملوكة للشعب من اختصاص الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، وهي هيئة معينة، لم يحدد المختص بتعيينها! بينما يفترض أن تكون إدارة هذه المؤسسات من خلال مجالس إدارة منتخبة؛ لضمان استقلالها عن السلطة. وأخيرا، أتخوف، كأم، من دستور، يتجنب تحديد سن الطفل وكان قد تحدد في ظل النظام السابق بثمانية عشر عاما خصوصاً بعدما سمعناه من إصرار البعض على جواز تزويج الفتيات بمجرد البلوغ! وإن كان النص منع تشغيل الطفل في «أعمال لا تتناسب مع عمره»، فهو لم يحدد هذه الأعمال التي تتناسب مع عمره، وتركها مرسلة! * كاتبة صحفية