عندما تتجول فى أركانه ستشعر أنه ذاهب فى رحلة عبر إبداعات علماء عصر الحضارة الإسلامية، لتتعرف خلاله على آلاف من ابتكارات علماء الإسلام، التى هى أساس التقدم الذى يعيشه العالم، وتكتشف دون الحاجة إلى دليل مدى إسهام الحضارة الإسلامية فى نهضة أوروبا. هناك فى العاصمة القطرية الدوحة استقر معرض «ألف اختراع واختراع» الذى طاف بعواصم عالمية انطلاقا من بدايته فى متحف العلوم بلندن وشاهده أكثر من 50 مليون شخص، ويستمر حتى الاثنين المقبل 12 نوفمبر الجاري. أسهم المعرض المقام حاليا بمتحف الفن الإسلامى تحت عنوان «استكشف الماضى واستلهم المستقبل» فى ردم فجوة معرفية كبيرة لدى المسلمين وغير المسلمين بشأن الإسهام الكبير لحضارة وعلماء المسلمين فى الحضارة الغربية المعاصرة التى لم تكن تتطور بهذه السرعة والزخم دون أساس علمية وفرها بشكل خاص علماء مسلمون خلال فترة ازدهار دامت ألف عام. ولا شك أن المعرض يقدم رسالة ذات مغزى، إذ تتواكب مع بدء تشكيل أنظمة عربية جديدة من خلال الشعوب والربيع العربى تتوق إلى إقامة حكم رشيد ووضع أسس للنهضة والتنمية الشاملة. قبل دخول الجمهور إلى هذا المعرض الذى حصل على جائزة أحسن معرض متجول من لجنة المتاحف والمعارض العالمية، يشاهدون فيلما قصيرا حصل أيضا على 25 جائزة عالمية، يبين مدى التعتيم الذى يمارس فى الغرب على إسهام الحضارة الإسلامية فى نهضتهم. والمعرض مقسم لسبعة أجزاء تبين إبداعات المسلمين فى مجالات البيت والمدرسة والسوق والمستشفى والمدينة والعالم والكون، وبه شاشات تحكى مسيرة علماء مسلمين ومدى إسهامهم فى تقدم البشرية حتى هذه اللحظة. فى البيت، نجد إبداعات المسلمين واختراعاتهم بداية من الوصول لمشروب القهوة والنظافة وألعاب التسلية مرورا بصناعة السجاد والملابس وانتهاء باختراع الساعات وآلات التصوير وغيرها. وفى وسط المعرض يقبع مجسم لساعة الفيل العملاقة، التى اخترعها العالم المسلم الجزرى فى القرن الثانى عشر الميلادى مستخدما فيها علامات، وأشكالا تعبر عن الاحتفاء بتنوع البشرية وبطبيعة تنوع الإسلام، حيث كان العالم الإسلامى يمتد وقتها من الأندلس إلى وسط آسيا. وفى علم البصريات يبرز دور العالم الحسن بن الهيثم الذى أرجع مؤرخ العلوم البارز فى القرن العشرين جورج سارجون، القفزة فى علم البصريات إلى ابن الهيثم الذى قدم التفسير العلمى لكثير مما يعرفه علماء اليوم. أما فى مجال التعليم فقد برع المسلمون فيه على نحو كبير بدءا من إنشاء المدارس وحتى الجامعات والمؤسسات العلمية مثل بيت الحكمة الشهير الذى يعد أول أكاديمية علمية فكرية نشأت فى بغداد فى القرن التاسع وجامعة القرويين فى فاس بالمغرب أول جامعة فى التاريخ بنتها فاطمة الفهرى عام 841 ميلادية. وفى الكيمياء برزت أسماء جابر بن حيان الملقب بمؤسس علم الكيمياء ومحمد بن زكريا الرازى والكندي، وفى علم الهندسة اشتهر المسلمون بالتصاميم الهندسية المعقدة والأنيقة، فى وقت كانت فيه أوروبا بعيدة كل البعد عن هذا الفكر الهندسى. وفى مجال الصحة يكشف المعرض أن المستشفيات نشأت فى العالم الإسلامى قبل ألف عام، ومن أبرز علماء الطب أبو القاسم الزهراوى الذى وصفه لوسيان لوكليرك مؤرخ الطب الفرنسى ب «رائد الجراحة» وأن شروحه شكلت ابتكارا أبقاه فى أعمال من جاءوا بعده. كما كان العالم ابن النفيس - المولود عام 1210 م بدمشق أول من وصف الدورة الدموية الصغرى وهى حقيقة تم اكتشافها عام 1924، وابن سينا الذى قال عنه الطبيب الأوروبى دى بور: كان الطب غائبا حتى ابتكره أبقراط وكان ميتا حتى أحياه جالينوس وكان مبعثرا حتى جمعه الرازى وكان ناقصا حتى أكمله ابن سينا. كما أبدع العلماء المسلمون فى العديد من مجالات الحياة الأخرى، ففى مجال الهندسة كان سنان باشا مهندس الإمبراطورية العثمانية الذى صمم وبنى 477 منشأة كان يؤكد خلالها أهمية الانسجام والتناسق بين البناء والمشهد الأرضى وهو مفهوم لم يظهر فى أوروبا حتى القرن السادس عشر، وفى مجال علوم الكون، ناقش العالم المسلم البيرونى نظرية دوران الأرض حول محورها قبل جاليليو ب600 عام ودرس أيضاً حركتى المد والجزر بينما درس علماء مسلمون آخرون زرقة السماء وعللوها وبينوا كيف يحدث قوس المطر وقاموا بقياس محيط الأرض.