ما زال للشعر دولته ولا نستطيع العيش دون الشعر والشعراء ضعف مؤسساتنا الثقافية أدى إلى محلية الرواية العربية
مصطلح الأدب النسوى ظهر فى الغرب وينطلق من أرضية عنصرية
تؤكد الروائية والشاعرة السودانية المقيمة فى لندن سوزان كاشف، أنها لا تؤمن بمصطلح الأدب النسوى الذى ظهر فى الغرب وينطلق من أرضية عنصرية، وهو يعنى به الأدب الذى تكتبه المرأة، فالأدب حالة إنسانية سواء كان المبدع رجلا أو إمرأة، وتشير كاشف فى حوارها مع «الأهرام العربى» إلى أن المصطلح، يحد من قدرات المرأة المبدعة ويضعها فى قالب الأنثى التى لا تجيد سوى الثرثرة فى ظل هيمنة المجتمع الذكورى ومحاولات البعض فى إقصاء المرأة من المشهد الثقافى والإبداعى. ما المؤثرات التى لعبت دوراً فى توجهك إلى الشعر.. ومن ثم إلى الرواية؟ الإبداع الأدبى عموماً من الصعب جداً حصره فى نوع معين أو محدد، إنما هى حالة تعبر عن ذات المبدع وهواجسه ورؤيته ونظرته إلى العالم لكى يوصل رسالته، لذلك كل حالة إبداعية لها ظرفها الخاص، مثالاً لذلك تجد هناك من يجمع بين الشعر والرواية وبين الشعر والرسم وكل ذلك يصب فى بحر الإبداع. أما فيما يخص تجربتى الشخصية بدأت بالشعر وعلى نطاق ضيق، ولم أكن أو اخطط لأن يقرأ غيرى ما أكتب لأن الشعر تجربة وجدانية خاصة جداً، توقفت عن كتابة الشعر لظروف هجرتى إلى لندن ونمط الحياة المتسارع وظروف الحياة عموماً لم تتح لى الفرصة فى الكتابة وأيضاً ابتعادى عن الوسط الثقافى السودانى، كان أحد الأسباب القوية التى عجلت بتوقفى عن محاولاتى الشعرية، فعندما تكون موجودا بشكل ما وسط مجموعة من الأدباء لتنهل من إبداعهم يتخيل لك مجالاً واسعاً، أن تعيش فى حالة من أن تعاودك حالة من الحنين للتعبير عما يعتمل فى دواخلك من مشاعر وأحاسيس، لذلك ألقى اللوم على غربتى للتوقف عن تجربتى الشعرية والعودة إليها مرة أخرى، ومن بعد ذلك الدخول فى عوالم الرواية التى وجدت فيها نفسى أكثر، لأن الرواية هى نظرة للذاتى والتعبير عن العام برأى أو شكل خاص، ربما يكون أيضاً السبب المباشر فى توجهى نحو كتابة الرواية، ربما لأنها تعطينى مساحة ومجالا أوسع فى التعبير عن ذاتى وعما يدور من حولى من أحداث، سواء كانت على الصعيد الخاص أم العام. ما الذى أعطاه المهجر ل”سوزان كاشف” وما الذى سرقه منه وما تأثيراته على شخصيتك وكتاباتك؟ المهجر أعطانى الكثير دون من أو أذى، الانفتاح على ثقافات أخرى غير ثقافات البلد المضيف، وهنا أعنى بالتحديد مدينة لندن، بل ثقافات أخرى منها الإفريقى والعربى عن قرب، فكوننا ننتمى إلى إفريقيا والعالم العربى، هذا لا يعنى أننا ملمون بثقافات وعادات تلك العوالم، أما فى المهجر فيكون ذلك واضحاً، ربما لكوننا جميعاً أصبح المهجر بلداً ثانياً لنا، بعد أن لفظتنا أوطاننا الأم، علمنا المهجر أيضاً مبادئ الإنسانية من الاعتراف بالآخر واحترام معتقداتهم وأفكارهم دينهم وتنوعهم، نفتقد تلك الأشياء بالتأكيد فى دول العالم الثالث عموما، حيث ثقافة احترام وتنوع الآخرين تكاد تكون معدومة أيضاً، كان أثر المهجر واضحاً على كتاباتى بشكل واضح، حيث روايتى الأولى «إيرات» تدور أحداثها بين السودان ولندن، وظهر ذلك أيضاً فى روايتى الثانية «توابيت عائمة»، التى تدور عوالمها فى السودان وإريتريا وليبيا وتنتهى أيضا فى مدينة لندن، لذلك المهجر يجعل منك كاتباً مختلفاً وليس من الضرورى أن تكون جيداً لكن يكون الفرق واضحاً عندما تكتب فى عالمين مختلفين، مما يثير فضول القارئ أو المتلقى.. بقدر ما أعطانا المهجر فقد سرق أيضاً منا الكثير سرق الأهل والأصدقاء حميمية العائلة والحنين بشكل عام، على من له علاقة بأرض الوطن خصوصاً فى سنوات الهجرة الأولى، حيث يكون الحنين على أشده بمرور السنوات، تغير مفهوم الحنين عندى أصبح غير ثابت، فأحيانا كثيرة تحس بالغربة والحنين حتى وأنت داخل وطنك. صدر لك أخيرا رواية جديدة بعنوان “توابيت عائمة” حدثينا عن ملابسات وظروف كتابتها؟ أما ملابسات روايتى الثانية توابيت عائمة هى فكرة عشعشت داخلى واحتلت مساحة كبرى من تفكيرى، نسبة لتسارع الأحداث من حولنا حروب ودمار ونزوح قسرى، أدى إلى ما يسمى (بالهجرة غير الشرعية)، وبالتأكيد أنا ضد هذا المسمى، فالهجرة حق إنسانى لمن لفظتهم أوطانهم الأم الموت والدمار، الذى دفع بهؤلاء إلى محاولات الهجرة عن طريق الصحراء، فابتلعتهم الصحراء وحولتهم إلى جثث ذهبية أو غاصوا فى عمق البحار، فأصبحوا طعما لأسماكه، كل تلك المناظر الشنيعة فى القنوات المختلفة وشاهدت بعض الشباب من السودانيين الذين نجوا، حفزنى لكتابة «توابيت عائمة»، علنى ألقى بحجر لتحريك البركة الراكدة فى قفلة من حكامنا. رواية “توابيت عائمة” تتعرضين فيها للهجرة غير الشرعية، وكذلك التجربة الإنسانية التى تعرضت لها بطلة الرواية الإريترية روبلى.. لماذا؟ فيما يختص ببطلة الرواية الشابة الإريترية روبلى، طبعاً هى رواية وليست سيرة، لكن تقوم فى أغلبها على شخصيات واقعية، وروبلى هى مثال لكثير من الشابات اللواتى هاجرن بتلك الطريقة هرباً من واقع مزرى من البطش والفقر والبطالة. إلى أى مدرسة روائية أو أسلوب تنتمى “توابيت عائمة”؟ أنا أومن فقط بأن لكل كاتب حالته الخاصة من خلال واقعه المعاش، فنحن دائماً فى حالة عصف ذهنى ومقاومة مستمرة، والكاتب له عالمه الخاص الذى يمكنه من يشكل ويعيش فيه مع شخوص وأبطال رواياته، لذلك تلك العلاقة التى تمكن أى كاتب أن يكتب دون الالتزام بأى مدرسة، وإنما يترك ذلك للنقاد والقراء الذين أعتبرهم هم الناقد الأساسى لكل عمل إبداعي. هل رواية “توابيت عائمة”تروى الواقع العربى بعين المثقفة والكاتبة؟ نعم رواية توابيت عائمة تحكى الواقع العربى والإفريقى المرير، وأثره على شعوبه، نعم قد يكون بعين المثقفة والكتابة لكى تكون كاتباً جيداً، لا بد أن تكون مثقفاً ملما بكل الأحداث من حولك، لأن تلك الأحداث والوقائع تكون محور كتاباتك، فالكاتب صوت وضمير الأمة دون مجاملة أو حياد، فكل شخوص الرواية هم من الواقع. تطرح رواياتك واقع المرأة العربية فى اتجاهات مختلفة، فهل تعتقدين بأنّ أعمالك تنضوى تحت مفهوم الأدب النسوي؟ دون شك لا أؤمن بمصطلح الأدب النسوى الذى ظهر فى الغرب وينطلق من أرضية عنصرية، وهو يعنى به الأدب الذى تكتبه المرأة، فالأدب حالة إنسانية، سواء كان المبدع رجلا، وهو ما يسمى بمفهوم الأدب النسوى يحد من قدرات المرأة المبدعة ويضعها فى قالب الأنثى التى لا تجيد سوى الثرثرة فى ظل هيمنة المجتمع الذكورى ومحاولات البعض فى إقصاء المرأة من المشهد الثقافى والإبداعى، عموماً الأدب حالة إنسانية مرتبطة بقضايا مصيرية تعم المجتمع ككل والتعبير عن ذلك سوى كان المبدع رجلاً أو امرأة. إلى أى مدى تتعايشين مع بطل روايتك، وهل تضفين عليه بعضا من صفاتك الشخصية أم تتركينه لتحديد مصيره بنفسه؟ أتعايش مع شخوص رواياتى حد التعلق، لكننى لا أضفى على أى منهم صفاتى الشخصية، لكن أغلب الوقت تجد هناك ما يجمع بيننا.. أحياناً كثيرة أحاول أن أحدد مصيرهم، كما حدث لعمر الشاب الإريترى الذى فر من الموت والبطش فى وطنه، ورحلة الموت والحياة التى حتى وصل إلى أوروبا، كنت مقررة لعمر أن يعيش حياة مستقرة فى بريطانيا، لكن عمر اختار أن يغادر الحياة وينتحر فتركته لمصيره، فقد كان خياره ألا يعيش. صدر لك العديد من الأعمال قبل رواية “إيرات”.. ماذا عنها؟ إيرات هى المولودة الأولى أكن لها معزة خاصة وستظل هى الأقرب إلى القلب ربما لأن إيرات بطلة تشبهنى كثيراً، وهى حياة فتاة سودانية هاجرت إلى لندن تعرضت إلى كثير من الخيبات هى سرد لواقع المرأة العربية والإفريقية المهاجرة. كروائية كيف تتشكل مادتك الخام ومن أى البدايات تنطلقين خصوصا وأنك تلجئين للتاريخ فى أحيان كثيرة لمساءلة الواقع؟ تتشكل لدى المادة الخام بعد صراع عنيف مع فكرة القصة نفسها ثم مع شخوص رواياتى، والذى ينتهى دائماً لمصلحة هؤلاء الشخوص عندما تتبلور الفكرة تماماً فى رأسى أبدا البحث عن شخوص الفكرة نفسها الذين يتواجدون حولى دائماً ينتظرون فى لهفة أن تكتب حكاياتهم.... نحتاج أن نلج التأريخ قليلاً، وحدث هذا بالتحديد فى توابيت عائمة وإن كان تأريخناً نحن العرب مزورا ومشوهاً. أين أنت من الشعر حاليا؟ هناك الكثير من الشعراء الذين قد نجحوا فى المزاوجة بين الشعر والرواية ولكن ما زال للشعر دولته لا نستطيع العيش دون الشعر والشعراء فالشعر قضية والمبدع عموماً ضمير أمته سواء أكان شاعراً أم روائياً. كيف تقيمين الحركة الأدبية السودانية فى المهجر وخاصة فى السنوات الماضية؟ فيما يخص الأدب السودانى فى المهجر نسبة لعدم الاستقرار السياسى والنزوح والحرب الأهلية أدت إلى ظاهرة الهجرة والاغتراب، مما أفرز الكثير من المبدعين فى المهاجر وظهور حالة من (نوستولوجيا) تحمل فى طياتها الوطن المفقود من هؤلاء المبدعين، دكتور أمير تاج السر، طارق الطيب، دكتورة إشراقة مصطفى وآخرين وأخريات. برأيك ما أبرز التحولات التى طالت الرواية السودانية؟ التحولات التى طالت الرواية السودانية منذ الستينيات وكتابات الروائى العظيم الطيب صالح وإبراهيم إسحق وغيرهم اعتقد بأنهم وضعوا الرواية السودانية فى مسارها الصحيح حدثت فجوات هنا وهناك، قد يكون فى الإنتاج ثمة إسهامات روائية جديرة بالاهتمام والتقييم لكن لضعف الحركة النقدية فى السودان لم تجد الاهتمام هذا لا ينفى ظهور الكثير من الروائيين الجدد مما أغنى الساحة الثقافية السودانية. لماذا لا تترجم كتبُنا العربية إلى لغات أجنبية، لنُقرأ بالشكل الذى نستحق؟! أعتقد عدم ترجمة أدبنا العربى إلى لغات أخرى له أسباب كثيرة، بالرغم من أن تبادل الثقافات أصبح يتم عن طريق الأدب، ربما يكون ضعف مؤسساتنا الثقافية وعدم وجود مترجمين بعدة لغات، فما زالت محلية الرواية العربية هى المسيطرة دون بذل جهد من الناشر أو غيرها من المؤسسات الرسمية. هل نالت تجربتك فى الكتابة حظها من المتابعة النقدية؟ لم تنل تجربتى حظها من الدراسات النقدية، ربما ذلك يرجع إلى أن تجربتى فى عالم الإبداع قصيرة، لكن الدراسات التى قدمت أسعدتنى كثيراً، سواء كان ذلك فى مصر أم السودان وأشكر كل من ساهم فى ذلك . الكثير من الأدباء والنقاد ينتقدون الجوائز الأدبية ويرون أنها خلقت حالة من"هوس" كتابة الرواية من أجل الجوائز. فكيف ترين الأمر؟ لا مانع من الجوائز الأدبية إذا وجدت لجنة تحكيم أمينة، فالجائزة تقوم بالتعريف بالكاتب الجيد الذى من الممكن ألا يجد حظه فى الانتشار، لا سيما وقد أصبحت المجتمعات الثقافية العربية تقوم على الصداقة والشللية، وفى حالة الفوز قد تساعد المبدع على التفرغ، لأن الكتابة تحتاج فى أغلب الأحيان إلى التفرغ التام، لذلك تجد المبدع فى الغرب يتفرغ للكتابة فقط . كيف يمكنك كروائية سودانية الخروج من فخ الطيب صالح الذى سيطر على ذائقة المتلقى العربي؟ الخروج من فخ الطيب صالح ليست مسئولية المبدعين السودانيين، فنحن بذلنا مجهودا للخروج من هذا الفخ، لكن المشهد الثقافى العربى لا يلتفت إلى مبدعين آخرين، بقدر ما التفت إلى تجربة الطيب صالح وأرض قد أنجبت الكثيرين والكثيرات من المبدعين والمبدعات.