لم يكن الرئيس عبد الفتاح السيسى قد أمضى كثيرًا من الوقت فى منصبه كرئيس للجمهورية، وكنت ألاحظ دائمًا، فى كل البرامج الحوارية التى تتم استضافتى فيها، أن سؤالًا بعينه يتكرر عبر كل البرامج، مع اختلاف المعدين والمذيعين، وبأكثر من صيغة، ولكنها كانت جميعًا تصب حول أن السيسى يحقق نجاحات خارجية، فيما أن الداخل لا يزال محلك سر. وكان التفسير يكمن فى اختلاف طبيعة وأداء القائمين على العمل فى المؤسسة المعنية بسياسة مصر الخارجية عن أقرانهم العاملين بباقى قطاعات الدولة، وأن مصر تهدف إلى استعادة كامل مساحة دوريها الإقليمى والدولى من أجل دعم تطورات الأوضاع الداخلية على جميع الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإعلامية، خصوصا ما يتعلق بملفى التنمية، ومواجهة الإرهاب. وكانت هذه هى الخطوة الأولى لضرب الدولة المصرية فى مقتل، وإبراز فشل الدولة فى معالجة قضايا الشأن الداخلي. نعم كانت هذه هى الخطوة الأولى، وحجر الأساس الذى تم البناء عليه لتوجيه السهام إلى قلب الدولة المصرية. كانت هذه هى البداية للسيطرة على العقول، وتأكيد أن الدولة التى تحقق نجاحات باهرة فى الخارج عاجزة عن أن تحقق أى نجاح أو تطور على الصعيد الداخلي.
هل هذه هى الحقيقة؟ لكى نتعرف على جوانب الحقيقة، علينا أن نتوقف عند نشاط الرئيس السيسي، فى فترة الأعوام الثلاثة الماضية، لكى نعرف وندرك أن هذا البناء القائم على العجز الداخلى بناء غير حقيقي، وأن ما تبذله مصر من مجهودات على صعيد تحركاتها الخارجية يصب بالكامل فى مصلحة دعم تطورات الأوضاع الداخلية.
ففى زيارات السيد الرئيس إلى مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة للمشاركة فى أعمالها، وزياراته الثنائية المتعددة، ومن استقبلهم من قادة وزعماء الدول، حرص سيادة الرئيس على توصيل مجموعة من الرسائل المهمة. ففيما يتعلق بالأوضاع الداخلية:
• أوضح سيادته ملف حقوق الإنسان، وأوضح آليات وسياسات مصر لاحترام حقوق الإنسان، والتى تختلف معاييرها ووضعيتها عن النموذج الذى يريد الغرب أن يفرضه فى الشقين السياسى والقانوني.
تناول الرئيس مجهودات مصر لمكافحة الإرهاب، مؤكدًا أن آليات مواجهة الإرهاب لا ينبغى أن تقوم على المواجهة الأمنية فقط، وإنما ينبغى أن تكون مرتبطة ببرنامج عمل يشمل تطويرًا فى الخطاب الدينى الوسطي، واستحداث أنماط ثقافية لاستيعاب الفكر المتطرف الذى يمكن أن يتحول إلى ممارسة الإرهاب العملياتي، وهو ما توج بإقرار وثيقة كلمة الرئيس فى قمة الرياض من ضمن وثائق مجلس الأمن والأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب.
أبرز أيضاً جهود التنمية التى تقوم بها الدولة المصرية لتحقيق مفهوم التنمية المستدامة وفقًا لخطط وآليات مجدولة زمنيًا حتى عام 2030. وأكد فرص الاستثمار غير المحدودة التى توفرها الدولة المصرية للمستثمر الأجنبى عبر التطوير المستمر لمشروعات البنية التحتية، خصوصاً ما يتعلق بشبكة الطرق والكهرباء. وأشار إلى أن المشروعات القومية الكبرى تهدف فى المستقبل القريب إلى توفير الحياة الكريمة للمواطن المصرى الذى يستحق ذلك.
كذلك، لم يغفل سيادته أن يشير إلى الجهود التى تبذلها الدولة فى مجال الخدمات العامة الأولى بالرعاية، ومن ذلك نجاح مصر فى القضاء على فيروس سي، وإلى البرامج الصحية والتعليمية التى ستشرع فيها الدولة لمعالجة أحد الملفات المهمة فى حياة المواطن المصرى البسيط.
وخص الرئيس بالحديث التجربة المصرية فى مكافحة الهجرة غير القانونية، موضحًا الجهود التى بذلتها الدولة المصرية، ومنها إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير اللقانونية، والسياسات والتوصيات التى خرجت بها. أما على الصعيد الخارجي، فقد أكد سيادته:
إن الأمن القومى العربى من الأمن القومى المصري، وأن مصر لن تسمح بتهديد أية دولة عربية فى ظل تصاعد تهديدات دول الجوار الإقليمي، وتسخين ساحة الصراع تحسبًا لاندلاعه فى أى وقت.
ثوابت الأمن القومى المصرى فى التعامل مع كل من الملف السوري، والليبي، والعراقي، واللبناني، وأن مصر لن تسمح بانهيار أو تقسيم الدولة الوطنية ولا بسقوط مؤسساتها، وأن مصر تبذل كل ما تستطيع من جهد من أجل التوصل لوساطات وحلول سياسية على أرض الواقع، تضمن إنهاء الأزمات الطاحنة التى تعانيها هذه الشعوب والدول من الإرهاب، إضافة إلى إشعال الصراعات الطائفية والمذهبية بها.
أهمية استعادة الأمن والاستقرار فى الدولة الليبية تحديدًا، وحق الشعب الليبى فى السيطرة على مقدراته الاقتصادية، وأن مصر لن تسمح بأى عدوان على إرادة الشعب الليبي، وهو أمر ينسجم تمامًا مع الأمن القومى المصري، الذى كان إشعال الحدود الليبية الغربية أمرًا حيويًا لمن يريد بمصر الشر، خصوصاً بعد تضييق الخناق على “داعش” فى سوريا والعراق.
الدور الذى تلعبه القوات المسلحة فى تأمين ما يقرب من خمسة آلاف كيلومتر، تمثل الحدود البرية، والمائية الإقليمية المصرية، ومنها الحدود الجنوبية مع السودان الشقيق، بكل ما يمثله ذلك من تهديدات لا تتمثل فى أسلحة وإرهاب فقط، وإنما تمتد إلى عمليات التهريب.
التعاطى المصرى الإيجابى مع كل من لجأ إليها منذ أحداث الربيع العربي، وكيف أن مصر لم تتاجر بهم، رغم ضخامة العدد الموجود منهم، الذى يقترب من خمسة ملايين لاجئ، والمناخ الذى وفرته لهم مصر من أجل أن يعملوا ويحققوا النجاحات، مثلهم مثل أى مواطن مصري.
فلسطين فى القلب، ولمصر رؤيتها القائمة على تحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطينى فى تحقيق السلام الشامل والدائم والعادل، بما يتوافق مع حدود 4 يونيو 1967، وقرارات الأممالمتحدة فى هذا الشأن، مع الاحتفاظ بحق العودة للاجئين.
السيسى يعمل ويعمل، ومصر تعيد صياغة دوائر علاقاتها، وتعيد بناء ما تقطع منها، لكى تحافظ على مستقبل عملية التنمية، بما يضمن مستقبلا أفضل لأجيال من الشباب الذى يستحق رعاية مختلفة من دولته. مصر ترسل رسائل واضحة توضح نجاحاتها الداخلية والخارجية، وقطاع من المصريين صامت منتقد لا يستوعب ما يحدث حوله من نقلات فى دولته، وأدوات إدارتها للسلام، ونزع فتيل الأزمات، قبل أن تتحول لصراعات، قطاع لا يرغب فى أن يتحمل المسئولية مع الرئيس والدولة.