الجميع أقر بحتمية تغيير الاتفاق السياسى للوصول بمجلس رئاسى ثلاثى وإلغاء المادة الثامنة بعد فشل ثلاثة مبعوثين أمميين للوصول لحل نهائى للأزمة الليبية استلم اللبنانى غسان سلامة الملف، وبدأ مهامة مبعوثا للأمين العام للأمم المتحدة فى ليبيا بمقابلة الجميع فى الداخل والخارج الليبى، مما كون صورة أوضح للمشهد الليبى، خصوصا بعد تقدم الجيش وتحقيق انتصارات على الأرض فى مواجهة لإرهاب، وجعل تقرير بعثة الأممالمتحدة لمجلس الأمن الشهر الماضى يحتوى على تفهمات للمشهد مختلفة بشكل واضح عن التقارير السابقة، أهمها ألا بديل عن تغيير بعض بنود الاتفاق السياسى الذى وقع فى ديسمبر 2015 بمدينة الصخيرات المغربية، الذى كان المبعوث السابق مارتن كوبلر يرفض رفضا تاما تغيير أى من بنوده أو الملاحق المكملة له، وأهمها شكل وتكوين المجلس الرئاسى، والمادة الثامنة الخاصة بقيادة وتعيين القائد العام للجيش الليبى.
بعد اجتماع المبعوث الأممى غسان سلامة مع الجميع، أقر بحتمية تغيير الاتفاق السياسى الليبى للوصول بمجلس رئاسى ثلاثى وإلغاء المادة الثامنة، وهو ما يعنى استمرار المشير خليفة حفتر على رأس الجيش الليبى بضمانات عدم التدخل فى تغيير قيادة الجيش قبل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها.
كما اقترح سلامة أن يتم تشكيل مجلس موسع فى صورة مؤتمر عام يضم 800 مقعد (200 لأعضاء مجلس النواب الليبى و 200 مقعد لأعضاء المؤتمر الوطنى السابق بجانب 400 مقعد قرر أن يشغلهم الفاعلون والمهمشون والأقليات) ولم يوضح المبعوث الأممى شكل ومهام هذا الجلس المجمع خلال الفترة الانتقالية المقبلة، التى رأى أن تكون مدتها عاما آخر.
وخلال هذا المشهد اجتمعت لجنة الحوار بتونس الأسبوع الماضى لبحث سبل الاتفاق، وبدا واضحاً أن الجميع متفق على تعديل بعض بنود الاتفاق السياسى خصوصا تشكيل المجلس الرئاسى بدلا من تسعة أعضاء إلى رئيس ونائبين، إلا أن هناك ثلاثة سيناريوهات لشكل هذا المجلس الرئاسي.
السيناريو الأول: طرحه رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح وعدد من أعضاء البرلمان، وهو أن يتم اختيار ثلاثة ممثلين للأقاليم الثلاث، عضو عن إقليم برقة وفزان وطرابلس، ويكون المجلس ثلاثى الرئاسى وليس رئيسا ونائبين
وتشير التكهنات والتسريبات إلى أنه فى حالة تمرير هذا السيناريو سيتم الاختيار بين كل من فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسى الحالى، وعبدالرحمن السويحلى رئيس مجلس، إلا أن الخلاف سيكون فى شكل المجلس لوجود رؤية لعدد من الدول الأوروبية على رأسها بريطانيا أن يشكل من رئيس ونائبين والتمسك بفايز السراج رئيساً. السيناريو الثانى: طرحه القائد العام للجيش الليبى المشير خليفة حفتر والذى بدا خلال الأشهر الماضية بتحركات سياسية خارجية مكوكية بين الدول الفاعلة فى المشهد الليبى عربيا وغربيا
وأيضا إفريقياً، برؤية تعتمد على وحدة ليبيا وعدم تشكيل المجلس على هيئة تمثيل للأقاليم الثلاثة، ولكن بتمثيل ثلاثى يخضع للمناصب بحيث يكون المجلس الثلاثى الرئاسى من رئيس مجلس النواب السلطة التشريعية المنتخبة ورئيس مجلس الدولة وقائد الجيش ممثلاً للمؤسسة العسكرية وفصل رئيس الحكومة عن أعضاء المجلس الرئاسى وتحديد خارطة طريق محددة زمنيا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية والتأكيد على أن الجيش هو السلطة العسكرية المسلحة الوحيدة فى البلاد.
أما السيناريو الثالث: وهو الأقرب لرؤية مبعوث الأممالمتحدة وبعض الدول الأوروبية، أن يتم تشكيل مجلس ثلاثى يتكون من رئيس ونائبين ويتم تسمية رئيس حكومة منفصل . لتبقى أزمة اختيار الأسماء المرشحة، وهو الخلاف الأكبر بجانب مناقشة المادة الثامنة من الاتفاق السياسىى التى قرر أعضاء لجنة الحوار المجتمعة بتونس أن تؤجل عرضها لبعد الاتفاق على شكل ومهام المجلس الرئاسى الجديد.
وظهر واضحاً أن هناك توافقا مبدئيا بين الأطراف الليبية المجتمعة فى جلسات الحوار بتونس على تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسى من تسعة إلى ثلاثة، وفصل العمل الحكومى عن المجلس الرئاسي.
وعن مهام المجلس الرئاسى الجديد هناك مقترح داخل لجان الحوار أن يتولى المجلس مهام الوزارات السيادية والترتيب إجراءات ومواعيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتصويت على الدستور.
ورغم الانفراجة الشكلية على يد المبعوث الأممى الجديد غسان سلامة للمشهد السياسى المعقد فى ليبيا، فإن مع بدء الدخول فى تفاصيل ترشيحات الأسماء سيمر المشهد بحالة من البطء والتجاذبات ستجعل الحل السياسى بعيد التحقق، خصوصا أن ملف الميليشيات المسيطرة على العاصمة التى لا تقبل المشير حفتر على رأس قيادة الجيش الليبى، ستكون حجرا ضد تمرير أى اتفاق سياسى، وهو الملف المسكوت عنه حتى الآن.
وبرغم المبادرة الفرنسية الناجحة مؤقتا فى اللقاء الذى جمع حفتر والسراج برعاية الرئيس الفرنسى ماكرون، فإن توقف العمليات العسكرية، لن يستمر طويلاً خصوصا بعد معارك مدينة صبراتة بالغرب اللليبى بين عسكريين وبين جماعات إسلام متشدد تنتمى لتنظيمات إرهابية، مما قد يؤدى لتدخل الميليشيات المضادة للجيش فى المعارك.
ومن جانب آخر جاء الاغتيال الغادر لشيوخ المصالحة بقبيلة ورفالة أكبر القبائل الليبية، عاملاً سينتج عنه تأجيج المشهد العسكرى خلال الأيام والأسابيع المقبلة بالمنطقة الغربية. وعلى الرغم من صعوبة قراءة المشهد السياسى الليبى والخلافات الشديدة فى رؤى شكل المرحلة الانتقالية، فإن الأزمة الليبية ليست داخلية فقط بل الأهم والأصعب هو الخلاف الإقليمى والدولى فيالاتفاق على شكل الحكم فى ليبيا بعد الاستقرار، فليس جميع الدول النافذة فى المشهد الليبى لديها نفس الرؤية للقادم، وكل فريق دولى يدعم توجه داخلى.
كل هذه النقاط تؤكد أن مشوار الاتفاق السياسى الليبى ما زال طويلا ويبقى بصيص الأمل فى الدعم الدولى للقوات المسلحة الليبية فى القضاء على الإرهاب فى كل المدن الليبية والضغط على تفكيك الميليشيات المسلحة، وإدانة كل أشكال دعم الميليشيات من قبل بعض الدول وإلغاء قرار حظر تسليح الجيش الليبى.