جورج شولتز وزير خارجية ريجان أعطى إشارة البدء للتنقيب عن أرض للسفارة السفير الأمريكى يتمنى ممارسة عمله انطلاقا من القنصلية بالقدس فيما يُطلق عليه الخيار المراوغ
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى : القنصلية تُرسل تقارير مباشرة للخارجية الأمريكية
“لا أكترث كثيرا أين سيرتفع مبنى السفارة الأمريكية طالما أنه سيكون داخل أسوار القدس” هذه العبارة الخطيرة وردت على لسان مايكل أورين، أحد أشهر المؤرخين الإسرائيليين الذى شغل منصب سفيرا لإسرائيل بالولاياتالمتحدةالأمريكية، لافتا النظر إلى أن جوهر التحرك المرتقب، هو رمزيته الكامنة فى الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهى خطوة مهد لها الأمريكيون بتثبيت موطئ قدم لهم هناك عبر قنصليتهم المريبة بخطوط اتصال مباشر مع الخارجية الأمريكية. واليوم تطرح نفسها بقوة كخيار أمثل وأسهل كمقر للسفارة، على نحو يدفعنا للتساؤل هل كان ذلك مخططا منذ رمى حجر الأساس بمبناها المشئوم؟ فالقنصلية الأمريكيةبالقدس تمنح الإدارة الأمريكية حلا سحريا سريعا لمعضلة موقع السفارة، فغاية ما هنالك تغيير اللافتة الخارجية لتحمل مٌسمى “سفارة “ بدلا من “قنصلية” بما يوفره ذلك الخيار من توفير للنفقات والوقت. وإن كان ثمة خلاف حول مدى ملائمته من حيث المساحة لاحتواء طاقم العاملين بالسفارة، وثمة خيار آخر يُطلق عليه “الخيار المراوغ “ يتجسد فى أن يمارس السفير الأمريكى بإسرائيل ديفيد فريدمان مهام عمله انطلاقا من القنصلية الأمريكيةبالقدس دونما الإعلان رسميا عن تغيير المسمى الدبلوماسى لها إلى سفارة، ومما عزز فرص الخيار الأخير تصريح فريدمان أكثر من مرة عن تحرقه شوقا لتلك اللحظة. ويرجع تاريخ الوجود القنصلى الأمريكى بالقدس إلى عام 1857، حيث شهد تأسيس وجود قنصلى دائم فى مبنى داخل باب الخليل فى البلدة القديمة، بينما وطأت أقدام أول قنصل للولايات المتحدة للقدس عينه الرئيس جون تايلر عام 1844 بحسب المعلومات المنشورة على الموقع الرسمى للقنصلية الأمريكية . انتقلت البعثة لمكان آخر شارع الأنبياء خارج البلدة القديمة بقليل، قبل أن يتم نقلها فى عام 1912 لموقعها الحالى في شارع أغرون 18. شمل مبنى القنصلية الأصلى طابقين فقط، وتم إضافة الثالث فى أوائل القرن العشرين ويضم المبنى اليوم مكان إقامة القنصل العام ومكاتب الموظفين . منذ عام 1951، استأجرت الولاياتالمتحدةالأمريكية موقعا آخر فى شارع نابلس. وحتى أيلول 2010 كان هذا الموقع يضم القسم القنصلى التابع للقنصلية العامة، والذى يؤمن خدمات لحاملى الجنسية الأمريكية والتأشيرات. وقد انتقل القسم القنصلى الآن إلى 14 شارع ديفيد فلسر. فى عام 2006 وسعت القنصلية الأمريكية العامة وجودها فى آغرون، باستئجار مبنى محاذٍ وخصصته لمكاتب الإدارة والعلاقات العامة. وقد تم تحديد البعثة كقنصلية عامة فى عام 1928. وهى تمثل الدبلوماسية الرسمية للولايات المتحدة فى القدس والضفة الغربية وغزة كبعثة مستقلة تحت إدارة القنصل العام كرئيس للبعثة. إلا أن الخطير بالأمر وجود خط ساخن بين القنصلية الأمريكيةبالقدس والخارجية الأمريكية، حيث كانت ولا تزال حتى اليوم تُرسل تقاريرها مباشرة إلى الخارجية الأمريكية وفقما أكده “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني”. وقد برزت فكرة تخصيص مقر محدد للسفارة الأمريكيةبالقدس بقوة، فى عهد إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان، حيث أعطى وزير خارجيته آنذاك جورج شولتز إشارة البدء بالتنقيب عن أرض للسفارة أثناء زيارة له لإسرائيل فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى . وفى يوم 18 يناير 1989 جرى توقيع اتفاقية بين إسرائيل والولاياتالمتحدة تم بموجبها تأجير قطعة أرض فى القدسالغربية إلى حكومة الولاياتالمتحدة. ويبلغ سعر إيجارها دولارًا واحدًا سنويًا، ويسرى عقد الإيجار لمدة 99 عامًا ويكون قابلًا للتجديد، شريطة أن تقيم الولاياتالمتحدة على هذه الأرض منشأة دبلوماسية أمريكية فى القدسالغربية. ويؤكد المؤرخ الفلسطينى وليد الخالدى فى كتابه” أرض السفارة الأمريكية فى القدس: الملكية العربية والمأزق الأمريكى “أن 70 بالمئة من مساحة تلك الأرض ملكية خاصة ل76 لاجئًا فلسطينيًا من المالكين الأصليين للأرض، والجزء الباقى من مساحة الأرض وقف إسلامى صادرته إسرائيل عام 1948. ويبلغ مجموع عدد ورثة المالكين الأصليين لهذه الأرض استنادًا إلى قانون الإرث الإسلامى ألف وارث. وتقع هذه الأرض فى منطقة كانت تعرف باسم “ثكنة أو معسكر اللنبي”، أى موقع الحامية العسكرية البريطانية فى عهد الانتداب البريطاني. وطلبت الولاياتالمتحدة من إسرائيل وقت إبرام العقد أن يظل الهدف من العقد مُبهمًا، بينما طالبت إسرائيل الولاياتالمتحدة بتعهد صريح ينص على أن مشروع العقد سيكون سفارة. والأهم هو حيازة المؤلف لنسخ من اتفاقيات إيجار بين حكومة الانتداب البريطانية والمالكين الفلسطينيين لقسائم هذه الأرض متضمنة عروض دفعات الإيجار التى قدمها البريطانيون إلى المالكين الأصليين، فضلًا عن وجود شهادات تسجيل لهذه القسائم وفقًا للسجلات العقارية العثمانية والانتدابية البريطانية وخرائط عثمانية وبريطانية لموقع قسائم هذه الأرض محل النزاع التى تدعى إسرائيل ملكيتها بعد شرائها من البريطانيين. وظلت مراسلات دفعات الإيجار من الحكومة البريطانية للمالكين الفلسطينيين الأصليين حتى نهاية الانتداب البريطانى فى مايو 1948، وقد سددت دفعات إيجار من البريطانيين حتى يوليو 1951، وبذلك ثمة مستندات لاعتراف بريطانى بالملكية الفلسطينية للقسائم المذكورة والمستأجرة فى هذا الحوض. فالأمر برمته باطل أيا كان الموقع الذى سيئن ثراه من وطأة المبنى المشئوم القائم على سرقة أرض وتاريخ وحق بأساطير مزعومة .