استهلت الحكومة المغربية الجديدة بقيادة سعد الدين العثمانى أعمالها باضطرابات ومظاهرات من قبل أبناء منطقة الريف المغربي، التى لم تهدأ منذ حادثة بائع السمك محسن فكرى فى نهاية أكتوبر الماضي، بعد أن طحنته شاحنة نفايات البلدية، حيث ألقى بنفسه فيها محاولًا إنقاذ بضاعته منها، حينما تمت مصادرة أسماكه الممنوعة من الصيد، والتى يبيعها بدون ترخيص من قبل أحد رجال الشرطة فى بلدة الحسيمة التى تقع ضمن منطقة الريف، شمال المغرب. ولم تهدأ هذه التظاهرات منذ ذلك الحين، حيث تتزايد يومًا بعد آخر هذه الموجة الاحتجاجية لا سيما فى الأقاليم الثلاثة، الحسيمة والدريوش والناظور، التى تعد من الأقاليم الأكثر احتجاجًا، لتدخل الاحتجاجات شهرها السابع ، وصارت تعرف إعلاميًا ب"الحراك الشعبى فى منطقة الريف. استغلت هذه الاحتجاجات حادثة "بائع السمك" لترفع مطالبها الاجتماعية والاقتصادية التى تتعلق بتنمية منطقتهم، بعد عقود من التهميش، زاعمين أنهم لا يريدون الانفصال عن المغرب، والعودة لجمهورية الريف التى سقطت فى 1925م، على يد التحالف الفرنسى - الإسباني، بعد معارك طاحنة راح ضحيتها مئات الآلاف من المقاتلين الإسبان وعدد أقل منهم من الفرنسيين، خلال حروب عديدة. أصبح الريف يشكل صداعًا فى رأس الحكومة الوليدة، التى شهدت ولادة متعثرة منذ تكليف عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب البناء والتنمية بتشكيلها، لتصبح منشغلة بتحقيق التوافق الوطني، وترتيب ملفاتها الأكثر أهمية من مشكلة الريف وتعقيداته، لا سيما أن هذه الحكومة ليس لديها جدول أعمال حتى الآن. وتضم منطقة الريف الواقعة شمال المغرب بلدان الحسيمة والناظور وبركان، وهى مناطق لا يفضل سكانها التحدث باللغة العربية وإنما يتكلمون باللهجة الريفية الأمازيغية، واللهجة المغربية، مما يشعرهم بالتميز الثقافى والمعرفى عن المغرب، ويدفعهم دومًا للاستقلال، على الرغم من التصريحات الإعلامية ل"ناصر زفزافي" –أحد قادة التظاهرات الريفية- التى يؤكد فيها أنهم ليسوا انفصاليين ولم يطرحوا يومًا إقامة دولة مستقلة". ويتهم ناصر الحكومة المغربية بتهجير أهالى الريف إلى أوروبا وتأليب السكان المغاربة ضدهم، واتهامهم بتهريب المخدرات أو الولاء للجزائر، وتلقى أموال من الخارج، مطالبًا الحكومة بإخراج أدلتها على هذه الاتهامات، وقد شهدت منطقة الريف موجات كثيرة من الهجرة فى بداية الستينيات، وحتى الوقت الحالي، إلى بلدان خارج المغرب من جهة إلى أوروبا مثل: (إسبانيا، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، هولندا، النرويج)، وإلى بلدان إفريقية قريبة مثل الجزائر وليبيا. وهذه الهجرات كانت بسبب الشعور بالتهميش، الذى نتج عن العزلة الطبيعية بحكم الجغرافيا، والأزمة الاقتصادية الكبيرة، خصوصا أن أموال المهاجرين لم تعد تصل إلى هذه المنطقة، كما أنها تعتمد فى اقتصادها على تهريب المخدرات المصنعة من نبات القنب المنتشر فى هذه المنطقة، والذى أصبح محظورًا بشكل أكبر، بالإضافة إلى انخفاض التهريب باتجاه الجيوب الإسبانية، ومواجهة صيد الأسماك لمشكلات عديدة. ومما يؤكد على حنين أهالى الريف للانفصال والاستقلال هو رفع بعض المتظاهرين علم جمهورية الريف التى أعلنت عام 1922م، بعد انتصار المقاومة بقيادة عبد الكريم الخطابى على الاستعمار الإسباني، وهو علم أمازيغى يحمل ، ألوانًا مختلفة ليتميز عن علم المغرب، وهذا العلم حسب نشطاء مغاربة يعبر عن هوية الريف وتراثه، وهو ما يدفعهم بالقول أن رفعه فى التظاهرات للدفاع عن الهوية وليس للمطالبة بالانفصال، كما تشير الدوائر الحكومية، بل ويعتبر النشطاء هذه الاتهامات "أسطوانة مشروخة لتشويه حراكهم". بينما يتسم التعامل الحكومى مع تظاهرات الريف بقدر من العقلانية وضبط النفس، ويدل على ذلك عدم سقوط أى ضحايا خلال هذه الاحتجاجات على الرغم من طول مدتها التى دخلت فى شهرها السابع، حيث يقتصر دور الشرطة على فرض طوق أمنى حول المتظاهرين لمنعهم فقط من الوصول إلى وسط المدينة، دون استخدام العنف ضدهم أو محاولة تفريقهم باستخدام القوة، باستثناء مسيرة طلابية واحدة نهاية مارس الماضى كانت قد تحولت إلى العنف. وحسب خبراء سياسيين مغاربة، فإن سياسة الحكومة الجديدة فى تعاملها مع القضية الريفية لن تختلف كثيرًا عن سابقتها (حكومة بنكيران) لأنهما خرجتا من مشكاة واحدة، وعبرتا عن توجهات حزب واحد، هو حزب البناء والتنمية، بل يعد الموقف الحكومى الرسمى هو توجيه الاتهامات لجمعيات أوروبية بدعم هذه التظاهرات وتمويلها من قبل أهالى الريف المهاجرين إلى أوروبا. وقد أعلن إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة، أن رئيس الوزراء السابق عبد الإله بنكيران، رفض الإجابة عن تساؤلاته فيما يخص المطالب الريفية، ما يعنى أن تجاهل الحكومة لهذه المطالب متعمد، إلا أن آخرين يرون أن المشكلة ليست فى الحكومة وإنما فى الريفيين أنفسهم، بسبب سعيهم للانفصال، وممارساتهم الاقتصادية غير السوية، التى تتمثل فى الاتجار فى المخدرات والتهريب وغير ذلك، بالإضافة إلى أن هناك مناطق تقع تحت سيطرتهم يصعب على الحكومة المغربية اقتحامها أو دخولها بحال من الأحوال.