الحكومة توافق على الاكتتاب في زيادة رأس مال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار    رئيس جامعة القاهرة يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي سبل التعاون    محافظ كفرالشيخ يتابع أعمال تطوير «ساحة المسجد الإبراهيمي» بدسوق    يحميها بحيوانات مفترسة.. محافظ الدقهلية يضبط أكبر شونة لتجميع الخردة مقامة على أملاك الدولة    استقرار أسعار الذهب عند قمة قياسية مع توقعات بمزيد من خفض الفائدة    حزب المؤتمر: التحالف الوطني ذراع تنموي للدولة المصرية وركيزة أساسية لتنمية المجتمع    نتنياهو يقرر المغادرة إلى نيويورك الخميس لإلقاء كلمة بالأمم المتحدة    استشهاد 10 أشخاص وإصابة 29 آخرين في قصف إسرائيلي استهدف 3 بلدات لبنانية    قصف إسرائيلي يستهدف محيط مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية    الصحة اللبنانية: 15 شهيدًا في غارات إسرائيلية على الجنوب    مانشستر سيتي يعلن تشخيص إصابة لاعبه الإسباني رودري    مدرب السد القطري: مباراة الغرافة ستكون صعبة للغاية    الإعدام لإثنين والسجن ل12 آخرين في قضية خلية استهداف كنيسة المرج    الأرصاد: القاهرة تسجل 35 درجة.. والطقس الخريفي مستمر خلال ساعات النهار    أول تعليق من أسرة الطفلة «علياء» بعد مقابلة رئيس الوزراء.. ماذا قالت له؟    انخفاض معدل المصابين بالنزلات المعوية في أسوان    أحمد عزمي وأبطال مسلسل إنترفيو ضيوف «صاحبة السعادة» الأسبوع المقبل    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    بعد 10 سنوات من رحيل خالد صالح .. سر وصية دفنه يوم الجمعة وصلاة الجنازة ب عمرو بن العاص    مدير مكتبة الإسكندرية يفتتح اجتماع باحثي أكاديمية العالم للعلوم للدول النامية    الصحة النفسية في العصر الرقمي.. ندوة بمكتبة مصر الجديدة الجمعة المقبلة    وكيل صحة القليوبية يتابع سير العمل بمركز طب الأسرة في قرية نوى بشبين القناطر    وزير الشباب والرياضة يلتقى أعضاء نموذج محاكاة مجلس الشيوخ    مدير مركز القاهرة الدولي يقدم استخلاصات النسخة الرابعة من منتدى أسوان بقمة المستقبل    توصيل الغاز الطبيعي ب«التقسيط المريح».. جهود دعم مواطني سيناء لا تتوقف    الأوقاف تعلن إجراءت تجديد التعاقد على وظيفة إمام وخطيب ومدرس وعامل مسجد    محافظ الوادي الجديد يوجه باتخاذ الإجراءات القانونية ضد الطلاب المتغيبين عن المدارس    بينها تجاوز السرعة واستخدام الهاتف.. تحرير 31 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    مع الاحتفاظ بالمصرية.. الداخلية تأذن ل21 مواطنًا التجنس بجنسية أجنبية    مجلس الوزراء يعقد اجتماعه الأسبوعي ويبحث الموضوعات المهمة    وزير الدفاع يشهد حفلَ تخرج الدفعة 166 من كلية الضباط الاحتياط    وزير الأشغال اللبناني يؤكد استمرار العمل بمطار بيروت    عضو ب«الشيوخ»: جرائم الاحتلال الإسرائيلي في لبنان تشعل فتيل الصراع بالمنطقة    رحيل مقدم برنامج سر المكان.. معلومات عن الإعلامي أيمن يوسف    بعد عرض الحلقة التاسعة.. مسلسل "برغم القانون" يتصدر تريند جوجل    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    وزارة التموين تحصر أرصدة السكر المتبقية من البقالين    تتخطى مليار دولار.. شركة تابعة للسويدي إليكتريك تشارك في إنشاء محطة توليد كهرباء بالسعودية    وزير الصحة يستقبل ممثلي "نوفارتس" لتعزيز التعاون في تطوير الصناعات الدوائية    فحص 20 ألف و417 مواطنًا لمكافحة الأمراض المتوطنة بالمنوفية    وفد "الصحة العالمية" يشيد بجهود الطب الوقائى فى ترصد الأمراض بالتطعيم بالإسماعيلية    نبيل الحلفاوي يدعم الأهلي قبل السوبر الأفريقي : «هديتكم للنسور الجدد الذين انضموا ليسطروا تاريخا»    ليفربول يواجه وست هام يونايتد في كأس كاراباو    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 25-9-2024 في محافظة البحيرة    خبير سياحي: الدولة تقدم خدمات متكاملة في مشروع «التجلي الأعظم»    تكريم الإنسانية    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    ضبط 200 ألف علبة سجائر بقصد حجبها عن التداول بالغربية    قطر أول دولة خليجية تعفى من فيزا الدخول لأميركا    خالد جلال يناقش خطة عروض البيت الفني للمسرح ل3 شهور مقبلة    تعديل المخططات التفصيلية لقريتين في محافظة الدقهلية    تشكيل ليفربول المتوقع.. 7 تغييرات.. وموقف صلاح أمام وست هام    عاجل.. رد فعل حكم السوبر الأفريقي بعد طلب الزمالك استبعاده.. كيف يدير المباراة؟    هل هناك نسخ بالقرآن الكريم؟ أزهري يحسم الأمر    «ألماس» كلمة السر.. حزب الله يستعد لمواجهة جيش الاحتلال بريا    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    حظك اليوم| الأربعاء 25 سبتمبر لمواليد برج الحمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 13 - 06 - 2017

حين تقرأ التقرير الأخير الصادر عن صندوق النقد الدولى بشأن الاقتصاد المغربى تأخذك الحيرة فى بعض الاستنتاجات التى خلص إليها، فهناك إشادة بالسياسات الإصلاحية الاقتصادية التى طبقتها حكومة عبدالإله بنكيران فى السنوات الخمس الماضية، مثل إصلاح نظام الجباية والضرائب، واعتماد سعر صرف مرن، وضبط الاقتصاد غير المنظم، وإشارة أخرى إلى أن نسبة النمو للاقتصاد المغربى ستصل هذا العام إلى 4.5%، ما يضع الاقتصاد المغربى فى مرتبة الأفضل فى شمال أفريقيا حسب التقرير، وأن عجز الموازنة سيبلغ 3.5% من إجمالى الناتج القومى ونسبة التضخم 1.1%، كما توقع الصندوق أن يرتفع الادخار القومى إلى 36 فى المائة وأن يغطى الاحتياطى النقدى واردات البلاد لمدة ثمانية أشهر.
مثل هذه الأرقام الجيدة تتصادم مع حقيقة أن هناك فى الريف المغربى شمال البلاد حراكاً مستمراً منذ نوفمبر الماضى، حين وقعت حادثة فرم شاب بائع سمك متجول بسيط الحال فى إحدى شاحنات جمع القمامة على مرأى ومسمع من أحد الضباط، وهو الذى أمر عامل الشاحنة بتشغيل ماكينة فرم القمامة وهو يرى بأم عينيه أن الشاب الفقير يجاهد فى جمع بعض أسماكه قبل أن تتلف، فإذا به يدفع حياته ثمناً للغطرسة و«الحكرة»، أى الإهانة بالتعبيرات المغربية الدارجة. صدى هذا الحراك لم يعد واقفاً عند حدود منطقة الريف شمال البلاد، بل امتد إلى العاصمة الرباط، التى شهدت يوم الأحد الماضى وسط النهار والشمس تلهب الرؤوس والأبدان، مظاهرة صاخبة رُفعت فيها مطالب الإفراج عن الناشطين المعتقلين وأبرزهم ناصر الزفزافى، وشعارات تندد بالفساد والتعامل الأمنى الفظ، وغياب المشروعات الاقتصادية والتنموية فى مناطق الريف المغربى وأجزاء أخرى من البلاد.
تاريخياً، يُعتبر الريف المغربى منطقة تتسم بالتمرد والثورة على الحكام إن بالغوا فى سياسات الإساءة والتهميش، ومشهود له تمرده إبان الاستعمار، وهو الأكثر تهميشاً مقارنة بمناطق أخرى فى عموم المملكة، وأبناء المنطقة يرون ذلك امتداداً لسياسات عقاب جماعى طُبقت منذ تمرد 1958 الذى قضى عليه الملك الحسن الثانى بالقوة المفرطة، وبعدها لم تُعطَ المنطقة الاهتمام الكافى، فظلت تشعر بالغبن والمهانة، ومن أجل البقاء وجد المزارعون فيها ضالتهم فى زراعة القنب وصناعة وتصدير الحشيش إلى أوروبا وبلدان أفريقيا، وحسب الإحصاءات الدولية تُعد المغرب المصدر الثانى عالمياً بعد أفغانستان فى زراعة وتصدير الحشيش. ومنذ 2011 وصدى انتفاضات شعوب عدد من الدول العربية على حكامها الذين تجاهلوا حقوق شعوبهم فى العدل والحرية قد وصل إلى آذان الشعب المغربى فخرج فى مظاهرات 23 مايو مطالباً بالتغيير، ومن ثم اتخذت السلطات المغربية عدة إصلاحات سياسية وثقافية وفقاً لمقولة الإصلاح أفضل من المواجهة، ومن بين تلك الإصلاحات التى هدّأت من الحركة الشعبية، تشكيل لجنة لحقوق الإنسان وتخفيف بعض صلاحيات الملك الإدارية لصالح حكومة برلمانية وإجراء انتخابات ذات مصداقية.
وتحت مظلة الإصلاحات وتشكيل حكومة قادها حزب العدالة والتنمية الإخوانى بقيادة بنكيران، أعطيت بعض الحقوق الثقافية للأمازيغ الذين يقطنون الريف فى شمال البلاد، وأبرزها الاعتراف بلغتهم كلغة رسمية فى البلاد، والسماح لقنوات الإعلام الرسمية التعامل بها، كما بدأت بعض مشروعات تنموية فى قطاع الصيد والزراعة، ودشن الملك محمد السادس مبادرات لتنشيط السياحة، لا سيما فى مدينة الحسيمة التى اعتبرها مقر الاصطياف له، مما روّج نسبياً صناعة السياحة فى المدينة. مثل هذه المبادرات، وإن خففت حدة الاحتقان وأبرزت مساحة من الاختلاف فى تعامل المركز فى الرباط، المعروف بالمخزن، مع متطلبات التنمية فى الريف المغربى مقارنة بما كان عليه الوضع المتشدد زمن الملك محمد الخامس، لم تكن كافية فى تغيير الحالة الاقتصادية للريف على النحو الذى يحقق التطلعات المشروعة للأهالى مثل الاهتمام بقطاع التعليم، لا سيما الجامعى، من خلال افتتاح إحدى الجامعات الحكومية فى المنطقة، وافتتاح مصانع ومنح مزايا وتسهيلات لمن يرغب فى الاستثمار الصناعى كما هو حادث فى مناطق أخرى فى البلاد. إن عدم الاهتمام بالشعب وحقوقه المشروعة جدير بأن يحرك الجبال، فما بالك بشعب مجبول على التمرد، ولذا ليس غريباً أن تكون بعض الشعارات المرفوعة فى تظاهرات الحسيمة وتطوان فى الشمال وفى مقر الحكم، الرباط، منُصبّة على مواجهة الفساد والتذكير بالحقوق التنموية البسيطة والمعتادة، والأهم نفى اتهامات الحكومة الائتلافية أن المتظاهرين يسعون إلى الانفصال وتفكيك تراب الوطن.
إذا عدنا إلى تقرير صندوق النقد الدولى، والمتضمن إشارات إيجابية للاقتصاد المغربى، كما ذكر آنفاً، فسوف نجد جانباً آخر يتسم بالسلبية الشديدة وفيه تفسير مباشر لحراك الريف المغربى، والذى وصل إلى الرباط مقر المخزن ورمزه الأكبر، فالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التى اتخذتها حكومة بنكيران ذات الميول الإخوانية، وإن أسهمت فى تمكين الاقتصاد المغربى من تجاوز مرحلة الخطر حسب نص التقرير الدولى، إلا أنها لم تعالج مشكلات بطالة الشباب وعمل المرأة والفساد المالى والإدارى والرشوة والعدالة وجودة التعليم والخدمات الأساسية. وأن هذه الحكومة كانت لا تهتم بالتوازنات الاجتماعية المحلية، وكانت تصب اهتمامها على التوازنات الإقليمية. والجملة الأخيرة تحديداً تفضح سياسات حكومة الإخوان المغربية إبان حكمها، فهى لم تهتم بالشعب المغربى قدر اهتمامها بصلات المغرب الخارجية فى إطار توجهاتها الأيديولوجية. ودون افتئات على أحد فإذا لم تشمل الإصلاحات التى قيل إن حكومة بنكيران طبقتها خلال خمس سنوات وعلى مدى حكومتين مثل هذه القطاعات الحيوية فكيف نصف نفس هذه السياسات بالإصلاحية؟ هنا يبرز تناقض فى السياق وفى الاستنتاج، لكن يظل الدرس الأكبر يتعلق بأن أى إجراءات اقتصادية قد تُحسن الوضع الاقتصادى جزئياً، إن لم ترافقها سياسات اجتماعية تعتمد العدالة فى التوزيع والعدالة فى إسقاط عوائد التنمية على الجميع بدون استثناء، وإن لم تشمل كل القطاعات وكل المناطق الجغرافية، سيظل هناك ثقب أسود كبير يزداد اتساعاً ويلتهم على مرّ الأيام ما قد يحدث من تحسُّن أوَّلى فى مجال هنا أو مجال هناك، ومع مرور الأيام سوف نكتشف أن الأمور ساءت ولم تتقدم إلى الأمام، وعندها سوف يثور الناس. الدرس فى المغرب لا يقتصر على الأشقاء هناك وحسب، فهو درس عام، فبدون عدالة لن يحدث استقرار ولا تقدم ولا تنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.