30 ألف شركة مقاولات معرضة للإفلاس.. والبنوك تواجه كارثة لتأخر سداد قروض عملاء “المقاولات” تبنت الحكومة المصرية منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة الجمهورية عدة مشروعات قومية، أهمها على الإطلاق العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات الإسكان الاجتماعى والمتوسط ومشروعات الطرق والكباري، وذلك تحت رعاية وإشراف كل من وزارة الإسكان والهيئة الهندسية للقوات المسلحة والتى بدورها قامت بإسناد هذه المشروعات لقائمة طويلة من شركات المقاولات الكبرى والمتوسطة والصغيرة، مما أسهم فى انتعاش قطاع المقاولات بصورة غير مسبوقة وبالفعل قامت بتحقيق نتائج مبهرة. لكن الأمور لم تسر على نفس المنوال حيث قامت الحكومة بإصدار عدد من القرارات الاقتصادية التى أسهمت فى تغيير تكلفة المشروعات القائمة بنهاية ديسمبر 2016 بنسب تتراوح بين 25-40 % حسب طبيعة كل مشروع. جاء أبرز تلك المتغيرات قرار خفض الجنيه بنسبة 14.5 % الصادر فى 14 مارس 2016، ثم تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة فى 7 سبتمبر من نفس العام، الأمر الذى أثر على أسعار جميع السلع مثل حديد التسليح كانت ضريبة المبيعات عليه 8 % وعلى الإسمنت بنحو 5 % وباقى مدخلات المشروعات كانت 10 % أصبحوا جميعاً 13 % قيمة مضافة، فضلاً عن ضريبة المبيعات على خدمة المقاولات كانت 2.9 % أصبحت 5 % وفقاً للقيمة المضافة. وكذلك لا يمكن إغفال العامل الرئيسى وهو قرار تعويم الجنيه فى 3 نوفمبر الماضى مما أثر بزيادات مبالغ فيها على جميع المواد الداخلة فى عقود المقاولات بأعباء تتراوح بين 15-25 % حسب طبيعة كل عقد. كما أسهم قرار رفع الدعم الجزئى على المواد البترولية فى اليوم التالى للتعويم فى زيادة أسعار المواد التى تستخدم هذه المواد فى تصنيعها مثل الحديد والإسمنت والطوب والسيراميك وخلافه، علاوة على الزيادة فى أسعار النقل والانتقالات. هذا إلى جانب قرار رفع سعر الفائدة على الإقراض الذى تبع قرار التعويم بمقدار 3 % دفعة واحدة، ما أثر بدوره على فائدة الإقراض على تمويل البنوك لعقود المشروعات الجارية. هذا القطاع يعمل به بشكل مباشر نحو 15 مليون مصري، يمثلون مختلف الشرائح، منهم 80 % عمالة يدوية يعملون باليومية، هذا بخلاف ما لا يقل عن 10 ملايين مصرى آخرين يعملون فى القطاعات المعاونة لقطاع المقاولات، مثل مصانع الحديد، والأسمنت، والطوب، والخشب، وخلافه . نتج عن تلك المتغيرات توقف ما يقرب من ألفى شركة عن ممارسة النشاط بسبب استنزاف مواردها المالية فضلاً عن 30 ألف شركة مقاولات معرضة للإفلاس، الأمر الذى استدعى ضرورة منح مدد إضافية للمشروعات، مع وقف إى إجراء لسحب أى مشروعات من المقاولين المتعثرين، وصرف ما لا يقل عن 20 % من قيمة التعويضات لحين إقرار قانون تعويضات المقاولين من البرلمان. ووافق مجلس النواب، برئاسة الدكتور على عبد العال، على مشروع قانون تعويضات عقود المقاولات والتوريدات والخدمات العامة، وذلك عن الفترة من بداية مارس 2016 وحتى نهاية ديسمبر من العام نفسه، ولكنه وضع مادة أفرغت القانون من محتواه ليصبح غير ذى قيمة، حيث استثنى من صرف التعويضات الشركات “ما لم يكن هناك تأخير فى التنفيذ لسبب يرجع إلى المتعاقد”، وهو ما ينطبق على جميع الشركات العاملة فى مشروعات الدولة والذى أغلق عدد كبير منهم أبوابه. ليستكمل المقاولون معركتهم للصراع على البقاء مع استمرار استنزاف مواردهم المالية مع كل يوم تأخير فى صرف تلك التعويضات، ليقفوا مكتوفى الأيدى أمام تعنت الجهات الحكومية الذى واجهوه فى تنفيذ قرار لرئيس مجلس الوزراء بمد مهلة تسليم المشروعات من ناحية، ومن ناحية أخرى تباطؤ البرلمان لوضع اللائحة التنفيذية للقانون الخاص بهم لينقذهم من شبح الإفلاس الذى يطاردهم منذ قرابة العام. قال المهندس سهل الدمراوي، عضو اتحاد مقاولى التشييد والبناء، وعضو شعبة الاستثمار العقارى بالغرف التجارية، إن الحكومة تحايلت على المقاولين بتعديل فى المادة الأولى من مشروع قانون تعويضات شركات المقاولات المتضررة من ارتفاع أسعار الخامات عقب قرار البنك المركزى بتعويم سعر صرف الجنيه أمام الدولار. وأوضح أن التعديل شمل إضافة مادة تقضى بالصرف “ما لم يكن هناك تأخير فى التنفيذ لسبب يرجع إلى المتعاقد”، الأمر الذى يجعل هذا التعديل بمثابة إلغاء للقانون، لأن معظم الشركات لديها تأخير بسبب عدم الحصول على مستحقاتها المالية، وبذلك سيكون 96 % ليس لهم حق صرف التعويضات. ويذكر أن خلافا على الصياغة حال دون إقرار قانون تعويضات عقود المقاولات والتوريدات الذى تمت الموافقة المبدئية عليه بالجلسة العامة للمجلس، فى يناير الماضي، وتمت إعادته إلى الحكومة لتعديل الصياغة. وشدد على أنه قد طالب بعدم إقرار القانون إلا بعد حذف هذا التعديل على أن يتاح لشركات المقاولات المشاركة فى الصياغة باعتبارها الطرف المتضرر والشريك الرئيسى للدولة فى تنفيذ المشروعات القومية والمعرضة للتوقف فى حال إصرار الحكومة على إقرار القانون بصياغته الحالية. وتابع الدمراوي، أن نحو ألفى شركة مقاولات خرجت من السوق وأوقفت نشاطها على خلفية تأثرها بعد تحرير سعر الصرف، وارتفاع تكلفة الخامات، وفقاً لاتحاد مقاولى التشييد والبناء، ومن المرجح ارتفاع عدد الشركات المنسحبة مع تأخر صرف التعويضات. وأكد أنه يجب مواصلة الضغط للمطالبة بإصدار مجلس الوزراء القرارات التنفيذية التالية: وهى صرف مبلغ تعويض فورى تحت حساب التعويضات، واعتبار أن الفترة من 11/3 /2016 حتى استلام أول مبلغ تعويض هى مدة توقف لسبب قهرى خارج عن إرادة المتعاقد تضاف لمدة تنفيذ المشروعات، وكذلك موافاة المقاولين بخطابات للبنوك بتاريخ النهو المعدل للمشروعات، مع إصدار تعليمات للقطاع المصرفى باستمرار التسهيلات الائتمانية لقطاع المقاولات حتى تاريخ النهو المعدل للمشروعات، وأخيراً إلزام جهات الطرح باستكمال جداول عناصر المتغيرات لجميع بنود الأعمال فيما طرح أو سيطرح من مشروعات بعد 3/11/2016. وتساءل ما إذا كان القانون بحاجة إلى أن يرسل إلى مجلس الدولة للموافقة عليه، ليستكمل باقى الخطوات بالرجوع إلى مجلس النواب للموافقة النهائية عليه ثم يرسل بعد ذلك إلى رئاسة الجمهورية لينشر بعدها فى الجريدة الرسمية ليصبح قانوناً معمولاً به. وشدد على أن الحكومة أول المتضررين من إقرار القانون بصيغته المعدلة، لأنها بخروج الشركات التى استنزفت السيولة المتوافرة لديها فى سداد الفارق فى أسعار الخامات التى تضاعفت للحفاظ تواجدها فى السوق، ستعيد الحكومة طرح المشروعات بقيمة مضاعفة بعد سحبها إلى جانب فقد الشركات للعمالة وتأخر إنهاء المشروعات القومية التى تعول عليها الحكومة فى تعافى الاقتصاد. وأضاف الدمراوي، أن القيمة التقديرية لأعمال المقاولات التى تنفذها الشركات تصل لنحو 200 مليار جنيه خلال العام الحالي، منها 100 مليار جنيه تستحق تعويضات، فيما ستتكلف الدولة نحو 80 مليار جنيه حال سحب الأعمال وإعادة طرحها مع الأسعار الجديدة بعد ارتفاعات الأسعار. ويتضمن قانون تعويضات المقاولين 4 مواد، ويختص بعقود التوريدات فقط، وينص على صرف التعويضات لعقود المقاولات القائمة اعتبارًا من مارس 2016، وتشكيل لجنة عليا للتعويضات لوضع الضوابط ونسب التعويض التى تستحق على عقود المقاولات التى تكون الدولة طرفاً فيها، أو عقود أى من الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة، للتعويض عن الظروف الاستثنائية، أو أى قرارات يترتب عليها الإخلال بالتوازن المالى للعقود. وأشار إلى قرار مجلس الوزراء الخاص بمنح الشركات مهلة 3 أشهر إضافية ولكن لم تستفد منه أى شركة بحجة أن القرار غير واضح، وطالب رئيس مجلس الوزراء بتطبيق مد المهلة 3 أشهر من صرف التعويضات للشركات. ومن جانبه كشف المهندس شمس الدين يوسف، رئيس شركة الشمس للمقاولات، وعضو مجلس إدارة اتحاد مقاولى التشييد والبناء أنه عند حساب التعويضات فى اللجان المشكلة لهذا الغرض بوزارة الإسكان أو أى جهة حكومية أخرى فإن أسس المحاسبة الرسمية التى تتمسك بها هذه اللجان تهدرالفواتير التى تتقدم بها شركات المقاولات وتلتزم فقط بالأرقام القياسية التى يصدرها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء كجهة رسمية حكومية أيضاً ولا تغطى أرقامها جميع بنود المشروعات، مما يجعل المقاول يضطر تحت ضغط الحاجة للموافقة على هذه الأرقام وبالتالى الموافقة على نسب التعويض التى تنتهى إليها لجان دراسة التعويض، التى لا تمثل الواقع الفعلى للأضرار التى تعرض لها المقاول نتيجة القرارات الحكومية. ونوه إلى أن إقرار البرلمان للقانون أنقذ الدولة من وضع كارثى على طرفى التعاقد (شركات المقاولات – الحكومة)، حيث سيتم تعثر أكثر من 60 % من شركات المقاولات، وسيتم إصدار قرارات سحب عمل للمشروعات المتعثرة وتبدأ إجراءات السحب وإعادة الطرح والتى تستغرق مدة زمنية لا تقل عن 10 أشهر، وفى هذه الحالة ستقوم شركات المقاولات بتسريح العمالة الدائمة والمؤقتة لديها. وتابع أن هذا سيتبعه خروج هذه الشركات من سوق العمل بشكل كامل، لأنه بمجرد إتمام إجراءات سحب العمل فإن الجهة الإدارية تخطر جميع الجهات الأخرى والبنوك بالحجز على مستحقات الشركة المسحوب منها العمل، لحين إعادة الطرح للمشروعات المسحوبة والانتهاء منها لا يكون لها مستحقات لدى الجهات الأخرى أو البنوك لا تمثل سوى 5 % من إجمالى الدين الذى سيظهر عليها نتيجة الفرق بين الأعمال المسحوبة طبقاً للتعاقد وبين قيمة الأعمال بعد الطرح الجديد، وبالتالى فإن أصحاب هذه الشركات لن يكون أمامهم سوى شطب السجل التجارى والخروج نهائياً من ممارسة المهنة. كما أكد تحقيق الحكومة لخسائر كبرى فى حال بطء إقرار قانون التعويضات، حيث إن تأخر المشروعات القائمة إذا ما أعيد طرحها على شركات أخرى بمدة لا تقل عن 18 شهرا (مدة إجراءات سحب العمل بالإضافة إلى مدة التنفيذ الجديدة)، فضلاً عن تحقيق خسارة مالية تمثل الفرق بين التعويض المطلوب وبين الزيادة فى قيمة المشروعات طبقاً للطرح الجديد والتى تقدر ب 65 مليار جنيه ستتحملها ميزانية الدولة، خصوصا مع إعلان رئيس الجمهورية عن التزام الدولة بأسعار الوحدات السكنية التى أعلنتها للمستفيدين. وأوضح النائب البرلمانى المهندس محمد العقاد، ومقدم مشروع قانون التعويضات أن الدولة والاقتصاد ككل يمر بظروف استثنائية تستلزم التعامل معها بشكل أكثر مرونة لتجاوز آثارها السلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية، فما جرى العرف عليه خلال السنوات الماضية يصعب تطبيقه بنفس الآلية حالياً، مشيراً إلى حدوث اختلال مالى فى ثلاثة عقود أساسية بهذه المتغيرات وهى عقود المقاولات، والتوريدات، والخدمات. وأضاف أن هذا الوضع استلزم وجود قانون وليس قرارات فردية وفقاً لكل حالة على حدة لأن حجم التهديد كبير جداً، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن حدث قبل 15 سنة حينها أصدر رئيس الوزراء قراراً بتعويض المقاولين 10 %، والجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة لم تقر هذه الزيادة، وطالبت الموردين والمقاولين ومقدمى الخدمات بإرجاع ما تحصلوا عليه من تعويضات، مما أدى إلى إفلاس عدد كبير من أصحاب العقود لعدم قدرتهم على سداد الأموال مرة أخرى للدولة. ونوه العقاد، إلى أنه لضمان عدم تكرار تلك الأزمة عقدنا مناقشات يومية مع الحكومة لإصدار تشريع الحكومة عندما تقدم مشروعا لمجلس النواب لابد أن ترسله أولاً إلى مجلس الدولة، بينما عندما يصدر البرلمان تشريعا يتم الموافقة عليه أولاً من البرلمان ومن ثم يرسل إلى مجلس الدولة، وعليه فقمنا بالسير فى كلا الاتجاهين للوصول إلى حل سريع، فهناك قانونان خاصان بتعويضات المقاولين أحدهما مقدم من الحكومة والثانى اقترحه مع النائب عماد سعد، وبدأنا بالقانون الذى قمنا بصياغته كلجنة إسكان وفى أثناء مناقشته ورد إلينا قانون الحكومة. وشدد على أنه ما كانوا يسعون إليه هو إصدار قانون دائم يعطى سلطة التعويض بصورة دائمة وفقاً لأى متغيرات اقتصادية قد تستجد مستقبلاً لتصبح فى يد السلطة التنفيذية ممثلة فى مجلس الوزراء، وهذه كانت نقطة الخلاف الرئيسية بين لجنة الإسكان والحكومة، لكننا اتفقنا أنه يكون بصفة مؤقتة على أساس العقود السارية خلال الفترة الماضية مع بعض الملاحظات. وتابع النائب البرلماني، أن هناك قانونا حاليا يتم تعديل بعض الأسعار وفقاً له، حيث يعطى الحق للجهة المسندة للمشروع أى الحكومة أنها فى أول العطاء تحدد المواد التى إذا حدث تغير فى أسعارها تتغير سعر البند بأى نسب، ولكن ما تسبب فى عدم الاعتماد على هذا القانون هو محدوديته بحيث لا يضم سوى عنصرين فقط من مدخلات الإنتاج هما الحديد والإسمنت، وهذا لن ينطبق على جميع المشروعات مثل مشروعات الطرق التى لا تستخدم بها الحديد. واستطرد قائلاً إن “التعبئة والإحصاء” تحدد أسعار الحديد والإسمنت من أسعار المصنع وليس التجار الذين يبيعون بأسعار متغيرة ترتفع وتنخفض وفق السوق العالمية، بينما تصدر المصانع جداول ثابتة وتضع عليها أسعار خصم أو زيادة من خلال التجار أنفسهم، ما يعطى صورة غير دقيقة حول مستويات أسعار تلك السلع، ما استلزم أيضاً ضرورة اللجوء إلى قانون جديد.