بدأت فكرة كوبونات الغذاء في الولاياتالمتحدة في ستينيات القرن الماضي بينما بدأت فكرة الدعم في مصر في أثناء الحرب العالمية الثانية نتيجة لظروف الحرب ولم يكن الدعم حينذاك موجها للفقراء بل كانت كوبونات الكيروسين توزع علي الجميع أغنياء وفقراء نتيجة لظروف الحرب, ومع دخول عصر السليكون والكمبيوتر والبطاقات الإلكترونية الذكية تلاشت تماما من العالم فكرة كوبونات الغذاء والطاقة وتحولت إلي دعم نقدي ودعم عن طريق البطاقات الذكية. ففي الوقت الذي تتلاشي فيه كوبونات الغذاء والطاقة من جميع دول العالم متحضرا وناميا بل وإفريقيا تبدأ وزارة التضامن والعدل الاجتماعي الحائرة بين مسماها الصحيح كوزارة للتموين والشئون الاجتماعية وبين مسمي العدل الاجتماعي المستحيل التحقيق, تتحدث عن كوبونات أسطوانات البوتاجاز لنعود مائة سنة إلي الوراء ولتعود تجارة الكوبونات, من العيوب الأخري أن الوزارة لم تتحدث عن السعر الحر لغير حاملي بطاقات التموين والذين تصل أعدادهم إلي 25 مليون مصري ولا عن كيفية حصولهم عن أسطوانة البوتاجاز من الأسواق, ولا أيضا عن الالاف الذين يسترزقون من توصيل الأسطونات إلي المنازل ولا عن مصيرهم واحتمال عودتهم إلي الانحراف في ظل معدلات بطالة متزايدة بالإضافة إلي أسعار حصول الأسر المستحقة للدعم لأسطوانات إضافية عند نفاد الأسطوانة الواحدة المخصصة لهم خاصة في شهور الشتاء أو خلال شهر رمضان المستنزفين للبوتوجاز. عشرات الدراسات التي قدمناها ومعنا خبراء دعم عن البوتاجاز دون إلقاء اللوم كله علي مزارع الدواجن وأزمة الصيف الحالي لا تعود إليها لأنه لا حاجة لتدفئة الدواجن صيفا أو قمائن الطوب الرملي والأسمنتي وورش صهر المعادن وأغلبهم من صغار التجار والورش الصغيرة, فالدراسات التي قدمناها في مؤتمر الغرفة التجارية المصرية بالاسكندرية بعد الثورة للنهوض بالاقتصاد المصري ومن قبلها في منتديات ومؤتمرات إقليمية وعالمية كانت تشير إلي إمكانية رفع سعر أسطوانة البوتاجاز إلي 10-15 جنيها, متزامنا مع مضاعفة أسعار الغاز الطبيعي للمنازل لتحقيق ربح منه يعوض دعم البوتاجاز والذي لا يتجاوز 5 مليارات جنيه في موازنة العام الماضي, فالأحياء الراقية في مصر الذين يتمتعون بوصول الغاز الطبيعي إليهم لا يسددون للدولة أكثر من عشرة جنيهات شهريا عن ثلاث وصلات للغاز خاصة ببوتاجاز الطهي وأخري لسخان الحمام وثالثة لسخان المطبخ وأنا واحد من هؤلاء الذين يسددون أقل من عشرة جنيهات شهريا ولا يضيرني إطلاقا أن ترتفع إلي عشرين أو ثلاثين جنيها شهريا فهذا المبلغ لايقارن بما نسدده بالمئات لفاتورة الكهرباء ولا يقارن بما يسدده الفقراء في ثلاث أسطوانات غاز شهريا علي الأقل في حال تساوي وصلاتهم مع مثيلاتها عند الأغنياء حيث لا يسددون أقل من ثلاثين جنيها وأحيانا تصل إلي45 جنيها بالإضافة إلي تحمل المشاق وأحيانا البهدلة للحصول علي هذه الأسطوانات خاصة خلال شهور الشتاء في حين يتمتع أصحاب وصلات الغاز الطبيعي بالطمأنينة التامة ولا يرهقون بازمات البوتاجاز المتكررة وهذا أيضا يجب أن يكون له ثمن. مضاعفة أسعار الغاز الطبيعي الخاص بالإستهلاك المنزلي لمبدأ العدالة الاجتماعية الذي ترفعه وزارة التضامن ولا تطبقه, ثم زيادة أسعار أسطوانة البوتاجاز كفيل بتحقيق أكثر من الخمسة مليارات جنيه الخاصة بدعم أسطوانات البوتاجاز وينأي بمصر عن تشوهات الأسعار بوجود سعرين أو ثلاثة لنفس السلعة وما يسببه من تفشي الأسواق الموازية بالإضافة إلي عدم العودة إلي الوراء ولنسير بالتوازي مع الدول المتقدمة, فالبداية المقترحة بكوبونات أسطوانات البوتاجاز يمكن أن يتبعها كوبونات أخري للبنزين 80 ثم البنزين 90 وصولا إلي كوبونات السولار لتغرق في تشوهات الأسعار ولتعود مصر مائة عام إلي الخلف في الوقت الذي يتجه العالم إلي البطاقات الذكية للدعم لشراء السلع الغذائية من جميع محال السوبر والهيبر ماركت بل والمجمعات التعاونية التابعة للدولة دون أن يتسبب ذلك في تشوهات الأسعار لأن صاحب البطاقة الذكية سيحصل علي السكر والأرز والزيت من أي محل تجاري ببطاقته الذكية بما يقلل الانحرافات الخاصة بسوء نوعية الأرز التمويني ومعه الزيوت والسكر ويلغي الكثير من مناقصات التوريد لهيئة السلع التموينية والتي يتحكم فيها عدد قليل من التجار وتسبب في ارتباع أسعار مثيلاتها في أسواق التجزئة بالإضافة إلي جني الملايين من توريد الأرز الكسر والزيت المجمد والسكر البني!! إلي متي سيظل الدعم متقدما علي تنمية الموارد والنظر إلي ما في أيدي الفقراء أولي من المساس بالأغنياء؟ المزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد